غصن: لن نسمح لتدخُّلات المراكز النقابية الدولية المشبوهة بشرذمة صفوفنا
أكد الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن أنّ الاتحاد «يضع القضية الفلسطينية على جدول أعماله وفي خطاباته العمالية والإعلامية، باعتبارها القضية المحورية». وقال غصن في حديث لوكالة أنباء العمال العرب: «نحن نرفض الاحتلال وندعم فلسطين حتى تتحرّر، وفي خضم الأحداث الأخيرة عقدنا اجتماعاً طارئاً للأمانة العامة والمجلس المركزي في العاصمة اللبنانية بيروت، وتوجهنا بدعوة كافة الاتحادات النقابية العمالية في مختلف العواصم العربية للتعبير عن رفضها القاطع لنقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس العربية التي ستبقى إلى الأبد عاصمة فلسطين، والتظاهر أمام السفارات الأميركية، ومطالبة الدول العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية بالدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لمطالبة الإدارة الأميركية بالرجوع عن قرارها الجائر المخالف لشرعية قرارت الأمم المتحدة والمواثيق الدولية. كما طالبنا الاتحادات العمالية الصديقة في كل بلدان العالم بالامتناع عن تأدية الخدمات التي تحتاجها السفارات والقنصليات والمركز الأميركية، وكذلك خدمات الموانئ والمطارات للسفن والطائرات الأميركية. وكان الهدف من هذا الاجتماع الطارئ هو التأكيد على أنّ «العمال العرب» في ظهر القضية الفلسطينة حتى التحرُّر من الاحتلال».
وجدّد غصن تأكيده «أنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة إلى مدينة القدس يشكل سابقة خطيرة في اختراق القانون الدولي من قبل دولة عضو دائم العضوية بمجلس الأمن، وهو بمثابة خروج من الالتزامات الدولية، ويفتح الباب على مصراعيه أمام مواجهة قانونية دولية، ويفرض على مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة مسؤولية عاجلة لاحترام قراراتها والالتزام بها، خاصة تلك المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني في مدينة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية التي نصّت عليها عشرات القرارات الدولية وآخرها القرار 2334».
كما أكد أنّ الاتحاد الذي يمثل ما يقرب الـ100 مليون عامل يؤيد ونساند فلسطين في قضيتها «من أجل التحرُّر من الاحتلال الغاشم المسنود من الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة»، معتبراً «أنّ ما تفعله أميركا وحليفتها إسرائيل، بصفتهما الإرهابي الأكبر على كوكب الأرض، لا يقلّ خطورة على المجتمع العربي والدولي من الجماعات الإرهابية التي تعيث في الأرض فساداً وتخريباً وتدميراً».
وأضاف غصن: «نحن ندعم الانتفاضة الفلسطينية الجديدة التي يقوم بها الشعب الفلسطيني البطل من خلال المظاهرات والمواجهات التي تحدث اليوم على أرض فلسطين، كما تحيي الأمانة العامة عمال فلسطين في معركتهم، ونتابع هذا من خلال تلك التحركات العمالية المتمثلة في المسيرات الرافضة للاحتلال».
وشدّد على أنّ فلسطين «هي قضيتنا الأم بل قضية العالم كله تلك الدولة التي لا تزال تقع تحت قبضة الاحتلال، وبسبب هذا الاحتلال هناك 2 مليون مواطن فلسطيني يعيشون في غزة، 80 في المئة منهم لاجئون منذ العام 1948، على مساحة لا تزيد عن 1,3 من مساحة فلسطين التاريخية، في ظلّ حصار وبطالة وفقر بسبب الإجراءات الإسرائيلية القاسية والحروب التي دمرت غزة ثلاث مرات خلال 5 سنوات، وعرقلة إدخال مواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار والبناء، ما أدى إلى تشريد عشرات الآلاف من الأسر وهي تعاني الفقر والضياع والقلق من المستقبل، الأمر الذي يفضي إلى انفجار الأوضاع ويضع المنطقة كلها في دائرة العنف والتطرف بشكل مستمر».
وتطرق غصن إلى أوضاع العمال في الأراضي الفلسطينية المحتلة «والتي تصف بشاعة الإجراءات الاسرائيلية التي يتعرض لها 200,000 عامل فلسطيني اضطرتهم حال الفقر والبطالة التي يرزح تحتها 1,3 مليون عامل فلسطيني، للعمل داخل إسرائيل في ظروف لاإنسانية تتمثل في حرمانهم حقوقهم الأساسية بتشغيلهم من دون تسجيل، واستخدام السماسرة ليتقاسموا معهم نصف أجورهم، وتشغيل الأحداث والأطفال في ظروف بعيدة من معايير العمل اللائق».
