قالت له
قالت له
قالت له: لماذا أنتقي كلماتي إليك بأجمل ما أجيد الكلام، وأنت لا تكترث حتى بردّ السلام؟ ولماذا أتشارك معك كل لحظاتي المفرحة، وأنت لا تشاركني إلّا همومك كأن الدنيا غداً ستزول وقد وقعت عليك كل كوارثها وهمومها؟ ولماذا أفرج عنك همومك وأحجب همومي، وأنت تتجاهل همومي وتثقلني بهمومك؟ أليس هذا هو الحبّ من طرف واحد رغم عتابك الدائم بأنّك من يحبّ أكثر؟
فقال لها: لو صحّت المقدّمات لكانت تصحّ النتائج. فالقياس دائماً محكوم بالنماذج.
فقالت: وما القصد من هدوئك في هذا البحر الهائج؟
قال: أن تقيسي الطول بالأمتار نموذجاً، وأن تقيسي الأوزان بالأمتار انقلاباً في المدارج، فكيف تصيرين تقولين أحسن القول وقد قلتِ أسوأ اتهام؟ وكيف تجلبين الفرح وتحرّكين الآلام؟ وكيف تبتعدين بالهموم والاهتمامات وأنت تأتين بالاتهامات؟
فقالت: برّر نفسك وتكون الأخيرة.
قال لها: وهل هي الأولى؟
فقالت له: بل هي الطولى.
فقال: ألا ترين أنني لا أعاتب ولا أغالب بل أسعى إلى الهدوء والسكون حرصاً على أن أكون من تسمينه الصديق الحنون؟
فقالت: هذا يعني أنّك تخفي المشاعر وتضبط الكلام، ولو لم تكن أنت لقلت كلام شاعر وفعل اللئام.
فقال: وقد قلتها فوصلت منك الرسالة، ولا حاجة للإطالة. فمن لا فرح معه لا خير فيه، فهل هذا ما ترين؟
فقالت له: ما أراه أننا نجامل بعضنا ونبحث عن السعادة ولا نجدها فلماذا نكابر؟ لقد تغيرنا فهل هو فعل الزمن بيننا؟
فقال لها: تسألين وتجيبين عنك وعنّي بينما تتذمّرين من كل توضيح منّي. وأنا ما زلت رغم السكون من أحب فهل أنا من تحبين؟
فقالت: بكلّ تأكيد لكنك حبّ عنيد.
فقال: وأنت تبحثين عن جديد؟
فقالت: أبحث عن التجديد.
فقال لها: التراجع ليس تجديداً والتراشق ليس سليماً. وما أحلى أن نستعيد ما تسمّينه قديماً.
فقالت: سأمنحك فرصة التجديد للقديم فهل توقف جدالنا السقيم.
فقال: وسأمنحك فرصة التخلّي عن التعلّل والتململ.
فقالت: ودع لي فرصة التدلّل.
فقال: والتأمل؟
فنظرت في عينيه ونظر في عينيها ومضيا بصمت.