الرفيق الأب حنا أسطفان… مشرف على 14 كنيسة في الولايات المتحدة وكندا
في النبذة عن الرفيق المميز شاكر أيوب، تحدثت عن الأب الرفيق حنا أسطفان .
يؤسفني ان الأب حنا عندما توجه إلى ضهور الشوير لزيارة الأمين نواف حردان 1 ، وكنت عميداً لشؤون عبر الحدود التقيت به. انما لم يكن موضوع تاريخ الحزب يحتل هذا الحضور الطاغي، كما الآن. لذا لم ادوّن الكثير من المعلومات التي يملكها الرفيق الأب حنا، سوى اليسير مما اعرضه ادناه، ولم يردني من الرفيق شاكر ما قد تجمع لديه من معلومات لجهة سيرة ومسيرة الأب الرفيق حنا.
إلى المعلومات المدوّنة من الرفيق حنا، اورد ابرز ما جاء في الرسالة التي كان وجهها إلى الأمين عبد الله قبرصي ونشرتها مجلة «صباح الخير» في عددها رقم 532 تاريخ 07/06/1986.
النشأة
الأب حنا أسطفان من بلدة «جون». انما هو من مواليد المكسيك عام 1918.
عاد إلى الوطن عام 1925، وتابع دروسه في كل من جون، دير المخلص، وفي معهد الدراسات الشرقية من الجامعة اليسوعية حيث نال عام 1945 شهادة الدبلوم، ثم درّس في مدارس الفرير.
صيف العام 1938 وكان تعرّف إلى الحزب عبر الرفيق توفيق ابراهيم سليمان، الذي يفيد عنه انه كان خياطاً رجالياً ماهراً واول رفيق من بلدة جون، انتمى إلى الحزب وانتظم في مديرية الطلبة في رأس بيروت.
عام 1943 اقترن من السيدة سعاد خرياطي، من بلدة جون ايضاً 2 .
عام 1961 سيّم كاهناً على يد المطران ابيفانيوس زايد الذي كان توجّه إلى المكسيك.
وعام 1962، وبسبب افتقار الكنيسة في مدينة «غراند رابيدس» إلى كاهن فقد انتقل راعياً للكنيسة واستمر لغاية العام 2002. يضيف الأب حنا انه كان عميداً لكهنة الكنائس الارثوذكسية الانطاكية في منطقة البحيرات مشيغان، الولايات المتحدة و اونتاريو كندا وكان عدد الكنائس تحت اشرافه 14 كنيسة، مرجعه المتروبوليت فيليب صليبا، وكان تعرّف إلى المطران جبران رملاوي عندما انتقل إلى مدينة كليفلند وهو كان رفيقاً، وسنكتب لاحقاً بما نعرف عنه.
غادر في آذار 1949 إلى المكسيك حاملاً كتاباً من الشاعر سعيد عقل إلى السفير جوزف ابو خاطر الوزير لاحقاً فتوظف سكرتيراً في السفارة، مستمراً مع السفير خليل تقي الدين 3 الذي خلف السفير ابو خاطر 4 .
عام 1958 بعد ان انهى عمله في السفارة اللبنانية، توظف في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم.
أبرز ما جاء في رسالته إلى الأمين عبد الله قبرصي
« حضرة الأمين عبد الله قبرصي المحامي،
يا أعزّ الناس وأصدقهم،
وردت عليّ «صباح الخير» من مكسيكو، أمس. ارسلها إليّ في البريد الجوي المعجل الصديق الاوفى توفيق الاشقر 5 .
ودسّ توفيق المجلة في غلاف، لفه بغشاء من السلوفان.. ترى هل تعمد «حرقصتي»..
نتفت الغلاف وسللت «صباح الخير» كما تسل السيوف.. وقبلتها.. وضممتها.. وشممتها.. جاءت اليّ عبر مكسيكو. «فهلا» بها!… فطريق مكسيكو وطريق دمشق سواء: توسيع «للصباح» و «للخير» وللهداية، وتصل ما صرمته معاهدات وبروتوكولات واتفاقات؟ وتذكر من غبى وتغابى، ان دمشق غير اورشليم. فأورشليم قاتلة انبياء ومرسلين، فيها تقطع الرؤوس، وتعطى، على طبق، للعواهر بنات البغايا «أجراً» لهن على خفق ردف وتثني خصر في حضرة مليك ماجن… اما دمشق فتسقط الغشاوات عن العيون، وتجعل من شاوول السفاح بولصاً يهتف في مسامع الكون: «المحبة في ما يثبت، هي الاعظم والأكمل».
