هل يُثبت ماكرون على مواقفه من سورية؟
حميدي العبدالله
منذ وصوله إلى قصر الإليزيه أطلق الرئيس الفرنسي سلسلة من المواقف والتصريحات حول سورية، وكانت هذه المواقف مخالفة لما دأب عليه سلفه السابق الرئيس فرنسوا هولاند.
فهو أكد في أكثر من تصريح، كان آخرها هذا الأسبوع، أنّ الواقعية السياسية تتطلب الحوار مع الرئيس بشار الأسد، ولكن في كلّ مرة يطلق مثل هذا التصريح سرعان ما يعقبه بعد أيام بتصريحات مناقضة له، وبالتالي لم تجد تصريحات الرئيس ماكرون سبيلها إلى التنفيذ.
ثمة محللون فرنسيون يفسّرون اضطراب مواقف ماكرون بالقول إنّ الواقعية السياسية، بعد كلّ الانتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه، تستوجب مراجعةً للسياسة الفرنسية التي انتهجت في عهد الرئيس السابق، والرئيس ماكرون يسعى إلى هذه المراجعة ويصطدم بمجموعة من العقبات، أبرزها أنّ جزءاً من النخبة الحاكمة الفرنسية دعمت الخيار المتطرف الذي اعتمده الرئيس هولاند ولن يكون من السهل وبسرعة على الرئيس ماكرون الاستدارة بنسبة 180 درجة، ولذلك يطلق بالونات اختبار عبر تصريحاته الإيجابية ويتراجع عنها خوفاً من ضغوط المعارضين للانفتاح على سورية، كما أنّ فرنسا لا تستطيع التقدّم باتجاه إعادة العلاقات الطبيعية مع سورية من دون دعم الاتحاد الأوروبي، أو على الأقلّ دوله الأساسية، والاتحاد الأوروبي لم يتبنّ بعد سياسة إزاء سورية تقوم على الواقعية السياسية، إضافةً إلى معارضة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لأيّ انفتاح على سورية، ووضعها شروط لهذا الانفتاح بينها تقليص الحضور الإيراني في سورية.
لكن من الواضح أنّ انتصار سورية وحلفائها، ومأزق الولايات المتحدة في الفترة المقبلة، وما ينتظر قواتها في سورية من مخاطر، ورغبة فرنسا في العودة من جديد للعب دور سياسي في سورية ولبنان، تدفعان الرئيس الفرنسي لاعتماد سياسة واقعية مدخلها التشديد على عدم القدرة على تجاهل حقيقة أنّ الدولة السورية باتت تسيطر على أكثر من 90 من المناطق المأهولة، وهي تسير بخطى حثيثة، بدعم حلفائها، لفرض سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية، وبالتالي فإنّ استمرار سياسة فرنسا، وكأنّ الأوضاع لا تزال عندما كانت عليه في الأعوام الخمسة الأولى من الحرب على سورية، أمر خاطئ ويلحق الأذى بالمصالح الفرنسية.
قد يستمرّ الاضطراب في الموقف الرسمي الفرنسي لفترة وجيزة أخرى، ولكن ليس أمام فرنسا من خيار سوى الإقرار بالواقع، والتصرف على أساسه ومن وحيه، وهذا الواقع يؤكد حقيقة أن لا مناص من الحوار مع الرئيس الأسد، وفتح أبواب السفارة الفرنسية في دمشق.