الغد هو النصر العلامة الشيخ عفيف النابلسي
قد يكون القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني من أشدّ القرارات غباء. لأنّ هذا القرار في ظلّ تعاظم قوى محور المقاومة، والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي المصنوع أميركياً، وخمود نار الفتنة السنية الشيعية، وفشل عملية التسوية الفلسطينية «الإسرائيلية»، وانكفاء للدور الأميركي على مستوى المنطقة، هو فرصة ذهبية لشعوب المنطقة لإعادة الزخم إلى القضية المركزية التي كانت تنتظر مَن يعيد إحياءها واستنهاض إرادات وعزائم داعميها الذين انشغلوا خلال السنوات الماضية بإطفاء نار الفتنة ومقاتلة من كان يريد تحويل الصراع إلى داخل الأمة.
أتصوّر أنّ ما جرى منذ إعلان القرار وحتى اليوم مقبول جداً. الاعتصامات والمظاهرات واللقاءات وبيانات التنديد والمواقف الخطابية ستكون بداية لعملية شعبية سياسية عسكرية أوسع. المسألة تخضع لاعتبارات زمنية تراكمية. لا نريد أن نُغالي، ولكن هذا المسار من التصعيد في داخل فلسطين المحتلة وخارجها سيكبر يوماً بعد يوم. نحن أمام تحوّلات جدية في المنطقة. وليس صحيحاً التقدير الذي يقول إنّ هذه الهبّات الجماهيرية سرعان ما ستخبو وتخمد وتنطفئ، خصوصاً أنّ التجارب التاريخية كانت على هذا المنوال. فما أكثر الهبّات التي هدأت بعد أيام أو أسابيع، وما أكثر المواقف العربية والإسلامية التي ذبلت مع الزمن، وبالتالي حقق الإسرائيلي باستخدامه عامل الزمن ما يريد من أهداف.
لا… هذه المرّة ليست كالمرات السابقة. بشائر انطلاق ثورات وانتفاضات داخل وخارج فلسطين جدية للغاية. الأمة تعيد مركزية الصراع باتجاه إسرائيل وأميركا وقوى الهيمنة الغربية. والبنية الاجتماعية والنفسية عند الفلسطينيين جاهزة ومتحفّزة وتحتاج أن تتفاعل مع البيئات العربية والإسلامية الأخرى، وحتى مع الرأي العام في دول العالم المختلفة، والذي بدأ يتحرّك تنديداً بالسياسات الأميركية و«الإسرائيلية».
الفرصة إذاً متاحة لإعادة تشكيل حلف المستضعَفين في وجه حلف المستكبِرين، كما كان يقول الإمام الخميني. لا تصدّقوا أنّ أميركا تملك بيدها مفاتيح الأقدار، ولا تصدّقوا أنّ «إسرائيل» بسلاحها النووي تستطيع أن تدمّر الشعوب العربية وتقهر إرادتها. أميركا اليوم في موقف المنكفئ والكيان الصهيوني في مرحلة اللايقين والخوف والهشاشة. لعبة تعميم الفوضى في العالم العربي انتهت. هذه الأداة القذرة اسُتعملت في حدّها الأقصى ولم يعُد أمام المعتدين من خيارات استراتيجية كبرى. هم الآن في مأزق. هم الآن في موقع الحائر والمربك ومَن لا يملك المبادرة على قلب المعادلات من جديد لصالحه. فلنستفد من هذه اللحظة التاريخية. التي حوّلت أميركا من موقع القوي إلى موقع الضعيف، فقد خسرت أميركا في كلّ من سورية والعراق واليمن بفضل صمود محور المستضعفين. نعم نراهن على موجة تحرّرية كبيرة تجتاح فلسطين والعالم العربي. إنّ رهاننا مجدّداً على العاملين، على المقاومين، على الفلسطينيين والعرب الأباة، على كلّ شريف في هذه الأمة.
رهاننا على الأحرار الأبطال المؤمنين الشجعان الذين لا يهابون أحداً غير الله، الشعوب العربية تعيد وضع القدس في الموضع الصحيح. هذا هو التمركز الاستراتيجي الديني الحضاري الصحيح بأن يكون صراعنا مع قوى الهيمنة وأن نتوحّد مجدّداً لنصرة فلسطين وتحريرها.
الأمل كبير، خصوصاً عندما يصدح صوت سيد المقاومة. فما يقوله هو الحق وهو الغد وهو النصر، إن شاء الله .