بعد قرار القمّة الإسلامية لحلف يواجه أميركا وإسرائيل… السعوديّة لحلف معهما بوجه إيران الجعفري يلقّن دي ميستورا والرياض درساً في الدبلوماسية… والعقدة بالانسحاب الأميركي
كتب المحرّر السياسي
قبل أن يجفّ حبر قرار القمة الإسلامية في إسطمبول بسقوط دور واشنطن كوسيط مقبول للتفاوض في عملية التسوية للقضية الفلسطينية، وبالدعوة لحلف دولي لمواجهة التهويد الأميركي «الإسرائيلي» للقدس، أكد وزير الخارجية السعودية عادل الجبير أن غياب القيادات السعودية، بما في ذلك غيابه هو، عن القمة لم يكن بداعي الانشغال وظروف صحية، وقد شوهد يتنزه في شوارع باريس بعد مشاركته في حملة تمويل مشروع أمني فرنسي في الساحل الأفريقي، بل الغياب ناجم عن رفض خوض معركة القدس واعتبار الأولوية للمواجهة مع إيران، ضمن حلف تقوده واشنطن، وتشترك فيه «إسرائيل»، كما كشفت الممثلة الدائمة لواشنطن في الأمم المتحدة، فيما أكد الجبير التزام السعودية بمشروع سلام بين الفلسطينيين و»إسرائيل» بالتعاون مع واشنطن، التي لا تزال الوسيط المقبول والقادر على ذلك، وفقاً للنظرة السعودية.
مسرح المواجهة بين قوى محور المقاومة والمشروع الأميركي السعودي «الإسرائيلي» كان في جنيف، حيث يفترض أن تدور المحادثات السورية ـ السورية، سعياً لحلّ سياسي، وقد جرى تفخيخ جنيف في الرياض بحضور ومشاركة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الذي شهد ولادة بيان الرياض -2، الذي زرع القنبلة الموقوتة في طريق المحادثات، وباركه دي ميستورا، كما بارك التشكيل المجتزأ للوفد الذي لم يحقق الشروط التي نصّ عليها القرار الأممي 2254، كما قال رئيس الوفد السوري المفاوض السفير بشار الجعفري في مؤتمره الصحافي الذي فتح فيه الباب، لتقييم مهمة دي ميستورا في ضوء الإحاطة التي سيقدّمها لمجلس الأمن حول مسار المحادثات. وقد تميّز كلام الجعفري باللغة الواضحة والحاسمة، لوضع النقاط على الحروف وتوضيح صورة ما جرى وأسباب الغياب السوري لأيام والإصرار على سحب بيان الرياض وإعادة تشكيل الوفد المفاوض تحقيقاً للشروط الأممية، قبل البحث بالمسار التفاوضي مجدداً، مسقطاً بكلامه ووضوحه كل الترويج السعودي المباشر عن ضغوط روسية جلبت الوفد السوري إلى جنيف، ليصير الكلام عن عدم وجود ضغوط روسية عنوان الخطاب السعودي، فيما الارتباك عاد لخطاب دي ميستورا ووفد الرياض بغياب خارطة طريق لكيفية التعامل مع الإعداد لجولات مقبلة، فيما قالت مصادر دبلوماسية متابعة لمسار جنيف لـ «البناء» إن جوهر التعقيد يرتبط بعجز أميركي عن مواجهة تحدي البقاء في سورية، إذا أقلع قطار الحل السياسي، ولا تبدو واشنطن قادرة على تحمل قرار الانسحاب بعد، وتراهن على الوقت لبلورة بدائلها، خصوصاً في زمن الحديث عن حلف أميركي سعودي «إسرائيلي» بوجه إيران، يريد أن يتخذ من سورية ولبنان واحدة من ساحات المواجهة، ويسعى لتصوير المواجهة الدائرة في فلسطين تحت عنوان القدس، كامتداد للمواجهة بين إيران وحلفائها من جهة، وحلف الخصوم من جهة مقابلة، حيث السعودية و»إسرائيل» لم يعد يحرجهما الظهور معاً حتى في ملف القدس وفلسطين.