وذكر غصن أنه «يوجد في فلسطين طبقاً لأفضل الإحصاءات 320 ألف أسرة تعيش تحت خط الفقر، وأنّ نسبة البطالة في غزة «تصل إلى 40 في المئة، وفي أوساط الشباب والخريجين أكثر من 55 في المئة وبين الشباب من سن 16 عاماً إلى 29 عاماً زهاء 73 في المئة، وفي المقابل، يوجد اقتصاد ضعيف وهش ومحاصر بسبب الإجراءات الإسرائيلية، حيث يعيش الشعب الفلسطيني داخل الوطن في حالة مستحدثة من الاحتلال بشكل جديد، فالواردات والصادرات والمعابر والوقود والكهرباء وبطاقات الهوية وجوازات السفر والمواد الخام، كلها بإمرة إسرائيل ولا حقّ للفلسطينيين في استخراج الغاز من الشواطئ، ولا البترول من الأرض، وحتى الماء الخارج من الأرض يشتريه الفلسطينيون ويدفعون ثمنه لدولة الاحتلال».
واعتبر غصن «أنّ الإرهاب هو التحدي الأخطر والأبرز الذي يواجه العمال العرب اليوم.
وقال: «نحن نعيش اليوم في منطقة ملتهبة ضربها الإرهاب، ناهيك عن الإرهاب الأكبر حيث يواصل الاحتلال الإسرائيلي في فرض سيطرته على بعض المناطق في فلسطين والجولان السوري وبعض مناطق جنوب لبنان تحت سمع وبصر العالم. … فالإرهاب والاحتلال يقضيان بشكل مباشر على الأخضر واليابس وكلّ خطط التنمية والبناء والتعمير، رغم الانتصارات التي تحققها الجيوش العربية».
وتابع: «إنّ الإرهاب والاحتلال والأزمات الناجمة عن غياب سياسات حقيقية وعادلة لا تهدّد العالم العربي فقط بل تمتد إلى كل البلدان حيث تتوقع البيانات والمعلومات الرسمية تجاوز عدد العاطلين عن العمل نهاية 2017 نحو 200 مليون شخص على مستوى العالم، وهذا الأمر يستدعي خلق 600 مليون فرصة عمل، وفقًا لهدف التنمية المستدامة الذي وضعته منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة».
وأوضح «أنّ هناك تحدّياً آخر نواجهه من خلال النضال ضدّ أي تدخُّلات مشبوهة من قبل المراكز النقابية الدولية في الشؤون الداخلية للحركة النقابية في بلداننا، ونقاوم التفرقة والشرذمة بكلّ ما أوتينا من قوة».
ورداً على سؤال حول دور الاتحادات والنقابات العمالية في هذه المرحلة الخطيرة، أجاب غصن بأنّ هذا الدور «يتمثل في العمل المشترك الجامع والموحد الذي تقوم تنظيماتنا الوطنية والقومية والرافضة للاستغلال والتوحش الاقتصادي والعسكري والاجتماعي».
وقال: «منذ أن توليت المسؤولية أنا وزملائي في الأمانة العامة، في منتصف عام 2015 ونحن نتحرك ضمن خطة محدّدة تعتمد على ثلاثة محاور هي: السعي نحو لمّ الشمل النقابي، العمل المشترك مع كافة الشركاء الاجتماعيين ذوي الأهداف المشتركة حول العالم، والعمل مع طرفي العملية الإنتاجية وهما الحكومة وأصحاب الأعمال في دعم خطط التنمية والإنتاج».
ورأى «أننا في المرحلة المقبلة مطالبون جميعاً بالوحدة والعمل المشترك من أجل تحالف وتعاون دولي وتأسيس تكتل عربي ـ أفريقي ـ عالمي لمواجهة التحديات التي تواجه عالم العمل والعمال التي ذكرناها سابقاً، فنحن في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب نؤمن بالوحدة ونعمل الآن مع بعض المنظمات ذات الأهداف المشتركة ومنها منظمتا العمل الدولية والعربية، والاتحاد العالمي للنقابات، ومنظمة الوحدة النقابية الأفريقية، وهدفنا خدمة أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة ودعمها، ففي 1 كانون الثاني 2016، بدأ رسمياً نفاذ أهداف التنمية المستدامة الـ17 لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي اعتمدها قادة العالم في أيلول 2015 في قمة أممية تاريخية، وستعمل البلدان خلال السنوات المقبلة، واضعة نصب أعينها هذه الأهداف الجديدة التي تنطبق عالمياً على الجميع، على حشد الجهود للقضاء على الفقر بجميع أشكاله، ومكافحة عدم المساواة، ومعالجة تغير المناخ، مع كفالة اشتمال الجميع بتلك الجهود، وعلى الرغم من أنّ أهداف التنمية المستدامة ليست ملزمة قانوناً، فإنّ عدة حكومات تأخذ زمام ملكيتها وتضع أطراً وطنية لتحقيقها، لذلك فإنّ الدول هي التي تتحمّل المسؤولية الرئيسية عن متابعة التقدم المُحرَز واستعراضه، ما يتطلب جمع بيانات نوعية، تسهل الوصول إليها في الوقت المناسب، بحيث تستند المتابعة والاستعراض على الصعيد الإقليمي إلى التحليلات التي تجري على الصعيد الوطني، بما يساهم في المتابعة والاستعراض على الصعيد العالمي، وستُرصد أهداف التنمية المستدامة الـ17 وغاياتها الـ169 من خلال استخدام مجموعة من المؤشرات العالمية التي تعتمدها اللجنة الإحصائية».
واعتبر «أنّ مواجهة تلك التحديات في عالم العمل، وبحثاً عن عالم عمل أفضل، لن تتحقق إلا بالمزيد من التعاون في الأفكار والمبادئ والرؤى في المرحلة المقبلة من أجل مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه عالم العمل والعمال، والحد من تحويل العامل إلى مجرد سلعة، ومواجهة العولمة الجائرة والنيو ليبرالية المتوحشة والخصخصة وضمان كرامة العامل وحقه بالعمل اللائق وحق التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي. ولأنّ العالم يشهد تغييرات جذرية غير مسبوقة فلا بدّ من اتخاذ التدابير لمواكبة هذا التغيير وتعزيز العدالة الاجتماعية التي تبقى الضمانة الأكيدة للسلام في العالم».
ورأى أنه «لا بد أن تقوم الحكومات والعمال وأصحاب العمل في العالم بعقد حوارات تتمحور حول العمل والمجتمع والوظائف اللائقة وتنظيم العمل والإنتاج وحوكمة العمل وتعزيز العمل اللائق والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة والطفل والشباب»، مشدّداً على «لا بديل من تحقيق العدالة الاجتماعية من أجل مستقبل أفضل للعمل، من خلال مبادرة تركز على العوامل الديموغرافية وتلبية الاحتياجات الخاصة للشباب والنساء واللاجئين، وبناء اقتصادات قوية تستطيع الاستفادة من الاتجاهات العالمية والتغيرات التكنولوجية لتحسين نتائج التوظيف، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز آفاق عمل النساء في خضم التغيرات السريعة في عالم العمل، وتقوية الضمان الاجتماعي في البلدان العربية، والاهتمام بإقامة المشروعات التي تولد فرص العمل الحقيقية حيث يبقى ازدهار فرص عمل الشباب أحد أكبر التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلدان العربية. فمن المتوقع أن يصل عدد الشباب من الفئة العمرية 15- 24 عاماً في البلدان العربية في الخليج والشرق الأوسط ومصر إلى 64 مليوناً بحلول عام 2050، وهذا العدد يتطلب زيادة في فرص العمل اللائق».
وأعلن غصن «أنّ هناك تحركات عملية وملموسة من خلال تواجدنا كعمال عرب في معظم المحافل الدولية والعربية بالتنسيق مع منظمتي العمل الدولية بجنيف والعربية بالقاهرة، ولأننا اليوم، كتكتلات وطنية، مطلوب منا التحالف في شكل منظم ومؤسّسي ووضع خطة عمل محدّدة في المرحلة المقبلة، وأقصد هنا بالتكتلات والقوى النقابية والعمالية: الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الممثل لما يقرب من 100 مليون عامل عربي، واتحاد النقابات العالمي بقيادة جورج مافريكوس، ذلك الاتحاد الذي تأسّس عام 1945 على أسُس تحرُّرية طبقية للكفاح من أجل حقوق الطبقة العاملة ويضم في صفوفة 86 مليون عضو ومنظمات نقابية واتحادات رئيسية من جميع القارات، بالإضافة إلى منظمة الوحدة النقابية الأفريقية بقيادة أرزقي مزهود التي ينضوي تحت لوائها 73 اتحاداً وطنياً منتشراً في 54 دولة أفريقية وتضم 30 مليون عاملة وعامل. وإنّ هذا التعاون في الأفكار والمبادئ والرؤى نتطلع إلى تفعيله في المرحلة المقبلة من أجل خلق تكتل عربي ـ أفريقي ودولي لمواجهة التحديات المشتركة».
وأكد أنّ تعاون الاتحاد مع منظمتي العمل العربية والدولية وباقي الشركاء الاجتماعيين «سيكون السبيل الوحيد أيضاً لمواجهة كلّ المخاطر والتحديات التي تواجه عالم العمل والعمال».
ولفت إلى أنه مطالبته بتفعيل هذا التعاون «لا يأتي من فراغ، بل هو امتداد لتعاون قائم بالفعل بين الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والاتحاد العالمي للنقابات ومنظمة الوحدة النقابية الأفريقية انطلاقاً من إعلان أكرا في غينيا في كانون الثاني 2014 حيث اتفقت المنظمات الثلاث على محاربة كلّ أشكال الاستغلال والحدّ من تحويل العامل إلى مجرد سلعة ومواجهة العولمة الجائرة والليبرالية المتوحشة وضمان كرامة العامل وحقه بالعمل اللائق وحق التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي ومواجهة التحديات المختلفة التي تواجه الحركة النقابية العمالية العالمية على مختلف المستويات، لا سيما البطالة والهجرة والنزوح، خصوصاً محاولات تفتيت النقابات والسعي إلى خلق الشقاق بين المراكز النقابية العربية والأفريقية والعالمية، ومحاولات إضعاف الحركة العمالية وتشتيتها لمصلحة القوى الرأسمالية والأنظمة النيوليبرالية».