الشتاء الأوراسي قد بدأ… ورياح المواجهة تهبّ من إيران
سومر صالح – صلاح النشواتي
شكّل صدور استراتيجية الأمن القومي الأميركية 18/12/2017 نهاية مرحلة مهمة في العلاقات الدولية، وهي الستاتيكو الحاصل في السيولة الدولية، بمعنى عدم وجود قائد فعلي للنظام الدولي الحالي، فالقطبية الأميركية انتهت فعليا مع استعادة روسيا السيطرة على شبه جزيرة القرم الاستراتيجية 2014 والدخول العسكريّ شرق المتوسط وجنوبه، في لحظة معينة كادت الظلال الروسية أن تفيئ على أواسط آسيا… ولم يتبلور حتى الآن نسق دولي جديد يوزع القوى في النظام السائد مع استبعاد فرضية تغيّر النظام الدولي الراهن، واستراتيجية الأمن القومي الأميركية قد وصّفت الواقع بوجود قوى «معارضة» للقطبية الأميركية وهي الصين إضافة لروسيا التي فضّلت إدارة أوباما عدم المواجهة معها بل احتواؤها والتعويل على العقوبات الاقتصادية الصارمة على نظامها الاقتصادي في عدم قدرتها لبلوغ القطبية، إلّا أنّ النشاط السياسيّ لموسكو بتوسيع التحالفات والانفتاح في العلاقات الخارجية بالتزامن مع الحركة العسكرية الروسية واتباعِها نظرية الأمن الجماعي لجميع شركائها على اختلاف مرجعياتهم الدولية قد زادت من الضعف الأميركي وانزياح مركز الثقل العالمي نحو أوراسيا الصاعدة، هذا الانزياح تجلّى في اعتماد دول كانت تعدّ ركائز للولايات المتحدة في قيادتها المنظومة الدولية كتركيا والسعودية والهند على النظام الصاروخي الروسي كبديل للمظلة الصاروخية الأميركية في رسائل تحمل أكثر من معنى… من هنا قرّرت إدارة ترامب المواجهة مع القوى المنافسة وهي روسيا والصين وإيران وكورية الشمالية، وبهدف واحد هو استمرار القطبية الأميركية وأحاديتها، والذي يستلزم في المفهوم الأميركي تقويض القوى الصاعدة والمعارضة للأحادية القطبية، وهو ما تؤكده وتسعى إليه وزارة الدفاع الأميركية التي نشرت تقريراً ينص على أنّ المواجهة الاستراتيجية مع روسيا ستكون إحدى مهامها الرئيسية لعام 2018 مع التذكير بأنّ الكونغرس كان طلب من البنتاغون إعداد خطة عسكرية تسمح لأميركا بتوجيه ضربة نووية لروسيا والصين دون أن يتمكّنا من الردّ وذلك عقب تولي ترامب الرئاسة. وكان لافتاً مركزية إيران في استراتيجية الأمن القومي الأميركية وفق الرؤية الترامبية فهي «مستبدة ومارقة» وهي منافس قوي وعنيد للمصالح الاقتصادية الأميركية، وتحالفها مع روسيا يعتبر عنصر تهديد للأمن والمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط… فالاستراتيجية الأميركية هي صدامية وعدائية نحو إيران، وما يمكن استقراؤه من هذه المركزية الإيرانية في استراتيجية الأمن القومي الأميركي أنّ تقويض القوى المنافسة الكبرى يبدأ بتقويض شركائها الإقليميين أيّ كوريا بالنسبة للصين وإيران بالنسبة لروسيا… هذه الاستراتيجية ضدّ إيران كان البيت الأبيض قد مهّد لها 13/10/2017 عبر طرح استراتيجية شاملة بهدف الدفع بطهران إلى تغيير سلوكها، وتكاملت بشراكة استراتيجية مع الكيان الإسرائيلي 12/12/2017 تحت اسم «الوثيقة السرّية المشتركة الإسرائيلية الأميركية لكبح نشاط إيران»… وفي زحمة المشاريع والمخططات الأميركية والصهيونية ضدّ روسيا وإيران، اندلعت اضطرابات شعبية في الداخل الإيراني 28/12/2017 مشكّلة بيئة مناسبة للاستثمار العدائيّ ضدّ طهران بما يتسق مع المخططات الأميركية لاستعادة القطبية الأميركية لتبدأ بعدها موجة دبلوماسية أميركية تنذر بما هو أكثر من ذلك