أستانة 8 نافذة ضوء وسوتشي باب لا بدّ أن يفتح!
محمد ح. الحاج
عدد مرات اللقاء ليس مهماً، الأهمية للنتائج، وإذا كانت لقاءات أستانة السابقة قد أنجبت مناطق خفض التوتر والاشتباك ووقف الهجمات، وهي تسمية مستحدثة، الأصحّ أن تكون تحت مسمّى هدنة، حيث أنّ تجاوزها والخروج عليها هو خرق كما في حالة الهدنة بين جيوش متحاربة، هنا أكثر من يقوم بالخرق هم الجماعات المسلحة الخارجة على القانون، غير المنضبطة أو التي لا تخضع لقيادة ما يضطر الجيش السوري للردّ والدفاع عن المناطق المدنية التي يستهدفونها.
الكثير من القضايا جرت مناقشتها في أستانة، منها المعقول والمقبول ومنها المرفوض الذي لا يمكن لدولة أن تسمح بمناقشته، وقد كانت عمليات ضمان الوحدات أو الجماعات المسلحة من قبل أطراف اللقاء الثلاثة، الروسي والإيراني والتركي مخروقة حيث يكتفي الروسي والإيراني بالرقابة في حين يشارك التركي بوجوده العسكري غير المشروع الجماعات المسلحة في السيطرة والانتشار على الأرض السورية، وربما إضافة إلى ذلك تمّت مناقشة أمور غاية في الأهمية ومنها تبادل المخطوفين والموقوفين والمفقودين، وإذا كان وضع الموقوفين مشروعاً فلأنهم ارتكبوا ما يخالف القانون، أما من تمّ خطفهم من المدنيين أو العاملين والموظفين في دوائر الدولة بقصد المبادلة على المشبوهين أو الذين تمّت إدانتهم فهؤلاء ممّن لا علاقة لهم بالصراع سوى أنهم من أبناء الدولة.
نافذة الضوء
في أستانة 8 وبجدية لم تحصل قبلاً تمّت مناقشة هؤلاء الذين يتوزّعون بين سجون ومعتقلات غير شرعية لدى أكثر من جماعة من المعارضات، وبين سجون الدولة وتمّ تبادل قوائم ولوائح تمّ نشر أغلبها وهي قيد البحث والتدقيق، ويعلم العالم عدم منطقية مبادلة المجرمين بالأبرياء المدنيين ومع ذلك بدا أنّ الدولة قابلة بمناقشة الموضوع وتحت إشراف دولي، ربما لمنظمة الصليب والهلال الأحمر الدوليين أو بإشراف وضمانة من جهات دولية وأممية موثوقة، الكثير من عائلات المفقودين عاد لها الأمل، بعضهم قرأ أسماء أبنائهم المفقودين، وبعضهم يأمل أن تظهر قوائم أخرى، إنه الأمل الذي انبثق من جديد كالضوء.
القوائم التي تمّ نشرها وتتضمّن أسماء المخطوفين لدى الجماعات المسلحة لم تتضمّن أسماء معروفة جرى خطفهم من قبل المسلحين بأدلة وشهود موثوقين ومسجلة عمليات خطفهم لدى المخافر والجهات المختصة ومنهم أطباء أو صناعيون أو تجار أو موظفون كبار أو قضاة ومحامون ورجال دين وغيرهم… خصوصاً في محافظات حماة، حلب وحمص… ولا بدّ من بيان مصيرهم قبل البحث بإطلاق سراح كبار الموقوفين من المجرمين، وهذا مطلب حق، الشيء بالشيء والمقام بالمقام، ولكلّ مقام مقال، ليس مقبولاً مبادلة كبار المجرمين والمحكومين بمخطوفين مدنيين… مواطنين عاديين مع أنّ الحياة واحدة والروح مماثلة ولا نقول ذلك انتقاصاً من قيمة أحد، لكن مخطوفينا لا بدّ من معرفة مصائرهم، خصوصاً المطرانين والأطباء الاختصاصيين وبعض فنيّي حقول النفط.
قيادات المسلحين الخارجين على القانون تدرك أهمية هذا الأمر وأحقية المطالبة به، والجدية في التبادل تفرض على هؤلاء بيان مصير المخطوفين المفقودين، سواء كانوا أحياء أو تمّت تصفيتهم وأيّ الجهات تتحمّل المسؤولية، ونعلم أنّ لواء ما يسمّى «أحفاد الرسول» قام بتصفية كثيرين، منهم من أعلنوا عنهم بواسطة نشر فيديوات على مواقع التواصل، وبعضهم تكتموا على مصيرهم، النصرة قامت بتصفية كثيرين أيضاً ولا مساومة أو مفاوضات مع هذا التنظيم المجرم، ونعلم أنّ كثيراً من الضحايا سقطوا نتيجة تبادل المواقع بين هذه الجماعات نتيجة الصراع وأنّ النصرة استولت على كثير من مواقع الجيش الحرّ أو أنّ قادة من وحدات هذا الجيش أعلنوا التحاقهم ومبايعتهم للنصرة بطلب من قيادة الإخوان في الخارج، وقد سلّموا من خطفوهم إلى قيادة النصرة التي قامت بتصفية البعض والاحتفاظ بالبعض الآخر.