وقلبت صفحات المجلة. كانت تضم رسالة من توفيق، يشير فيها إلى ان رسالة منك إليّ، قد تلطفت بنشرها في العدد الذي ارسله إليّ.
« وأطلقت أصابعي… ها هي رسالتك في رأس الصفحة، رسمك بشعرك الابيض، بشموخك، بثقتك بنفسك، بإيمانك بأمتك، بالنسر الذي تجسده ملامحك وهو يصاول الشمس ويجاولها..
وقرأت…
هذه ليست كلمات، ليست حروفاً.
انها ابر… ابر… ابر…
انك احذق ممن استحدث طريقة الـAcupunctun المعروفة عند المولدين بالخرام.
تغرز الابرة، وفي نيتك ان تذهب بالوجع، لا ان توجع.. ولكن الابرة اقسى قلباً منك، يا غارز الابرة، يغشى على من تغرزها فيه، من الالم، ولكنك لا تدري ما جنت يدك.
بلى اوجعتني. سلمت يدك..
ولكن ذنبك، يا بريء هو ذنب الشمس التموزية في حاكورتنا في لبنان. تعابث بأشعتها «اكواز» التين الغافية بين الورق، وتداعبها وتلاعبها لتخرج ما اكتنزته من الحلاوة، لتريق قلبها على فمها الذي يغالب الافترار… والاشعة، كأحرفك، تلذع «الكوز» في ما هي دائبة على ترك بعض من ذهبها على بعض حواشيه، واخذ شيء منه، يروي بعض عطشها إلى الشهد.
سكتت.. انطويت! كممت فمي!.. كسرت قلبي!.. اشعلت اوراقي..
كل هذا صحيح… انها ليست تهماً سرجت عليّ. انها وقائع تدينني..
استحق الصفع.. استحق الجلد.. استحق الشنق.. استحق ان اعلق على خشبة.. ولكن، يا عبد الله، هل كنت تتوقع مني غير ما تعيبه عليّ من سكوت؟! وما اقول، واللبنانيون يتراهنون على جعل لبنان مقبرة؟!
جرموا الفلسطينيين. قالوا: الفلسطيني اذلنا وهم الذين اذلوا انفسهم..
جرموا اسرائيل، قالوا: الصهيوني دمرنا!.. وهم الذين رحبوا بالصهيونيين، وهتفوا بحياته، وصفقوا له، وهو يدك عاصمتهم دكا ويتركها طللاً دارساً…!
قالوا: القذافي أمد بالسلاح من أعمل السلاح برقابنا.. وكانوا هم انفسهم قد جعلوا من لبنان «جبخانة» ومستودع اعتدة «موت».
قال المسيحيون: المسلمون عاملون على انتزاع لبنان منا، واعلانه بلداً اسلامياً يحكمه مسلمون!… وفاتهم انهم هم الذين اهملوا كل الاهمال، وعن سابق تصميم، ثلاثة أقضية من الاقضية الاربعة التي ضمت اليهم، وعاملوا سكانها معاملة اسرائيل لسكان الضفة الغربية وغيرها من المناطق المحتلة!..
ونادى المسلمون: يا غيرة الدين!.. لقد نكل بنا المسيحيون اكثر من نصف قرن.. فحان لنا ان نكسر عنا الانيار ونربطهم اليها. وتجاهل المسلمون، انهم في اثناء نصف القرن الذي يشكون منه، روّعوا المسيحيين اي ترويع، وشدوا بهم إلى عروبة لا عروبة فيها، وهادنوا فئات، لا رغبة في المهادنة، بل هادنوها على رجاء ان تناصرهم في حربهم، عندما تأزف الساعة مع الناصري انهم صرفوا الفلسطينيين عن الدفاع عن فلسطين، والهوهم بما يواجهونه في لبنان فارتمى النصارى في حضن اكثر من مرضعة مستأجرة احتماء من شر آت واتقاء لخطر داهم.
والاحزاب، يا عبد الله هل هناك احزاب؟ هل هناك، باستثناء الحزب احزاب علمانية؟!
هل الكتائب الحية التي اغرت اللبنانيين بالتلذذ بتفاحة الطائفية وبالاغتذاء منها وبتغذية الرضع بعصيرها، هل الكتائب هي حزب علماني؟!
هل «القوات»… «القوات»…
دخيلك، يا عبد الله، دخيلك
أليس من الافضل ان ابلع لساني ؟!..
