قالت له

قالت له

قالت له: الحب حزن أم فرح أم حزن وفرح؟

فقال لها: الحب بعضٌ من حياة، ولذلك فهو حزن وفرح، لكن الحزن فيه بعض فرح والفرح فيه مضاعَف، فهو نكهة الفرح في الحزن وبذار يزيد غلال الفرح.

فقالت: وإن صار في فرحه بعض حزن، وصار فيه الحزن مصاعفاً ألا يكون الحب قوياً بالخوف والقلق من الخسارة بالموت، أو التمسك بالحبيب خشية أن تأخذه منا الحياة؟

فقال لها: عندما يصير الحب بذرة حزن تزيد الحزن وتجلبه للفرح ينتحر ويصير عكس ذاته، فيأكل لحمه ويضيق عليه جلده، ويصير عبئاً على أصحابه فيبحثون عن فرح آخر، والحياة لعبة البحث عن الفرح والحزن، فيها سقطات وخيبات. هذا البحث بخسارة أو وجع أو مرض أو فشل. ومتى صار الفرح خارج الحب، ولو أوجدنا له تسميات جديدة بالعبث والتسلية والمرح والصداقة نكون في طريق البحث عن حبّ آخر ولو لم ننتبه أو على الأقل نتوزّع بين مشاعر الرغبة بالفرح خارجه والشعور بظلم القدر الحزين فيه، فيصير الحب لعنتنا وتلك نهايته.

قالت له: لكنه حزن نبيل.

فقال: ولمَ لا يكون الفرح نبيلاً فيه؟ وهل الحياة غير بحث عن فرح؟ وهل الحب غير فرحتنا الكبرى؟

فقالت: أشعر بالسمو في حزن الحب وتصفه أنت بالقدر المشؤوم، وأشعر بالسعي للفرح خارجه كلعبة صغيرة لا تشبع الروح وتراه أنت بديلاً للحب أو خصماً ينمو على حسابه!

فقال لها: تتخيّلين أن الأوصاف التي نمنحها للأشياء والمشاعر أقوى من حقيقتها، وأن الحياة المحكومة بقلق الموت المقبل تخضع لقوانين لعبة الكلام التي نصنعها.

فقالت: وأنت كيف تراها؟

قال: للأشياء معانٍ قائمة بذاتها، وهي ثابتة منذ الأزل وأولها أن الحياة سباق مع العمر والزوال بحثاً عن الفرح، والحب هو الاكتشاف الإنساني الأخطر في هذه المسيرة. ومتى فقد الحب هذه الميزة فقد دوره كمصدر شعور بالقوة على الأقدار، وامتلاك سبب للسعادة والفرح لا ينقصه المال ولا المرض ولا الضعف. وهو الحبّ ومتى صار الحب حزننا الراقي صار بحثنا عن الفرح خارجه هو الحياة وحبّ خارج الحياة هو موت مع وقف التنفيذ.

قالت له: لكنني أفرح بحزني في الحب وأشعر بتميّزه وكأنّه ثروتي الخاصة والناضجة والتعبير عن عمق إنسانيتي وألعب بفرحي خارجه، وكأنه طفولتي ومراهقتي الفاقدتين المعاني ولعلاقة بالتراكم.

قال لها: ألا تشعرين أنك تمنحين الحب وصفاً يجعله أقرب للسير في جنازة أحد العظماء؟

قالت: ربما

فقال لها: دعي لنا ما تسمينه لعبة الطفولة الغبية بلا تراكم الأسبوع كله، ودعي للحزن الراقي يوماً من الأسبوع!

فقالت: إذن اليوم لحزننا الراقي.

فقال: حسناً نلتقي بعد أسبوع.

وتعانقا يبتسمان ومضيا معاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى