لغة وأدب في منتديات عالميّة
بيدرو مارتينث مونتابيث مستعرب إسباني شديد الاهتمام بالثقافة العربية. عمل أستاذاً في جامعه غرناطة، وترأس جمعية الصداقة الإسبانية ـ العربية والجمعية الإسبانية للدراسات العربية. نال العديد الكثير من الجوائز، بينها جائزة التضامن مع العالم العربي. وحاز دكتوراه في اللغات السامية، فضلاً عن ثلاث جوائز فخرية من جامعات مختلفة. له الكثير من الكتب عن العالم العربي وترجم إلى اللغة الإسبانية أعمالاً لأبرز الشعراء العرب مثل محمود درويش ونزار قباني وجبران خليل جبران.
ترجم مونتابيث أيضاً نماذج من الشعر الفلسطيني، كما ألف كتاباً عنوانه«القصيدة هي فلسطين»، عام 1980 وصدر باللغتين العربية والإسبانية متضمناً قصائد لشعراء من العراق هم عبدالوهاب البياتي والحيدري وفوزي كريم وخالد الشوّاف ومحمد مهدي الجواهري. كما حاز هذا المستعرب الإسباني لقب شخصية العام الثقافية لعام 2008.
كان مونتابيث، حاضرا في البيت العربي في مدريد حيث قدّم مداخلة مهمة بحضور الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب علي بن تميم، تحدّث فيها عن الأندلس كجوهرة في تاريخ التعايش الإنساني الحضاري. واستهلّ مداخلته بنص لنزار قباني يقول فيه:«كل عربي لا يذهب للأندلس/ أو لا يعطي انتباهه للأندلس هو تلميذ راسب/ ومطرود من درس التاريخ»، مؤكداً أن جوهر اللغة العربية في غناها الحسي والمعنوي والبنيوي، معتبراً أنها لغة أفضل وأغنى من اللغة الإسبانية، بانياً مداخلته كلها على إيجاد إثباتات لغوية لمدى قوة الجذور العربية في اللغة الإسبانية، مقدما مفردات عديدة كأسماء مشتقة من أصل عربي ويفوق عدهها في اللغة الإسبانية ألفي كلمة. وقدّم أمثلة كثيرة منها بطريقة شائقة وممتعة للإسبان والعرب الحاضرين، مرفقة بأدلة مقنعة ومنطقية في منتهى الدقة والحيادية، بينها مثلاً اسم مدريد وهو مشتق من العربية، وأصل الإسم عربي يعني المكان الذي تراد زيارته. كما أشار إلى تأثير العربية في سياق بناء الجملة الإسبانية في حد ذاتها، ومنها مثلاً الأفعال الانعكاسية التي تشبه تماما المبني للمجهول الذي يستعمله العرب كثيراً في كلامهم وحتى في صوغ الفكرة نفسها.
أكد مونتابيث، من خلال تجربة خمسين عاماً مع اللغة والثقافة العربيتين، ومن خلال ترجمته أهمّ الشعراء المعاصرين وقراءته الأدب العربي الحديث، ووقوفه الحقيقي مع القضية الفلسطينيه ومع كل شعب يقتله العنف، على أن اللغة العربية والثقافة العربية بكل ما تحملانه هما فعلاً مثلما قال الشعراء الحصن الوحيد المتبقي للعرب، وعليهم أن يحافظوا بجدية ووعي وتحدّ على هذا الحصن وأن يحموه من الذوبان والانهيار، لأنه يعني حينئذ انهيارهم فعلاً.
حول مدى إيمانه بأن العرب قادرون فعلاً على حماية هذا الحصن يقول مونتابيث: « هذا صحيح من الناحية النظرية، بسبب غنى هاتين اللغة والثقافة وعمقهما وقدمهما، لكن من الناحية العملية قد سيكون صعباً خاصة في هذه الظروف العالمية والظروف التي تعصف بالمنطقة العربية وتحرمها حقها من الاستقرار والتطور الذي يسكن ثقافتها. المشكلة الأساسية تكمن في أن الإنسان العربي لا يعرف كيف ينظم ويطبق ما يمتلك نظرياً من تاريخ ووعي ثقافي وإرث حضاري حقيقي منحوت في شخصيته»، مشدّداً على أن اللغة هي أداة طبيعية للهوية ولا العكس، واحترام هذه الأداة والحفاظ عليها فائق الأهمية.
الإحساس الذي انتاب نزار قباني حين زار الأندلس قائلاً إنه تحسس جيبه كي يخرج مفاتيح بيته في دمشق، هل ثمة إحساس مماثل له لدى الإنسان الإسباني؟ يقول مونتابيث: «أنا زرت سورية، وتحديداً دمشق، وأعتقد أنها من الجوانب كافة الأم الحقيقية للأندلس، وأعتبر الإنسان السوري إنسانا مميزا فعلاً».