في فلسطين تواصلت المواجهات وسط دعوات ليوم غضب شامل في الأراضي الفلسطينية كلها، بما فيها الأراضي المحتلة عام 48، اليوم الجمعة، كما دعت حركة حماس لجعل جمعة الغضب حضوراً شعبياً حاشداً للدفاع عن القدس، بينما تواصلت المواجهات على خطوط المواجهة في القدس وغزة والضفة الغربية.
لبنانياً، كانت قمة بكركي الروحية للتنديد بالقرار الأميركي بتهويد القدس علامة جديدة ورسالة تأكيد لموقع لبنان في التضامن مع فلسطين، ولحجم الوحدة الوطنية العابرة للسياسة والطوائف تحت عنوان القدس، بينما على المستوى السياسي شهد مجلس الوزراء نقاشاً تفصيلياً لجدوى التفكير باعتماد سفارة لبنانية في القدس الشرقية وشكلت لجنة لاستكمال النقاش.
مجلس الوزراء شهد أول إقرار لتلزيم مربعات تنقيب عن النفط، واللافت كان أن التلزيم لحساب ائتلاف شركات روسية وفرنسية وإيطالية، وهو ما وصفته مصادر واسعة الاطلاع بتظهير للمظلة الدولية الضامنة للاستقرار اللبناني، التي ظهر مفعولها في مرحلة أزمة الاحتجاز السعودي لرئيس الحكومة سعد الحريري، لكن أطرافها ظهرت مع التلزيم النفطي واضحة، فمثل هذه الائتلافات الكبرى لشركات حكومية وشبه حكومية لدول كبرى لا تتم بمعزل عن السياسة، ولا بمعزل عن توافقات تضمّ مَن لم يشاركوا بالائتلاف ضمن تقاسم للأدوار الإقليمية، ما يعني وفقاً للمصادر أولاً أن شراكة روسية أوروبية تتولى رعاية الاستقرار اللبناني، وأن ذلك يتمّ برضا وقبول أميركيين، ما كان ليتمّ التوافق من دون توافرهما.
لبنان إلى نادي الدول المنتجة للنفط…
تحت مظلة التوافق الداخلي الجامع وإعادة تثبيت التسوية الرئاسية وفي ضوء الدعم الدولي الذي شكله مؤتمر باريس، عاد مجلس الوزراء الى الانعقاد في مؤشرٍ إيجابي الى المرحلة الواعدة التي تنتظر لبنان، بحسب ما عبر أكثر من مصدر وزاري لـ»البناء»، إذ خطا المجلس في جلسته أمس، وبعد سنوات من المماطلة والعرقلة الخطوة التنفيذية الأولى على طريق دخول لبنان الى نادي الدول المنتجة للنفط من خلال منح رخصتين لاستكشاف وإنتاج النفط في البلوكين 4 و9 الى ائتلاف شركات «توتال» الفرنسية، «نوفاتك» الروسية، و»إيني» الإيطالية، حيث علا التصفيق داخل مجلس الوزراء، فور إقرار البند.
ولفتت مصادر وزارية لـ البناء الى أن قرار المجلس في ملف النفط اتخذ بالإجماع ولم يُسَجل أي اعتراض باستثناء استفسار وزراء القوات اللبنانية عن تفاصيل المهل الزمنية لبدء الشركات التي ستأخذ التلزيم في مرحلتي الاستكشاف والتنفيذ . ولفتت المصادر الى أن الخطوة الثانية هي إجراء مناقصة لاستكشاف البلوكين وفقاً للخطة الموضوعة لاستخراج النفط خلال خمس سنوات ، موضحةً أن الإشراف على تطبيق الخطة سيكون مهمة مشتركة بين وزير الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول، على أن تتمّ العودة إلى مجلس الوزراء عندما تدعو الحاجة إلى أي قرار يدخل ضمن صلاحياته .
