ثلاثة أفلام مصرية تحت مقصلة الرقابة… هل تعاني السينما المصريّة أزمة حرّية؟
مصر ـ خاصّ «البناء»
سؤال أضحى طرحه مشروعاً، بعدما توالت مؤخّراً مطالبات بإدخال تعديلات جذريّة في قانون الرقابة على المصنّفات الفنيّة، تجيز إلغاء وظيفة الرقيب، والإقلاع نهائياً عن أساليب المصادرة وقصقصة الأعمال الفنيّة، تارةً لعوامل سياسية وأخرى بزعم «تحصين» الموروث الأخلاقي!
آخر ما حملته الأنباء، مصادرة ثلاثة أفلام من أجمل ما أنتج فنياً وإبداعياً في السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة، وهي «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد، «زهرة الصبّار» لهالة القوصي، و«أخضر يابس» لمحمد حماد. وقد حاز الأخير تحديداً على جملة تنويهات في محافل سينمائية دولية، لسويّته الفنيّة، وعمق ما يطرحه من أبعاد.
وفيما بقيت حيثيات الحجب أقرب إلى أسرار الآلهة، غير محدّدة الأسباب بعد، تمايزت آراء عدد من المخرجين والفنانين المصريين إزاء وظيفة الرقابة وجدواها.
حامد
يذهب السيناريست وحيد حامد إلى أنّ الرقابة قد تصيب حيناً وتخطئ حيناً آخر، لكنّها تبقى وساطة مطلوبة لترشيد الشطط الفنيّ عند الضرورة، وحماية قيم وأعراف المجتمع من التشظّي. فالحرية، وفقاً لحامد، كي لا تنقلب إلى فوضى، يجب أن تحكمها ضوابط ناظمة. لكن ذلك لا يمنع من القول إنّ الرقابة بوضعها الراهن، يعوزها شرطان أساسيّان ليستقيم دورها، ولا تشطّ عن إطار الوظيفة المنوطة بها أولهما، أن تنفصل عن السلطة، فلا تكون رقابة موظفين حكوميين يترجمون سياسة شديدة البيروقراطية، وثانيهما أنّ يوضع قانون جديد شفّاف غير مطاط، لا يسهل تأويله، تبعاً للرؤية المزاجية للرقباء.
أبو ذكري
تقف المخرجة كاملة أبو ذكري، على نقيض ما ذهب إليه حامد، لناحية اعتبار الرقابة حامية لآداب المجتمع وتقاليده، معتبرةً أنّها تشكّل في فحواها الملتبس، رخصة لمصادرة حريّة الفنان، وتغولاً لمقص الرقيب في جسد العمل الفنيّ. حيث تقول أبو ذكري: «لا إبداع حقيقياً يمشي على قاعدة افعل أو لا تفعل، لأن الخطوط الحمراء لا تصنع فناً حقيقياً يستنهض المجتمع، ويشارك في تنويره».
وتلحظ صاحبة «واحة الغروب» وهو مسلسل عن رواية للكاتب بهاء طاهر، الذي تصدّر دراما رمضان 2017، تلطّي هذه الأجواء الحصارية المتصاعدة في الآونة الأخيرة، بوتيرة فجّة، وراء عنوان مخادع هو الدفاع عن الذوق العام، في وقت نجد أعمالاً تامّة الإسفاف لا تحمل فكراً أو رسالة، ولا تنطوي على الحدّ الأدنى من مقاييس الجودة الفنيّة، تجيزها الرقابة، من دون أن يرف لها جفن.
ياسين
وفق الرؤية ذاتها لأبو ذكري، يصادق المخرج محمد ياسين، على أنّ جهاز الرقابة بتكوينه القائم، إنّما يخضع لهيمنة السلطة التي تعارض تحويله إلى مؤسسة ديمقراطية مستقلّة، تتمثّل في رحابها تلوينات ثقافية وفكرية مختلفة.
يعتبر صاحب «أفراح القبّة» وهو عمل دراميّ تلفزيوني عن قصة لنجيب محفوظ، حازت «قصب السبق» في سباق رمضان 2016، أنّ تحديّات الألفية الثالثة تفرض التخلّص من رقابة ثقيلة الوطأة، لا تزال تنتصب عائقاً أمام تدفق حركة الإبداع، محذّراً من مواجهة القمع بالسكوت، ففي ذلك رضا بالأمر الواقع، وابتعاداً عن محاولة تغييره لما هو أفضل، لا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ المنع غالباً ما يفتح الباب لكلّ ما هو غثّ ورديء.
حميدة
من جهته يسلّم الممثل القدير محمود حميدة بوجود رقابة، شرط ألا تصادر المنتج الفنيّ. لا يعني ذلك ترك المجال مفتوحاً بلا ضوابط، فالمطلوب اجتراح آليات جديدة تواكب العصر، بمعزل عن اتجاهات السلطة ورغبتها في جعل الرقابة الفنيّة جهازاً لحماية أمنها السياسي لا لحماية الإبداع والمبدعين.
أبو شادي
وفي تعليقه على الآراء المثارة، يرى المدير السابق للرقابة الفنيّة، الناقد على أبو شادي، أن باستطاعة الرقيب أن يكون ذا مقبولية، إذا ما تمتّع بخلفية ثقافية تتيح له النظر إلى العمل الفنيّ، بمرونة بعيداً عن المنظور الضيّق لمفهوم الرقابة، كاشفاً أنّه مارس هذه القناعة أثناء إدارته دولاب العمل الرقابي لأكثر من ثلاث سنوات. ويلاحظ أبو شادي أن بإمكان المبدع حال ابتعاده عن المباشرة الزاعقة، واعتماده أسلوباً فنياً حصيفاً أن يتخطّى الرقابة بلا عقبات، موضحاً أنّ أفلاماً جميلة جداً تجاوزت مطبّات الرقابة كون أصحابها فنانون حقيقيون. والفنّ الحقيقي يفرض نفسه دائماً.