يعتبر مونتابيث في جانب آخر أن الجزء الأكبر من المشكلة هو أن ثمة الكثير من الأسبان لا يريدون ولا يحبون أن الاعتراف بأن الأندلس هي نتاج حضارة عربية، إنما يرونها جزءاً من التراث الإسباني. وهم يخافون في دواخلهم من عودة المدّ الإسلامي واحتلاله الأندلس من جديد، بحسب ما تروّج الجماعات الإسلامية الآن وهي تشوّه كل شيء داخل الإنسان الإسباني، كما تشوّه ثقافة عمرها من عمر البشرية.
الإسبانيّ فيرمين جونيي مقدّماً رواية جديدة عن أيام سيمون بوليفار الأخيرة
يقدم الكاتب الإسباني فيرمين جونيي روايته الجديدة عن محرر أميركا اللاتينية سيمون بوليفار، بعيداً عن بطولات المحرر ومآثره، وأكثر قرباً منه كإنسان.
تعيد الرواية قراءة تاريخ هذا المحرّر التاريخيّ بقلم روائي يتمتع بحس صحافي ويقدم من خلالها التاريخ السري للبطل بوليفار، بغية نزع القدسية عنه وسرد وقائع الأيام الخمسة عشر الأخيرة في حياته، ما اضطر الكاتب جونيي مواليد 1953 إلى السفر حتى لا كينتا دي سان بدرو أليخاندرينو، في مدينة سانتا مارتا، مع الكاريبي الكولومبي، حيث حصل على إذن للبقاء مدة 18 ساعة متواصلة. وهناك، بصحبة كاميرا فيديو وأخريين فوتوغرافيتين، رأى غروب الشمس بجانب أشجار التمر هندي التي علقت فيها أرجوحة المحرر، كما رأى غرفة نومه التي لم يلمسها أحد منذ تلك الأيام في أواخر 1830.
في الأمسية التي أقيمت في بوغوتا، كولومبيا، احتفاء بصدور الكتاب الجديد الذي يحمل عنوان «كل شيء يحمل اسمك»، قال جونيي: «كان يجب أن أزور بلا تردد المكان الذي مات فيه بوليفار، أن أعرف من أين تدخل الشمس، ومن أين تغرب ومتى يشتد لهيبها، وأن أشهد على الرياح في المنطقة».. تحولت لا كينتا الآن إلى متحف ذي طابع حديقة، غير أن غرفة بوليفار لا تزال بمقاساتها الفعلية».
يقدم جونيي صورة مختلفة عن بوليفار صورة رجل من لحم ودم، بعيداً عن الصورة النمطية عن بطولاته العسكرية العظيمة: «إنه بوليفار القَلِق من الإنسان، الذي يعتقد أنه قادر على مواجهة مرض السل، والذي يعالج نفسه بنفسه لأنه لم يثق البتة بالأطباء، والذي يعتقد أن مشكلته هي في الصفراء التي يجب أن يتعافى منها، لكن الحقيقة أن رئته كانت ممتلئة بالقيح، ولم يجد علاجاً»، يقول جونيي.
خلال تقديم الرواية في إحدى مكتبات شمال بوغوتا، قال الصحافي والكاتب ماوريثيو بارجس، مؤلف ثلاثية عن أبطال أميركا اللاتينية: «أتساءل ألم يكن المحرر يستحق ميتة مختلفة؟»، مضيفاً «كانت ميتته حزينة، حزينة جداً، ورواية جونيي مشبعة بهذا الحزن».
لكن المرض يضاف إلى ما يسميه جونيي بـ «المعاناة الأخلاقية الهائلة»، فقبل عامين من ملازمته الفراش في سانتا مارتا، تعرض بوليفار لمحاولة اغتيال في بوغوتا، وكان يعاني من فقدان الثقة بالجميع. وبحسب المؤلف، لم يكن المحرر يريد رؤية أحد في الأسبوعين السابقين على موته، وكان يظن أن كل من حوله يريد قتله.
ويعرب الكاتب عن إعجابه بأبطال أميركا اللاتينية، رغم أنهم كانوا السبب في طرد أجداده الإسبان من القارة الجديدة، خاصةً فرانثيسكو دي ميراندا الذي أهداه كتابه «أحلام محرر»، ويعتبره جونيي المحرض الرئيسي على الثورة.
رغم ذلك، كان بوليفار يريد أن يهرب من أميركا إلى أي مكان، لذا يحكي جونيي في روايته عن رحلته الأخيرة إلى أي مكان، عن الرجل الذي تمكن من طرد العساكر الإسبان من جنوب القارة الأميركية بعد ثلاثة عشرة عاماً من الحرب، ومع ذلك لم يستطع تحقيق نشر السلام بين مواطنيه. يحكي عن بوليفار الذي كان يعتقد أن الوحدة بين دول أميركا اللاتينية لن تتحقق. يقول جونيي: «كانت رؤيته صائبة، فرغم وجود اتفاقات للوحدة بين العديد من دول أميركا اللاتينية، إلا أنه لا يوجد اتفاق واحد يجمع الجميع، وربما تكون مهمة مستحيلة».