حول تحرّك السلطة الفلسطينية في مواجهة قرار ترامب
حميدي العبدالله
اعتمدت السلطة الفلسطينية، ولا سيّما بعد الاجتماع الأخير، في رام الله، خيار الردّ على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، عبر التحرّك في الحلبة الدبلوماسية، وتحديداً في مجلس الأمن والجمعية العامّة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتفرّعة عنها.
معروف أنّ هذه المنظمات كانت منذ أكثر من أربعة عقود ميداناً للتحرّك الدبلوماسي، سواء من قِبل منظمة التحرير، أو لاحقاً من قِبل السلطة الفلسطينية، وقد حقّقت المنظمة والسلطة نجاحات في هذه المحافل الدولية، ومن غير المستبعد أن تحقّق في تحرّكها الراهن نجاحات مماثلة، مثل حشد 14 صوتاً في مجلس الأمن مقابل صوت واحد هو صوت الولايات المتحدة، التي استخدمت الفيتو لتعطيل صدور قرار عن مجلس الأمن يطالب بإلغاء قرار ترامب.
لكن من المعروف أيضاً أنّ جميع هذه النجاحات لم تحقّق أيّ شيء ولم تردع «تلّ أبيب» عن المضيّ في مخطّطاتها، إنْ لجهة تهويد القدس، أو بناء المزيد من المستعمرات، أو حتى تجاهل ما التزمته في اتفاقات أوسلو. فما الفائدة من العودة إلى هذا الأسلوب الذي لم يظهر أيّ فاعلية في مواجهة الاحتلال الصهيوني؟
لا شكّ أنّ مثل هذا التساؤل مشروع بعد كلّ هذه التجارب المريرة للشعب الفلسطيني مع الهيئات والمحافل الدولية.
لكنّ التحرّك الراهن للسلطة الفلسطينية في هذه المحافل ربما هذه المرة يحمل سمة إيجابية، تأتي من كونه لا يمثّل محوراً وحيداً للعمل، وإذا كان هو كذلك بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فإنّه يمثل عملاً تكاملياً بالنسبة لمجمل التحرّكات الجارية الآن من قِبل الشعب الفلسطيني وفئاته السياسية المختلفة.
لو كان العمل على المحافل الدولية هو الردّ الوحيد على قرار ترامب لكانت النتيجة معروفة سلفاً، أي لا فائدة من مثل هذا التحرّك، ولكن طالما أنّ تحرّك السلطة يأتي متزامناً مع انتفاضة شعبيّة عارمة تعمّ جميع أنحاء فلسطين، في الأراضي المحتلّة عام 1948، وفي قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، وطالما أنّ هذا الحراك يأتي متزامناً مع حراك جماهيري واسع على امتداد العالم، ولا سيّما في العالم العربي والدول الإسلامية والدول الغربية، حيث الجاليات الفلسطينيّة والعربيّة، فإنّه يمكن القول إنّ تأثير وصدى الحراك في المحافل الدولية هو تأثير تفاعلي مع الانتفاضة الجماهيرية ومع الحراك في الخارج لدعم حق الشعب الفلسطيني، وكلّ ذلك يخلق أرضيّة صلبة لمقاومة مسلّحة ضدّ الكيان الصهيوني، يقع عبؤها بالدرجة الأولى على المنظمات الفلسطينية التي لا تزال تؤمن بخيار الكفاح المسلّح.