رئيس الجمهورية: تشكيل قوة ضغط شعبي تساند ضغطنا السياسي والديبلوماسي ولعقوبات موحّدة متدرّجة في حق كل مَن يعترف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»
شدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على أن «الإسرائيليين» مارسوا أبشع أنواع التطهير العرقي على أرض فلسطين. وحذّر الرئيس عون من أن «»إسرائيل» اليوم، تتصرّف عكس مسار التاريخ، وتتحدّى التطوّر الإنساني والمجتمعي وتعلن نفسها دولة يهودية، وتحاول تأكيد ذلك بتهويد القدس وجعلها عاصمتها، وفي ذلك شطب للهوية الجامعة للأرض المقدسة، وإلغاء صريح لرسالتين سماويتين يؤمن بهما أكثر من نصف سكان العالم، ما يشكّل طعنة للحضارة والإنسانية، ستجرّ تهجيراً جديداً وتطهيراً عرقياً جديداً وتؤسس لحروب مقبلة. فالقدس، وكل فلسطين، تجمع أقدس معالم المسيحية، وأهم المعالم الإسلامية، وهي محجّة الديانتين الكونيتين، فهل يمكننا تصوّر المسيحيين والمسيحية من دون القدس وبيت لحم وكنيسة المهد وكنيسة القيامة؟ وهل يمكننا تصور الإسلام والمسلمين من دون المسجد الأقصى ومقدسات فلسطين»؟
مواقف الرئيس عون أتت خلال إلقائه كلمة لبنان في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي دعت اليها تركيا بصفتها رئيسة المنظمة حالياً، وخصصت لبحث تداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل».
وقال: أعتقد إنه لا يمكن أن تصبح فلسطين أبداً دولة يهودية، كما لا يمكن للعالمين المسيحي والإسلامي على حد سواء، أن يظهرا يوماً استعداداً لوضع أماكنهما المقدسة في عهدة اليهود. كان من الأكثر رزانة برأيي تأسيس وطن يهودي على أرض غير مثقلة تاريخياً بإرث المسيحية والإسلام….
وتابع: اخترتُ بدء كلمتي بمقتطفات من رسالة سيغموند فرويد إلى حايم كوفلر عضو «مؤسسة إعادة توطين اليهود في فلسطين»، وهي تعود إلى 26 شباط من العام 1930، وقد فنّد فيها فرويد تحفظاته على الصهيونية، بعدما كان كوفلر طلب منه المشاركة في الدعاية لها، ولعل أبرز تلك التحفظات يقينه أن العالمين الإسلامي والمسيحي لن يسمحا بتأسيس وطن قومي لليهود على أرض فلسطين…
للأسف، كانت توقعات فرويد في غير محلها، فصمت مَن صمت وتقاعس مَن تقاعس وتواطأ مَن تواطأ وقامت «إسرائيل» على أرض فلسطين.
ووصف الرئيس عون خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، بأنها «بالإضافة إلى كونها تجاوزاً للقوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، فهي تسقط عن الولايات المتحدة صفة الدولة العظمى التي تعمل على إيجاد حلول تحقق السلام العادل في الشرق الأوسط. وإذا لم تتصدّ الأمم المتحدة لهذا القرار فإنها تتنازل عن دورها كمرجع دولي لحل النزاعات الدولية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، كما ينص ميثاقها، فينتفي بذلك سبب وجودها».
