مهرجان الموسيقى الدوليّ في قرطاجنة الكولومبية… يكرّم عباقرة الموسيقى الكلاسيكية
ترجمة واختيار سمية تكجي
إلى مدينة قرطاجنة الساحرة، عاصمة الإقليم الساحلي على البحر الكاريبي، وصل الكلاسيكيون. هو الحدث السنويّ الأول الذي سيكرّم موسيقى هايدن، موزارت وبتهوفن، المؤلفون الموسيقيون الثلاثة الذين رسموا قواعد الموسيقى عالمياً.
ليس صدفة أنّ هايدن وموزارت وبتهوفن عباقرة الموسيقى الثلاثة، الذين تركوا أكبر الأثر في تاريخ الموسيقى، وكانت ذروة أعمالهم ونجاحاتهم بين أواخر القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر. في تلك الحقبة أعمالهم أدهشت العالم. وقد عاش المجتمع آنذاك يقظة فكرية غير مسبوقة: المفكّرون تكلّموا عن أهمية المعرفة وعن الطبقة النخبوية، التي كانت قبل تحت سيطرة الدين، بينما في تلك الحقبة أخذوا يناقشون العلم والفلسفة والسياسة. المؤرّخون، بالمناسبة، يشيرون إلى هذه المرحلة من عمر الزمن كمرحلة الوضوح أو قرن الأضواء.
في ما يخصّ الفن، الأوروبيون بدأوا يتطلّعون إلى الوراء، إلى الفترة الكلاسيكية حسبما عرفوا عن الحضارة اليونانية أو من الأمبراطورية الرومانية. كانت تلك الفترة تتميّز بالرسائل البسيطة، الواضحة والمباشرة. الموسيقيون لم يكونوا بعيدين عن هذا المنحى. لذلك، نعم بالنسبة إلى باخ وهانديل وفيفالدي الذين طلبوا البقاء في الموسيقى الدينية كانت المقطوعات تتميّز بأنها مفصلة، مليئة بالأصوات وتفتقر إلى الطبيعية. الجيل الجديد عاد إلى الأساسيات: الوضوح، التناظر، التوازن والبساطة.
هايدن، موزارت وبتهوفن هم أرباب هذه الحركة في فنّ الموسيقى، الثلاثة ـ كلّ منهم في زمنه ـ خلقوا ما يسمّى ما قبل وما بعد في مفهوم الموسيقى. وهم مَن أسسوا القواعد الأساسية في ما يسمى اليوم الموسيقى الكلاسيكية. لأجل ذلك، سيكون العرض الثاني عشر في مهرجان قرطاجنة الكولومبية مخصّصاً لهم، أي ما يسمّيه الباحثون «الكلاسيكية». في يومي 5 و16 كانون الثاني 2018.
في تلك اللحظة المفصلية، كلّ شيء كان يتغير باستمرار. للمرّة الأولى مثلاً الموسيقى الدينية خرجت من القصور الملكية إلى الصالات الشعبية، حيث يتمكن الشعب من دفع تذاكر الدخول وحضورها. هذا يفضي أن كل يوم سيكون هناك أشخاص يهتمون وخاصة من الطبقة البرجوازية سيهتمون للعب على الآلات الموسيقية. والموسيقيين سيصبحون محترفين وسيفسحون المجال لولادة النقد.
لورا ماريا غاليندو مديرة الإشارة الكلاسيكية في الراديو الوطني الكولومبيّ، قالت: نعم، في الرومنسية التي أتت في ما بعد كل شيء أكثر حرية. بينما في الكلاسيكية كلّ شيء أكثر كمالاً. إذا كانت مقطوعة تضمّ ثلاثة، كلها ستكون متساوية، هناك متّسع من الوقت، والموسيقى لا يمكن أن تفسّر بريتم أسرع أو أبطأ. لا شيء مبالغاً فيه. كلّ شيء يجب أن يكون في مرتبته وبشكل مقبول. لن يكون هنالك هامش للارتجال.
أما بالنسبة إلى أنطونيو ميسينا، مدير عام المهرجان، فرأيه يقول إن ذلك فرصة للفهم أكثر عن الموسيقى الكلاسيكية. كما أفاد أن هذه هي مرحلة تساعد في إدراك مفاهيم الموسيقى بطريقة أسهل. لذلك اختاروا عروضاً مختلفة تضمّ كلّ أنواع الموسيقى التي ألّفها الموسيقيون العباقرة الثلاثة، السمفونيات، الحفلات، الرباعيات، الخماسيات، الثلاثيات والثنائيات، حفلات الأوبرا، والموسيقى المقدسة. ولأجل ذلك فإن منظّمي المهرجان اجترحوا برمجة خاصة. فبعد الحفل الافتتاحي وبعد يوم من تقديم الأعمال الرائدة، سيكون لكلّ من الموسيقيين الثلاثة يومه ووقته مع عروض وتفسيرات لأعماله الرمزية. بتهوفن في 7 كانون الثاني، موزارت في 8، وهايدن في 9 منه. بعد ذلك سيُنظَّم عرض للأوبرا الأكثر شهرة لموزارت.
ولإضفاء المزيد من التميّز إلى هذا المهرجان، فإن الموسيقار والمؤلف الإيطالي المرموق جيوفاني بييتي سيشرح المفاهيم الأساسية للكلاسيكية، وعن عباقرة الموسيقى الثلاثة المكرّمين في المهرجان، وذلك عبر عدّة ندوات تعقَد خلال هذا المهرجان. وأيضاً ستتخلّل المهرجان مساحات للنقاش والحوار حول تطوّر الصالات والحفلات منذ عام 1700 وحتى الآن، وأيضاً حول بثّ الموسيقى الكلاسيكية في الراديو.
من بين المدعوّين إلى المهرجان، فرق موسيقية عدّة، ولعل أهمها فرقة «مانشستر كاميرورشستر»، التي تقدّم عروضاً منذ سبعين سنة حول إرث الموسيقى الكلاسيكية. وفرقة «لا كولنير آكاديمي» مع جوقة من أربعة عازفين منفردين: لاعب البيانو الشهير رودولف بوشبندير الذي أمضى خمسين سنة في مسار الموسيقى، وهو أيضاً عضو فخريّ في أوركسترا فيلارمونيكا في فيينا، وكذلك هناك عازفو بيانو من الجيل الجديد، أمثال مارتن ستادفيلد، وآرون بيلسان.
كما أنّ للموهبة اللاتينية دورها في هذا المهرجان مع موسيقيين سيعزفون الكلاسيك إلى جانب بعض المقطوعات الدينية والوطنية. ومنهم عازف البيانو البرازيلي ذائع الصيت نيلسون فرير. كما ستُعزَف أعمال موسيقية أخرى كـ«العصيّ والحبال»، خماسية «أنفاس مدينة مكسيكو» و«فيلارمونيكا شباب كولومبيا» بأنامل العازفين على البيانو تيريزيتا غوميز وبلانكا أوريبيه. وعازف الكمان التشيلي سانتياغو كانيون.
كلّ ذلك سيكون مستعدّاً برجله اليمين للبدء أوّل عام 2018 لسماع أفضل ما أثرى به موزارت، بتهوفن، وهايدن، العباقرة الأكثر أهمية في تاريخ الموسيقى.