أنا لا أدين.. اني اتساءل! ولكثرة ما تساءلت انتهيت إلى هذه النتيجة:
ان ما يعانيه لبنان اليوم كان من المتوقع ان يعانيه ويعاني اضعافه… كان من الطبيعي ان ينقلب لبنان مسرحاً يلعب على الموت ملهاته!…
فبعد ان انهت التشكيلات الميليشيات دورات تدريبها، واستكملت عددها، وشيدت قلاعها، وأقامت استحكاماتها، وحفرت متاريسها وخنادقها.. اضرمت الحرب..
وهذا طبيعي..
فقد ابى المسلحون ان تذهب جهودهم هدراً او ان تصدأ اسلحتهم، او ان يمر عليها الزمن…
وكان ان وثبت فئة على فئة، في عراك لن ينتهي الا بسقوط الفرقاء المقاتلين المتقاتلين كافة!..
لا عقل في لبنان… هذه هي مصيبة لبنان!! هجرتُ لبنان ولا اقول اغتربت عنه…
وأتيح لي في ابتعادي عن الاجواء اللبنانية المشربة بغازات الحقد الطائفي الخانق، ان ادرس المسألة اللبنانية في شيء من الايجابية فاتضح لي ان اللبناني عدو العقل…
من هنا كان ان جبران صرخ في وجوه اللبنانيين صرخته التي اصمّوا عنها اذانهم، لكم لبنانكم ولي لبناني!!..
ما يريد المتقاتلون في لبنان؟! قل لي، بربك ما يريدون؟
قبل كل قراع، قبل كل هجوم، كان النبي محمد يدعو الناس إلى كلمة سواء بينه وبينهم..
فهل يدعو المتقاتلون مناوئيهم؟ وإلام يدعونهم لو دعوهم؟!
لا شك في انهم لا يدعونهم إلى كلمة سواء… يدعونهم إلى الوقوف معصوبي الاعين، إلى جدار وصب الرصاص في صدورهم.. يأمرونهم بابراز الهويات، والهويات اما ان تقيهم سوى المآل، وإما ان تسوقهم إلى النطع، والقطع، والبتر، وحز الاعناق بالسكاكين المثلومة.
اللبناني عدو العقل.. ارددها كما اردد الكيرياليصون احمد الله على ان الدعوة إلى «لبننة» العالم اخفقت..
نقول اننا اوسقنا المراكب بالحروف ومخرنا بها البحار إلى الموانىء البعيدة، حيث زرعناها كما نزرع القمح، فنمت واعطت اكلها وأشبعت الجياع إلى المعرفة.
اني اصدق ما نقول..
ولكن لي سؤال؟
هل ابقى البحارة السمر على شيء من الحروف في خزائنهم ام انهم اتجروا بها حتى نفدت؟!
لا لم يبقوا على شيء من الحروف.. فأمرع العالم واخصب اما لبنان فأصيب باليباس..
اللبناني عدو العقل…
نتبجح بما لدينا من كتب نضفي عليها نعوتاً من مثل مقدسة، منزلة، موحى بها.. في ما ايدينا تمرغ هذه الكتب بالوحول وندوسها بالنعال…
ما هو منزل عند فريق، يعتبر مصطنعاً مبتدعاً عند فريق..
وما بيّنة الطاعن على المطعون فيه؟!
والغرب وكل ما يتعلق بلبنان يدعو إلى الاستغراب الذي يغمز بكتاب «للآخر» لم يدرس الكتاب، وليس في مكتبته نسخة عنه، هذا ان كان له مكتبة..
ويجتزىء الجهبذ بآية، ينتهك حرمتها ويفترع بكارتها قبل ان يتلوها… همه ان يكذب بها، ما لو اورده على صحته في النص لكذبة النص وتحدث بأفكه.
هذا ما يفعله عدو العقل!
كم سيحيا في اعتقادك، درس القرآن دراسة علمية ايجابية اكاديمية ليست نكهة لا ليجرح اعجازه؟!
والمحمدي، هل طالع عظة الجبل ليسوع هل تصفح الانجيل هل ألم بتعاليم من قال فيه القرآن: «سلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً..»؟!
لا! لا!…
فالمسيحي اللبناني والمحمدي اللبناني كلاهما عدو للعقل…
العلة ليست في ادياننا.. العلة هي في ان ابناء هذا الدين يجهل جهلاً مطبقاً ما يؤمن به ابناء ذاك الدين…
فهو لو وعوا «الكتب» لاهتدوا إلى ان ما فيها يجمع ولا يفرق، ويرتق لا يفتق..