وشدّد على أن «إسرائيل»، ومنذ نشوئها حتى اليوم، تعتمد مبدأ القوة وسلب الحقوق والتهجير، مستفيدة من حق الفيتو وممارسة الدلع الدولي فالأمم المتحدة التي قسّمت فلسطين لم تنجح يوماً في إدانة فعلية ورادعة لـ «إسرائيل». ولكن رغم ذلك ظلت للقدس خصوصيتها في القرارات الدولية، ولم يسبق أن تجرأت أي دولة على المسّ بهيبة هذه المدينة ورمزيتها وقدسيتها. فالقرار 181، قرار تقسيم فلسطين، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 /11/1947 اعتبر أن للقدس وضعاً دولياً خاصاً، وجعل منها كياناً منفصلاً تحت وصاية دولية، أول مقاصدها «حماية المصالح الروحية والدينية الفريدة للمدينة. وفي 20/8/1980 صدر عن مجلس الأمن القرار 478 تعقيباً على إقرار «القانون الأساسي» في الكنيست «الإسرائيلي» الذي يعلن مدينة القدس عاصمة «إسرائيل» «الكاملة والموحّدة». فنص هذا القرار على عدم الاعتراف بالقانون «الإسرائيلي» واعتباره انتهاكاً للقانون الدولي، ودعا الدول الأعضاء إلى عدم الاعتراف به وسحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة المقدسة. كذلك القرار 2334 الصادر بتاريخ 23/12/2016 عن مجلس الأمن، نصّ أنه لن يعترف بأي تغييرات في خطوط الرابع من حزيران 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس. أضف إلى ذلك، قرارات متتالية للجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد ضرورة التزام قرارات مجلس الأمن بشأن القدس، وتعتبر «قرار «إسرائيل» بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على مدينة القدس الشريف غير قانوني ولاغياً وباطلاً، وليس له أي شرعية على الإطلاق»، كما ورد في القرار 52/53 الصادر عن الجمعية العامة في 9 كانون الأول 1997».
وسأل هل يحقّ لأي عضو في مجلس الأمن، مهما علا شأنه، أن يلغي منفرداً قراراً لهذا المجلس؟ وهل سيقبل مجلس الأمن بكسر قراراته وهي ملزمة للدول الأعضاء؟ وهذا إن حصل ألا يشكل أيضاً إلغاء لعلة وجوده؟ وما الذي تغيّر اليوم لتتخذ الولايات المتحدة الأميركية هذا الموقف، متجاوزة القانون الدولي والأمم المتحدة، غير آبهة بحقوق المسلمين والمسيحيين في العالم كله ولا بمشاعرهم، ولا بالتداعيات التي قد تنتج عن ذلك؟
وأكد أن الأحداث التي عصفت بالعالمين العربي والإسلامي خلال السنوات الأخيرة، وحال التعثر والتخبط التي وقعت فيها شعوبهما، صدّعت العلاقات بين بعض الدول الشقيقة والصديقة، وأرست الحواجز النفسية بينها فتعمّقت الفجوات والشروخ وفقدت روح التضامن، وتحول الصراع العربي – «الإسرائيلي»، والإسلامي ـ «الإسرائيلي»، صراعاً عربياً – عربياً، وإسلامياً – إسلامياً، من خلال تغذية الصراع المذهبي بين السنة والشيعة. ومعلوم أن في التفرقة ضعفاً، وفي الضعف استفراداً، وليس عبثاً أن من أهم أمثالنا العربية «فرّق تَسُدْ». ومما لا شك فيه أن «إسرائيل» هي المستفيد الأوحد من هذا الواقع المستجدّ المؤسف والمؤلم، وما يحصل اليوم هو نتيجة حتمية لانحرافنا عن الهدف.
وقال الرئيس عون: «لقد استشعرت خطورة المرحلة منذ بداياتها ونصحت في كلمتي في القمة العربية منذ أشهر «بوقف الحروب بين الإخوة، والجلوس إلى طاولة الحوار وإلا ذهبنا جميعاً عمولة حل لم يعُد بعيداً، سيفرض علينا». وها هو الحل يُفرَض، فهل ننتفض في الجولة الأخيرة؟ هل توحّدنا القدس مجدداً فننقذ تاريخنا وإنساننا وتراثنا، أم نسقط وتسقط معنا القدس وتضيع فلسطين إلى الأبد؟».
وأشار إلى أن قضيتنا ووحدتنا لن ينفعهما سوى قرار موحّد وإجراءات موحّدة لاستعادة ما خسرنا، وما نوشك أن نخسر، لذلك لا بدّ من مقاربة عملية للحلّ تقوم على:
1 – التقدّم بشكوى عاجلة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة باسم مجموعة الدول الإسلامية «OIC» لتعطيل القرار الأميركي وإلزام الولايات المتحدة إلغاءه.
2 – القيام بحملة دبلوماسية تهدف إلى زيادة عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين والانتقال إلى اعتبارها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، مع اتخاذ الإجراءات القانونية والسياسية والدبلوماسية اللازمة لاعتماد القدس الشرقية عاصمة لها.
3 – اتخاذ إجراءات عقابية موحّدة ومتدرّجة، دبلوماسية واقتصادية، ضد أي دولة تنحو منحى الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل».