لقاء قريب بين الحريري وجعجع؟
وقد كان لافتاً تراجع حزب «القوات اللبنانية» عن اعتراضه على ما كان يصفه قبل أزمة الرئيس سعد الحريري بـ «صفقة النفط»، بعد أن تراجع في وقتٍ سابق عن استقالة وزرائه من الحكومة، ما فسّرته مصادر وزارية على أنه تغير واضح في الأداء «القواتي» على الصعيد الوزاري بعد تهديد رئيس الحكومة سعد الحريري بـ «بق البحصة» عن مرحلة استقالته في الرياض. ما يؤشر الى تقدم الجهود التي تبذل لترطيب الأجواء بين الطرفين بعد تنازلات عدة قدّمتها «القوات» لاسترضاء الحريري الذي طلب شروطاً للقاء جعجع.
غير أن وزير الإعلام ملحم رياشي انتقد، بحسب ما علمت «البناء» آلية التعيين في مجلس الوزراء، بحيث أجرى جملة من التعيينات في جلسة أمس، لم تحظ بتوافق مسبق، ولم تُعرض على الوزراء في مقابل رفض بعض القوى السياسية ملء الشواغر في مؤسسة تلفزيون لبنان، رغم وجود ملف جاهز وآلية قانونية واضحة من وزارة الإعلام.
وسجّل على هامش الجلسة، دردشات جانبية بين وزير الإعلام ووزيري الداخلية نهاد المشنوق والثقافة غطاس خوري، انضمّ إليها أيضاً الرئيس الحريري. وأشارت المعلومات إلى أن المشاورات تطرقت الى العلاقات بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل، وقد أفيد أن وزير الإعلام خرج إثرها من قاعة مجلس الوزراء وأجرى اتصالاً برئيس حزب القوات سمير جعجع، وتردّد أنه نقل خلاله اليه، رسالةً من الحريري.
وفي حين أرجأ الرئيس الحريري بقّ البحصة بعدما كان مقرراً ذلك في حلقة تلفزيونية الخميس المقبل، تحدّث عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار عن لقاءٍ قريب بين الحريري وجعجع، لافتاً الى أن الحريري «لا يزال في مرحلة تقييم ما جرى معه بعد تقديم الاستقالة في الرياض ، بهدف تحسين العلاقات مع القوات اللبنانية وغيرها من الجهات».
وقد ربطت مصادر مطلعة بين تراجع الحريري عن «بق البحصة» وبين زيارة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الى بيت الوسط، حيث تمنّى على الحريري التهدئة وعدم أخذ الأمور الى التصعيد».
وسبق انعقاد الجلسة اجتماع بين رئيسَيْ الجمهورية والحكومة، جرى فيه بحث البنود المدرجة على جدول الاعمال.
الى ذلك، أقرّ المجلس سلة تعيينات إدارية. فعيّن القاضي محمد مكاوي محافظاً لجبل لبنان، والقاضي كمال أبو جودة محافظاً للبقاع، وقرّر وضع المحافظ انطوان سليمان بتصرف رئاسة الحكومة. كما وافق مجلس الوزراء على تطويع 2000 عنصر من الذكور في قوى الأمن الداخلي للعام 2018.
وأقرّ أيضاً مشروع تلزيم أوتوستراد ضبية – العقيبة والذي يقوم على إنشاء أنفاق تحت الأرض. وبقي من جدول أعمالها 35 بنداً، منها ملف النفايات والاتصالات، أرجئ البحث فيها الى الجلسة المقبلة.
ولم تخلُ الجلسة من المواقف السياسية، فقد أكد الرئيس الحريري أن «التضامن العربي أصبح اليوم حاجة لإنقاذ القدس كي تبقى عاصمة لدولة فلسطين فقط». وشدّد على «قرار الحكومة بالنأي بالنفس، والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، معتبراً أنه «من باب أولى منع أي طرف خارجي من التدخل في شؤون لبنان، او استخدام الاراضي اللبنانية منصة لتوجيه رسائل إقليمية ومخالفة التزام لبنان بالقرارات الدولية».