لتضخيم الأحداث في طهران للاستفادة منها بعدّة اتجاهات بما يخدم استراتيجية المواجهة الأميركية ضدّ روسيا وإيران… وهنا لا بدّ من استذكار حادثة مهمة وهي استخدام روسيا لقاعدة همدان العسكرية لضرب الإرهاب في سورية 16/8/2016 ، التي شكّلت نقطة تحوّل في القوة الروسية باتجاه القطبية، وآنذاك اعترض بعض النواب الإصلاحيون على الإجراء العسكري الروسي الإيراني الذي يدعمه المحافظون المتشدّدون بشدّة ومهّد له مجلس الأمن القومي الإيراني، هذه الخطوة أثارت هلع الولايات المتحدة من تمدّد روسيا عسكرياً إلى إيران وقربها من أفغانستان بما يهدّد المصالح الأميركية في وسط آسيا، ما يعني أنّ فضّ الشراكة العسكرية الروسية الإيرانية هو هدف استراتيجية المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا هذه الشراكة أثمرت نصراً في سورية وقلبت موازين القوى الدولية وأتاحت لموسكو التمدّد من خلال الاستفادة من الموقع الجيو سياسي لإيران، بالتالي الدعم الأميركي لمظاهرات مدينة مشهد كمركز التيار المحافظ في إيران هو في خانة الضغط على خيارات المحافظين في إيران لتغيير سلوكهم مع روسيا، وتبدو السيناريوات الأميركية المعدّة سلفاً شبيهة لأحداث سورية 2011 وقول ترامب، سندعم شعب إيران بدعم عظيم في الوقت المناسب، يشير إلى ذلك، والموقع الجيو سياسي لإيران على حدود العراق وأفغانستان وباكستان يحمل مخاطر جمّة نظراً لحجم الاستثمار الأميركي في الإرهاب في هذه الدول… ومن المتوقع بشدّة أن تحاول الولايات المتحدة الاستثمار في أحداث إيران بكلّ الأشكال المتاحة لتحقيق جملة من الأهداف الأميركية تخدم القضية المركزية لواشنطن وهي منع روسيا والصين من تحويل النظام الدولي إلى متعدّد الأقطاب، مع الإشارة إلى أنّ الشراكة الاقتصادية الصينية الإيرانية في مجال الطاقة ومجال الأمن تحديداً في أفغانستان يهدّد الاستراتيجية الأميركية هنالك، فإيران بنفوذها في الشرق الأوسط شكلت عمقاً استراتيجياً للوجود العسكري الروسي شرق المتوسط وأمّنته من العراق إلى البادية السورية ناهيك عن تأمين مجال حيوي آمن لروسيا في منطقة قزوين، وكذا الأمر بالنسبة للنفوذ الاقتصادي الصيني، فإيران بوابة شرق آسيا إلى غربها، وقطاع الطاقة في إيران يشكّل عامل أمان للاقتصاد الصيني… لذلك إضعاف القوتين الروسية والصينية يتطلب ضرب إيران، وقطع أذرعها وأوراقها في المنطقة والا فإنّ الاستراتيجية الأميركية ستضطر إلى بحث سبل مواجهة جديدة مع روسيا والصين…
مستثمرون جاهزون
الرغبة الأميركية في مواجهة روسيا استراتيجيا عبر ضرب حلفائها الأساسيين في سورية وإيران تتقاطع مع مصالح إقليمية في ضرب إيران، فالكيان الإسرائيليّ الذي يخشى من اقتراب إيران عسكرياً من حدود فلسطين المحتلة بدأ بالاستعداد للمواجهة، والسعودية بقيادة ابن سلمان محورت أهدافها في نقل المعركة إلى داخل إيران للخروج من أزماتها في قطر واليمن والبحرين وسورية… وهنا لا بدّ من وضع التقارب الإقليمي بين تركيا والسعودية بعد زيارة بن علي يلدريم إلى الرياض نهاية العام المنصرم في خانة الشبهة، لأنّ الهدف السعودي هو فضّ الشراكة الإيرانية التركية على أكثر من صعيد… والتلكؤ التركي في دعم الحكومة الإيرانية يشير إلى ذلك، بخلاف الدعم الإيراني لحكومة تركيا إبان واقعة الانقلاب صيف 2016 والنتيجة المباشرة أنّ البيئة الإقليمية تساعد الولايات المتحدة في الاستثمار في الأحداث الإيرانية ودفعها إلى سيناريوات دموية.