هل قرأ المسيحي قول القرآن يا ايها انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا. ان اكرمكم عند الله اتقاكم..
وهل قرأ المحمدي قول الانجيل: من سألأك فاعطه من اراد ان يقترض منك فلا تمنعه.. صالح اخاك قبل ان تقدم قربانك إلى المذبح… احسن إلى من يبغضك، صل لأجل من ينعتك.
ولم القراءة!.. أيسر على عدو العقل ان يقتل وينسف الجسور والعبارات من ان يقرأ ويعي…
اذا تفرد مسيحي بالحكم في لبنان، او تفرد به محمدي، فلبنان لا يصبح دولة بل دغلاً…
فلبنان الدولة يقتضيه اقتناع سكانه بحق كل سكانه، منفردين ومجتمعين، في العيش في اية بقعة من بقاعه، دون فرز ودون تفريغ ودون تبادل سكان..
ولبنان الدولة يقتضيه عزم سكانه، كل سكانه على الاحتفاظ بسكانه كل سكانه..
ولبنان الدولة يقتضيه ان يؤمن لابنائه عملاً خارج مؤسسة الحكم وأجهزتها، فالطامة في لبنان، هي ان الفرد، اذا اخفق في ايجاد «وظيفة» في مؤسسة الحكم.. افتقر إلى حجر يسند إليه رأسه.
ولبنان الدولة يقتضيه ان يرضى سكانه، كل سكانه، بواقع لبنان الجغرافي… فهو ليس جزيرة طافية فوق الغمر.. انه ليس في البحر، انه يطل على البحر، وظهره مسند إلى الجبال الشرقية حيث يأتي عونه…
ولبنان الدولة يقتضيه ان يدرك سكانه انه ليس بمقدور احد من الناس مهما علا شأنه، ان يقتلع لبنان من حيزه الجغرافي فلبنان سوري الشرايين والاوردة والدم. عربي الوجه واللسان والحشا وشرق اوسطي من اخمص قدميه إلى قمة رأسه.
والى ان يتم ذلك، يا عبد الله فانني سأختم شفتيّ بالشمع الاحمر، وأعقل قلمي وأقتعد اوراقي.
أحييك يا أمين، كما يحيي الرفقاء…
انا فخور بك صديقاً، وفخور بك أميناً، فخور بك رفيقاً.. وفي «تثليتك» او «ثالوثك» وحدة «اللاهوت» القومي الذي يغلق على الناس فهمه كما اغلف عليهم فهم «الثالوث» القدوى…
والى اللقاء في كندا، او حيث شئت في هذا المقلب من الارض.
اشدك شداً إلى صدري،
وانا كما عهدتني وتعهدني «.
أوردت النشرة الرسمية في عددها عن شهر كانون الأول عام 1960 المعلومات التالية: تحت عنوان «مؤتمر المغتربين»
« اهتم مركز الحزب بمؤتمر المغتربين الذي عقدته الحكومة اللبنانية، فدعا الرفقاء المغتربين، الموجودين في لبنان، إلى الاشتراك في المؤتمر، وعقد المكتب باشراف عمدة الاذاعة مؤتمراً للرفقاء المغتربين في مركز الحزب، وشكلت لجنة من الرفقاء المغتربين مهمتها تنسيق اعمال الرفقاء في مؤتمر المغتربين. ويثني مكتب عبر الحدود على النشاط القومي الذي ابداه رئيس اللجنة، الرفيق حنا أسطفان ناظر اذاعة منفذية المكسيك. وقد عقد مؤتمر الرفقاء المغتربين في يومي الاثنين 12 ايلول 1960 والاربعاء 14 ايلول 1960، وذلك تمهيداً لاشتراك الرفقاء في مؤتمر المغتربين يوم الخميس 15 ايلول 1960» .
هوامش:
1 بعد عودته النهائية إلى الوطن، أقام الأمين نواف حردان صيفاً في بلدة «ضهور الشوير».
2 بلدة «جون» التي منها الأمين ميشال نبعة، للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
3 السفير خليل تقي الدين: شقيق عملاق الادب الرفيق سعيد تقي الدين، والمحامي بهيج.
4 السفير ابو خاطر: مراجعة النبذة عن الرفيق هنري ابو خاطر على الموقع المذكور آنفاً.
5 الأمين توفيق الاشقر: من بلدة «بينو» كان مميزاً في ادائه الحزبي، صدقاً وتفانياً. مراجعة النبذة المعممة عنه على الموقع المذكور آنفاً.