من يقوم بالعرقلة أو نقض الاتفاق؟
التلاعب التركي في تنفيذ الاتفاقات مع الأطراف الضامنة الأخرى الروسي والإيراني أو تفسيرها بشكل مخالف لا تبعث على الثقة عند الجانب السوري، لا الرسمي ولا الشعبي، ونعلم جميعاً أنّ التماهي بين القوات التركية وتنظيم «تحرير الشام النصرة» لا يترك مجالاً للتصديق أنّ الدخول التركي جاء لفصل المعتدلين عن جبهة النصرة المصنّفة دولياً إرهابية، على العكس من ذلك، السلوك التركي يعطي الانطباع بأنّ الغاية هي توحيد كلّ الفصائل تحت راية النصرة والخروج بتسمية جديدة تنفي وجود التنظيم، وكأنّ الأرض انشقت وابتلعته بمعجزة من الوجود التركي، وإذا كان هذا الفعل ينطلي على البعض، فإنه لا ولن ينطلي على الحكومة السورية التي تملك قوائم مفصّلة بأسماء جماعة النصرة، وتبقى محفوظة مهما تبدّلت الرايات والعناوين، وهكذا يتأكد للجميع أنّ تركيا بوجودها وتغطيتها، ومناوراتها ستكون السبب في فشل أيّ مباحثات ولن يتمّ تبادل أو إطلاق سراح أحد في حال الإصرار على القوائم المقدّمة من قبل العصابات المسلحة، والاعتقاد أنّ التأثير الروسي والإيراني على الطرف التركي محدود.
سوتشي… لماذا؟
الدعوة إلى لقاء سوتشي مخطط لها أن تشمل أوسع طيف من ممثلي الشعب السوري وبعضهم لم يشارك في أيّ لقاء سابق سواء في جنيف أو أستانة، بعضهم تعترض على مشاركته تركيا، وبعض آخر ترفضه جماعات المعارضة الخارجية وعلى رأسها وفد الرياض، رغم أنّ تأثير هذا الوفد على أرض الواقع العملاني مساوياً للصفر، أما من وجهة النظر المحايدة فإنّ عملية توسيع التمثيل وإجراء حوار مباشر قد يوصل إلى نتائج مرضية للشعب السوري وليس لغيره، خصوصاً إذا ما بدأ الحوار بين جماعات المعارضة الداخلية ومنصات موسكو والقاهرة من جهة، مع ممثلي الجماعات المسلحة صاحبة السيطرة على الأرض بعيداً عن النصرة، وهذا لن يعجب التركي، الحوار في حال إنجازه مأمول أن يصل إلى نتائج وقواسم مشتركة يمكن الإجماع عليها ومناقشة الوفد الرسمي بها، مع تقديم أدلة على حسن النوايا ومنها إطلاق المخطوفين المدنيين الأبرياء، والمطالبة بإطلاق الموقوفين بجرائم مخالفات لا تصل حدود الجناية من التظاهر أو الكتابة دون حمل السلاح والقتال، مع أنّ أغلب هؤلاء تمّت تسوية أوضاعهم ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، الحوار بين جماعات المعارضة على اختلافها وتعدّد مسمّياتها يكتسب أهمية بالغة للوصول إلى خطاب موحد ومطالب مقبولة موحدة، والاتفاق على ما يتمّ طرحه من تشكيل لجان لوضع الدستور الموعود وأسلوب معالجة الاختلافات على الواقع والمشاركة الأوسع في قيادة الدولة.
هذه الأمور لا يختلف عليها السوريون الذين لا يرتبطون بأية جهة خارجية تملي عليهم مواقفهم، قد يتقبّل بعضهم النصيحة أو الاستشارة القانونية، وليس أكثر من ذلك، لكن الجهات التي أعلنت الحرب على سورية وأقامت من نفسها جهات وصاية على السوريين لن تدع بعض المعارضات الخارجية وأوّلها وفد منصة الرياض أو مجلس اسطنبول المهلهل يعبّرون عن موقف مستقلّ يخدم توجهات الشعب السوري الحقيقية، بل هم يطرحون ما تراه دول الوصاية يخدم توجهاتها ومصالح من تعمل في خدمتهم.
الكلمة التي يمكن قولها لهؤلاء، جزء هامّ من الحلم أن ترضخ سورية للإملاءات الأميركية وهي في جوهرها صهيونية، ولكم في موقف ترامب وإدارته عبرة قائمة، كما أنّ سورية لن تتقبّل ولن توافق على رؤية في الديمقراطية لدول لم تمارسها عبر حياتها، ولن تطبّق وجهة نظر هؤلاء في ممارسة حقوق الإنسان لأنّ وجودهم بحدّ ذاته خرق لحقوق الإنسان…
وآخر الكلام: إذا كان غاية ما فعلتموه فرض استسلام سورية للصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية والاعتراف بوجود هذا العدو فإنّ دون ذلك حرب بلا نهاية.. ولو امتدّت إلى قرن فنحن أصحاب القضية وأصحاب الأرض… وتبّاً لكم ولمواقفكم المخزية.