4 – الدعوة المشتركة لشعوب دولنا لتتحرّك في بلدانها وأماكن انتشارها لتشكيل قوة ضغط شعبي تساند ضغطنا السياسي والدبلوماسي.
5 – التمسك بالمبادرة العربية للسلام بكل مندرجاتها من دون انتقاص، والتوافق مع وسيط دولي نزيه للعمل على تفعيلها كي لا يبقى أمامنا سوى العودة عنها، مع ما يترتب عن هذه العودة من تداعيات.
وشدّد على أن هدفنا يبقى السلام، ولكن، لا سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون احترام الحقوق.
وبعد انتهاء الرئيس عون كلمته، علا التصفيق داخل القاعة وكان لوقع الكلمة لدى الرؤساء الصدى الإيجابي وأيدها العديد منهم.
لقاءات على هامش القمة
وكان الرئيس عون التقى قبيل افتتاح القمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي شكره على «مبادرته السريعة لعقد مؤتمر القمة، والذي أتت للتعبير عن مدى خطورة الوضع ودقة المرحلة»، في ما عبّر الرئيس أردوغان عن «تقديره لمشاركة الرئيس عون في القمة ولمواقفه الداعمة للقدس ولتاريخها».
أما الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، فعرض مع الرئيس عون موقف بلاده من التطورات الاخيرة، «خصوصاً الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وأشار إلى أن «الاردن لا يقبل بهذا القرار»، كما تطرّق مع الرئيس عون إلى «الاتصالات والتحركات العربية الواجب القيام بها لتوحيد الشمل العربي والوقوف في وجه الأخطار المحدقة بالمنطقة جراء هذا القرار».
وهنأ الملك عبد الله الرئيس عون على «نجاح المعالجة التي قادها لحل الأزمة الحكومية التي كانت نشأت إثر استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري»، وأكد «وقوف المملكة الاردنية إلى جانب لبنان في الظروف كافة ودعمها له في المجالات كافة».
وكانت القدس أيضاً مدار بحث خلال اللقاء بين رئيس الجمهورية وأمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، حيث كانت الآراء متفقة على «أهمية التضامن العربي في هذه المرحلة بما يؤمن موقفاً موحداً يمكن من خلاله التصدي لكل محاولات انتزاع القدس من الحضن العربي، وتغيير الهوية الجغرافية والديموغرافية لفلسطين، وتجنيب المنطقة أخطاراً جمة جراء القرار الاميركي الأخير». وجدّد دعوته للرئيس عون لزيارة الكويت، الذي وعد بتلبيتها.
كما عرض الرئيس عون مع الرئيس الايراني حسن روحاني «تطورات الأوضاع في المنطقة بشكل عام، ومسألة القدس بشكل خاص»، وأبدى الرئيس الإيراني «دعم بلاده لكل ما يؤدي إلى المحافظة على القدس ومنع السيطرة عليها من قبل قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، وشدد على «أهمية هذه المدينة المقدسة بالنسبة إلى العالم اجمع».
كما التقى الرئيس عون أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وكانت القدس وما تتعرّض له محور اللقاء، وكانت الآراء متفقة على «منع اغتصاب الحقوق الفلسطينية والعربية، ومحاولات تشويه صورة القدس كعاصمة للديانات السماوية».
وعقد الرئيس عون اجتماعاً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحضور الوزير باسيل، وجرى البحث في «الخطوات التي يجب اتخاذها للتصدي لمشروع تهويد القدس وتحويلها عاصمة لـ«إسرائيل».
وجدد الرئيس عباس تأكيد «تقدير الفلسطينيين لما يقوم به لبنان، ودعمهم لكل ما يؤمن استقراره وسيادته، وعدم قبولهم أن يكونوا سبباً لأي محاولات لزعزعة الاستقرار».
شدّد الرئيس عون من جهته، على «وقوف لبنان إلى جانب فلسطين والشعب الفلسطيني في نضاله من أجل استعادة حقوقه المشروعة ومقاومته للاحتلال «الإسرائيلي»، ولمنع تحويل القدس إلى عاصمة لـ«إسرائيل»، لانه أمر يخالف المنطق التاريخي والانساني على حد سواء».
وبعد انتهاء اعمال المؤتمر، ودّع الرئيس عون نظيره التركي وتوجه إلى مطار أتاتورك حيث غادر والوزير باسيل والوفد المرافق تركيا في طريق العودة إلى بيروت.