MBS و MBZ وصفقة القرن التي انتظرناها
د. رائد المصري
اعْترى العرب كلُّ العرب والمسلمين معهم خوفٌ شديد من صفقة القرن التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير مع دول الخليج، في ما سُمِّي بقمَّة الرياض التي تألَّفت من سلسلة لقاءات وثلاثة مؤتمرات عُقدت بين 20 و 21 أيار/ مايو من العام الحالي 2017 ، بمناسبة زيارة الرئيس الأميركي إلى المملكة العربية السعودية في أوَّل رحلة خارجية له منذ تولِّيه منصبه، وتضمَّنت القمَّة اجتماعاً ثنائياً بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، واجتماعين آخرين، أحدهما مع دول مجلس التعاون الخليجي والآخر مع الدول العربية والإسلامية.
ولقد ظلَّ لغز الاتفاقات السياسية وإعادة ترتيب تحالفات المنطقة محيِّراً، باستثناء ما تظهَّر من سيولة نقدية ومالية حصل عليها ترامب فاقت الـ 500 مليار دولار، وكذلك تفعيل وتنشيط العلاقات الرسمية بين السعودية و«إسرائيل» علنياً وفوق الطاولة، تحت مسمَّيات الخطر الإيراني الداهم على العروبة والعرب، والتدخُّل في شؤون البلدان الداخلية ومحاولات لتطويق إيران سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بعد أن ثَبُتَ، وبالوجه الشّرعي، دورها في الحفاظ على مكوِّنات الدول العربية ودعمها في القضاء على الإرهاب ومنعها من التفتيت كسورية والعراق واليمن…
لقد أخطأ هؤلاء المغامرون الفتيان في تقدير الموقف وأقصد MBS محمد بن سلمان و MBZ محمد بن زايد والمغامر الأكثر وقاحة وصهيونية جاريد كوشنير، عندما اقتنعوا وأيقنوا أنَّهم قادرون على رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد وفق أحلامهم الصبيانية، فانكشفوا باكراً وغرقت مراكبهم الورقية التي صنعوها على ضفاف السواقي. وبقدرة قادر وسرعة البرق أحرقوا كلَّ أوراقهم التفتيتية لدول المنطقة في طرح الانقلابات السريعة والأسهم السياسية المتهاوية عقب انتهاء التوظيف الداعشي والحركات التكفيرية، فمهَّدوا لانفصال كردستان العراق لإضعاف الدولة المركزية وفشل المخطط، وأرادوا انقلاباً سياسياً في لبنان لتطويق المقاومة وعزلها والتأليب عليها فكانت ردَّة الفعل عكسية تماماً تجلَّت بوحدة اللبنانيين خلف مؤسساتهم حماية لأمنهم واستقرارهم ومقاومتهم، وانتقلوا إلى اليمن علَّه يعوِّض عليهم شيئاً من خسائرهم المتراكمة ليفتعلوا انقلاباً عبر علي عبدالله صالح فقُتل في ليلة دهماء وتمَّ إفشال المخطَّط المؤامرة. هو استمرار في إمعان للدور الوظيفي المُخزي بحقِّ أبناء جلدتهم من العرب والمسلمين… ولما يتم جَبْهُهم بعد…
أتاهم ترامب الأوضح من آخر الطرق وأقصرها عبر القدس وفلسطين، ليُعلنها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني الغاصب، فترامب قد أسْقط الأقنعة وأظهر الوَجه القبيح لحُلفائِه العَرب من المحمَّدَيْن، وأراد إشعالَها حَرباً دينيّة، من دون أن يدري أنَّه ربَّما سَتكون بِلاده والحليف الصهيوني حَطَبَها، لأنَّ زَمن هَيمنة النّفط وتراكماته المالية وعَوائِده لممالك الخير على القَرار العَربيِّ الرسميِّ بدأ يَلفُظ أنفاسهُ الأخيرة.
إنَّها المعادلات الإقليمية والدولية التي حكَمت العالم منذ ما يقارب الأربعين عاماً هي التي تتغيَّر. فلا حلفُ عرب الإعتدال ولا سياسات ترامب وصهره وصفقات المحمَّدَيْن، ولا الإعلان الأميركي الأخير حول القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل قادرة على تغيير قواعد لعبة الإنتاج العالمية وإعادة توزيع سوق العمل الدولي، فسوق العمل الدولي هذا عماده التوجُّه شرقاً وربط البحار الخمسة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، كما أعلنها الرئيس بشار الأسد ويعمل عليها وفق منهج استراتيجي في السياسات الإقليمية الجديدة بعد الحرب على الإرهاب، بينما لم نجد رؤية ومنهجاً استراتيجياً وطرحاً أيديولوجياً ونسقاً لبرامج اقتصادية تتماشى مع المعادلات الدولية والإقليمية الجديدة التي تُرسم عند باقي العرب «إلاَّ بالانفتاح على إسرائيل وإعادة ترتيب العلاقة مع الكيان الغاصب كردِّ فعل من الأشدِّ كفراً ونفاقاً»….
قالها ترامب وفعلها فوفَّر على العرب والمسلمين الأحرار ما كانوا وما أصبحوا يخجلون به، بإعادة تصويب البوصلة نحو فلسطين وفرز مسارات الصراع الحقيقية حول قضايا الأمة التي ضيَّعها عرب الاعتدال وغلمانهم، بدءاً من مبادرة السلام المُخزية عام 2002 رجوعاً إلى كلِّ خطط المعاهدات والاتفاقيات المُذلِّة بحقِّ الشعب العربيِّ والمسلم من كامب ديفيد إلى أوسلو ووادي عربة، فأرادوها صفقة القرن بالتنازل عن الحقِّ والأرض وتدنيس المقدّسات، فكانت لهم وعليهم تثبيتاً للحقِّ العربي والفلسطيني وللقدس العاصمة الأبدية لفلسطين ولكلِّ العرب، وعزلاً للولايات المتحدة في جمعية الأمم المتحدة والمحافل الدولية وتكاتُف دولي وعربي وإسلامي عرَّى نفاقهم وكشَف تآمرهم وزيف ادعاءاتهم بالصراع السنِّي الشيعي وبالسطوة الإيرانية على دول المنطقة كما زعموا طوال سنين مضت، وإلاَّ فليكشفوا اليوم عن صدورهم ومواقفهم بشأن القدس وقرارات ترامب العنصرية لنعرف مع مَن نتعامل ومع مَن نقف… إنهما MBS و MBZ فلا تخافوا…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية