الكرد مجدداً ضحية لعبة الأمم
د. وفيق ابراهيم
مرة جديدة تفرض تركيا على الغرب أن يختار بينها وبين الأكراد، ومجدّداً يبيعها الغربُ الطموحات القومية للأكراد. ويتركون كوباني من المدن الكردية المهمة في سورية فريسة هجوم إرهاب همجي تتري مغطى من التحالف السعودي ـ التركي ـ الأميركي.
ويصادف أنّ المشروع الكردي يقوم على استرجاع ديارهم التاريخية التي تشكل عشرين في المئة من مساحة تركيا و15 في المئة من عدد سكانها.
وبالقياس الغربي بين ترك وكرد، يفضّل حلف «الناتو» تركيا دولة متماسكة مقابل روسيا وإيران. إضافة إلى أنّ انفصال الأكراد عنها يشجّع الأقلية العلوية ذات العشرين مليون نسمة على الانفصال. لذلك تستغلّ واشنطن الأكراد في تحركاتها وتعِدهم ثمّ تتخلى عنهم، فتركيا ضرورة أميركية لها وظائف متنوّعة… أولها أنها قاعدة تاريخية ضخمة لـ»الناتو» تحتلّ الضفة المقابلة لروسيا في البحر الأسود، وتجاور إيران حدوداً ومكوّنات اجتماعية.
وللتذكير فإنها ليست المرة الأولى التي يتخلى فيها الغرب عن الأكراد:
بريطانيا كسبت في الحرب الأولى تأييدهم لأنها أصرّت على ذكر حقوقهم القومية عام 1920… لكنها لم تفعل شيئاً حين أبادهم مصطفى كمال أتاتورك الذي أحكم قبضته على كردستان الشمالية مهجراً قسماً كبيراً منهم إلى سورية. ولم تكتف لندن بهذا القدر من الاحتيال… فرفضت في عام 1923 ذكر أيّ حقوق للأكراد في معاهدة لوزان 1923، وقمعت أربع انتفاضات لهم بالقوة بين عامي 1919 و 1924، وساهمت في قمع جمهورية مهاباد الكردية في 1946 في إيران الشاهنشاهيه، وهكذا وجد الأكراد أنفسهم مقسّمين بين أربع دول يشكلون فيها 15 في المئة من الترك و15 في المئة من العراقيين و10 في المئة من السوريين وسبعة في المئة من الإيرانيين، يُضاف إليهم أكراد متناثرون في لبنان وأوروبا وأميركا وبعض دول القوقاز.
إنّ الأهمية الغربية لتركيا في الجغرافية السياسية وإيران في الثروات والجغرافيا السياسية والعراق في الدور والجيوبوليتك فرضت رفض الطموحات القومية للأكراد ووضعتهم دائماً أمام قطار لعبة الأمم عرضة للتسويات والبيع.
ويبدو أنّ جنوح أميركا مدعومة من السعودية لإضعاف العراق، يحسّن فرص كردستان البرزاني بالتحوّل إلى إقليم مستقلّ، خصوصاً أنه يحتوي على نحو 20 في المئة من نفط العراق وميزته أنه قريب من سطح الأرض ونوعيته عالية جداً تثير شبق الأميركيين.
وتوافق تركيا على إقليم كردستان لأنها منفذه البحري الوحيد والأقرب ولها معه معاهدات اقتصادية قوية. لذلك تلعب تركيا ومعها أميركا لتقسيم العراق على العناصر القومية والمذهبية والعرقية.
أما أكراد سورية فلم يصدّقوا نيات تركيا، لذلك تعاقبهم بـ»داعش» والإرهاب. وحاولوا بناء سلطة مستقلة متحالفين مع النظام السوري، فأصيبت أنقرة بذعر. فكيف تذعن لإقليم كردي مستقلّ في سورية على مرمى خطوات بسيطة من 15 مليون كردي في تركيا قابلين للتحرك بنفخ هواء فقط. لذلك كانت «داعش» التركية ـ السعودية ـ الأميركية الولاء التي تهاجم مدينة كوباني الكردية أمام ناظر أميركا وتحالفها الجوي والجيش التركي البعيد بضع خطوات عنها ولا يرفّ له رمش.
ويبدو بالتحليل أنّ أميركا تفضّل حكم الإقطاع البرزاني في كردستان العراق على حكم الأحزاب العلمانية واليسارية في كردستانات سورية وتركيا. فلا عواطف في السياسة وهناك قوى اقتصادية واستراتيجية تتحرك كالدبابات تطحن غير المحظوظين ولا تأبه للدموع والأمنيات.
الكرد إذاً ومن جديد ضحية للعبة الأمم، وعدوهم الأساسي هو نفسه يحاول العودة إلى بلاد الشام والعراق ليؤسّس إمبراطورية عثمانية مقنعة هذه المرة بلبوس «الإخوان المسلمين» وخلافة «داعش» وسربال الهيمنة الاقتصادية الغربية.
والأمل الوحيد في اتحاد شعوب المنطقة في وجه هذا الإرهاب الموصوف لإعادة بناء سورية وعراق جديدين في إطار كونفيديرالي للأكراد فيه أقاليمهم المتميّزة والمتحدة.
وأخيراً، تحية إلى عين العرب كوباني وهي تقاتل التتار الجدد وتسجل على صفحات التاريخ كيف يقاوم المجاهدون الكرد «كدأبهم» همجيات بربرية تريد إعادة المنطقة إلى العصور الجاهلية.