فلسطين.. واستشراف سعاده
نظام مارديني
يقول النهضوي أنطون سعاده «لا يخيف أصحاب الحركة الصّهيونيّة التّهويل من بعيد والجعجعة بل الشّيء الحقيقيّ الّذي يُخيفهم هو الموت».
ضمن هذه الرؤيا نفتتح الكثير من الأسئلة التي لا نهاية لها، حول اجتماع مجلس الأمن لمعالجة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة، بعدما اعتبر الأخيرة عاصمة لدولة الاحتلال. ولعل قول سعاده حول الأمم المتحدة التي تأسست من الدول المنتصرة في الحرب هي خير مثال، كدورها الخطر في تقرير مصير فلسطين منذ العام 1947، فهل ندع هذه الأمم تقرر مصيرنا كما تريد من جديد؟
في كل ألم يصيب عمق ذاكرتنا نكون قد عدنا إلى الكبار في بلادنا، فكيف نتحدث بأسلوب يليق بأبجديتهم ولا تتجدّد دماؤنا..؟ والاستثناء هنا هو ما استشرفه سعاده منذ منتصف عشرينيات القرن المنصرم عندما قال «إننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا، فنحن أمام الطامعين والمعتدين في موقف تترتّب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت، وأي نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها». وهو بذلك يشير إلى الخطر الصهيوني: «لا يعضد الحركة الصهيونية في العالم الخارجي إلا وعدُ بلفور بجعل فلسطين وطنًا قوميًا لليهود».
وهذا الوعي المبكر والشعور العالي بالمسؤولية القومية أمام الخطر الداهم للحركة الصهيونية كانا من أهمّ الأسباب التي دفعت سعاده إلى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي ليكون رأس الحربة في الصراع ضدّ الحركة الصهيونية التي رآها «تسير على خطة نظامية دقيقة، إذا لم تقُم حركة نظامية معاكسة لها كان نصيبها النجاح»، مسجلاً بذلك أنّه كان قائداً سياسياً وعبقرية تنظيمية لم تشهد الساحة القومية، بل والعربية، مثيلاً لها. ولعلنا هنا نتذكر ما قاله حكيم الثورة الفلسطينية الراحل جورج حبش عام 1997 للباحث صقر أبو فخر في: «أهدرنا خمسين عاماً من النضال ونحن نصرّ على صوابية رأينا، وكان من الممكن أن نختصرها ونعود للإقرار بأولوية وأحقية وراهنية ما قاله أنطون سعاده حول وحدة سورية الطبيعية وأولوية العمل لهذا الهدف».
لا شك في أن الأسئلة ستبقى تتزاحم أمامنا.. تستفزّنا، تسخر منا.. ثم ماذا؟ هل هناك متابعة؟ هل ما صدر أو سيصدر عن مجلس الأمن هي قرارات ملزمة؟ ما هي آليات المراقبة لهذه القرارات؟ وقبل كل شيء لماذا كانت الدعوة الآن، بعدما سقطت مئات الدعوات التي تدعو الاحتلال إلى الخروج من فلسطين؟
منذ إطلاق الحزب السوري القومي الاجتماعي المقاومة في فلسطين المحتلة في العام 1936، وتقديمه قوافل من الشهداء قرابين لعيون فلسطين، ومن بين هؤلاء الشهيدان الرفيقان حسن البنا وسعيد العاص تباهى المنتدَب البريطاني والعصابات اليهودية وهم يلوّحون بشارة الزوبعة التي كانت على صدره بأنهم قتلوا القومي سعيد العاص .
لنتذكّر أنّه من جنوب سورية، وحيث اللعبة القذرة لمشيخات الخليج وأميركا، تعاد صياغة «الخريطة اليهودية» في فلسطين المحتلة… بعض العرب يتواطأ مع هذه «الخريطة» الجهنمية إلى حد الاستعداد للمساعدة في إزالة اسم فلسطين من كتبهم المدرسية، بعدما شاركوا بغزو العراق والعدوان على سورية.
بعد اندحار الاحتلال الصهيوني من بيروت باتجاه الجنوب، ومن ثم إلى داخل فلسطين المحتلة، قول الدكتور «غي باخور»، وهو مستشرق وخبير قانوني صهيوني، «كانت الصدمة في «إسرائيل» كبيرة، وأخذ الجيش الإسرائيلي ينكفئ جنوباً، وتبخّر الحلم اللبناني فجأة. وحقق أنصار انطون سعاده نجاحاً كبيراً. وواصل أتباعه مطاردة الجيش «الإسرائيلي» في جنوب لبنان، مع مجموعة من المنتحرين والمنتحرات، سببوا لنا خسائر جسيمة».
«ليست المسألة هي النصر العسكري، أو الهزيمة العسكرية.. المسألة هي إرادة الأمة وتقديرها للبطل حين تجد نفسَها فيه..»، كما يقول الأديب الفرنسي أدريه مالرو.