.. وتحفّظ من «القومي» وحزب الله
وعلى رغم انهماك مجلس الوزراء العائد حديثاً الى «الخدمة الفعلية» بحزمة الملفات المكدسة على الطاولة طيلة الأزمة، لا سيما ملف النفط، إلا أن قضية القدس لم تغِب عن اهتمام المجلس الذي أعلن بالإجماع أن «القرار الأميركي لاغياً وباطلاً وفاقداً للشرعية الدولية وكأنه لم يكن»، وأكد «التزام لبنان مبادرة السلام التي أقرّت في قمة بيروت».
ولم يحظَ اقتراح وزير الخارجية جبران باسيل إنشاء سفارة لبنانية في القدس الشرقية، برضى وزراء حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي، الذين لم يتحمّسوا له لكونه يحمل اعترافاً ضمنياً بالقدس الغربية عاصمة لـ «إسرائيل». وقد رأى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب علي قانصو أن «فلسطين لا تُجزّأ»، فتم تشكيل لجنة وزارية برئاسة الرئيس سعد الحريري لدرس الاقتراح ومتابعته.
وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مستهل الجلسة أن «موقف لبنان كان قوياً في مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي حول القدس الذي انعقد في اسطنبول»، مبدياً اعتقاده ان «الوضع الدولي يساعد على إلغاء القرار الاميركي ذي الصلة، ولا سيما أن 14 دولة عضواً في مجلس الأمن رفضته».
قمّة روحية على نيّة «القدس»
وبعد التضامن الشعبي والنيابي والوزاري والدبلوماسي اللبناني الجامع حول القضية الفلسطينية، انعقدت على نيّة القدس القمة الروحية التي استضافتها بكركي بحضور رؤساء الطوائف كافة. وأجمع الحاضرون على «التنديد بالقرار الاميركي»، وطالب البيان الختامي الرئيس الاميركي «بالرجوع عن قراره»، معتبراً «انه يُسيء الى ما ترمز اليه القدس وهو مبني على حسابات سياسية ويشكّل تحدياً لأكثر من 3 مليارات شخص»، ومتخوّفاً «من ان يؤدي التفرد الأميركي بالانقلاب على قرار هام من قرارات الشرعية الدولية التي تتعلّق بالقضية الفلسطينية، الى الانقلاب على قرارات أخرى بما في ذلك القرار الذي يتعلق باللاجئين الفلسطينيين لمحاولة فرض تقرير مصيرهم خارج إطار العودة الى بلادهم المحتلة. وهو أمر يشكل اعتداء على امن وسلامة ووحدة لبنان الذي يستضيف حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني منذ عام 1948، والذي أكد في ميثاقه الوطني وفي دستوره على رفض التوطين شكلاً ومضموناً».
عودة الحياة إلى معبر جوسيه
على صعيد آخر، وبعد تطهير الجرود على الحدود اللبنانية السورية من الإرهابيين، عادت الحياة الى معبر جوسيه الحدودي الذي أعيد افتتاحه أمس، فيما افتتح المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مركز اأمن العام في القاع.
وأكد إبراهيم أن «صلابة الدولة ومؤسساتها في انتظام سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتطبيق القانون والتزام الشفافية ومحاربة الإرهاب، ودرء الخطر يكمن في نعزيز صمود الجيش والأجهزة الأمنية كما في استقلالية القضاء». ومن الجانب السوري للمعبر أكد وزير الداخلية السوري محمد الشعار أن «العلاقات بين لبنان وسورية أكبر من تصريحات أو غيرها. ذلك أنها طبيعية، لا تستطيع أن تفصلها لا الجغرافيا ولا الحدود، ولا أي إعاقة أخرى، مشدداً على أن لا عوائق أمام عودة النازحين إلى بلادهم».