لحظة فارقة
تسخين الوضع العسكري في سورية وربما تذهب الأحداث إلى ما هو أبعد من التسخين كانتهاء مناطق تخفيف التصعيد والعودة إلى الميدان، والأحداث الأزموية في إيران ذات السيناريوات المفتوحة، إضافة إلى تفجيرات سان بطرسبرغ المتكرّرة 2017 ، سترخي بظلالها على حدثين مهمّين في روسيا، أولهما الانتخابات الروسية في آذار المقبل، والثاني هو مونديال روسيا لكأس العالم صيف 2018، الأمر الذي سيؤثر على ردّة فعل روسيا إزاء تطور الأحداث في إيران… وهو ما ستستخدمه إدارة ترامب كأوراق ضغط على خيارات روسيا… وقد تذهب الولايات المتحدة إلى تصعيد ضدّ إيران مستغلة الظرف الروسي الحرج في العام 2018.
نتائج مباشرة وسيناريو جديد
شكّلت الأحداث التي حصلت في إيران وانشغال قيادة المحور بالسيناريوات المتوقعة، وقتاً مستقطعاً للعدو الصهيوني وعمد سريعاً إلى استغلال الوقت لتصفية القضية الفلسطينية عبر تعديل «قانون أساس القدس عاصمة لإسرائيل» والتمهيد لقانون يضمّ الضفة الغربية للكيان المعادي… في ظلّ صمت عربي وانخفاض مستوى الضجيج التركي بعد التقارب مع السعودية، هذا وتعتبر طريقة التعاطي الإيرانية مع المحتجّين اختباراً لردة الفعل الإيرانية بعد الخبرة في التعامل التي اكتسبتها المنطقة بعد ما سمّي «الربيع العربي» وهو شتاء دموي قاس، وبناء على ردّة الفعل هذه ربما تحضّر واشنطن سيناريوات مشابهة قبيل الانتخابات الروسية…
مما تقدّم يتضح أنّ الاستثمار الأميركي في أحداث إيران هو جزء من استراتيجية المواجهة الأميركية ضدّ روسيا 2018، والأمر لا يتعلق فقط بأحداث إيران الأخيرة بل يتعدّى ذلك إلى مواجهة مباشرة مع إيران على عدّة جبهات إقليمية، وهو جوهر ما أعلنه رئيس أركان جيش الكيان الإسرائيليّ، الجنرال غادي أيزنكوت، أنّ إسرائيل قد تصبح قريباً عضواً في تحالف واسع يضمّ دولاً ساعية لمنع فرض «الهيمنة الإيرانية»… وإذا ما تعرّضت إيران إلى حرب مباشرة أو بالإنابة في المنطقة فهذا يعني عرقلة طموحات روسيا في بلوغ القطبية… لأنّ في ذلك عزلاً لروسيا شرق المتوسط واحتواءها… فالعام الجديد قد بدأ وعام المواجهة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا قد بدأت على ما يبدو من إيران، ومن المتوقع أن تشهد أوكرانيا والبلطيق وكوريا تطورات مفاجئة ضدّ روسيا… وهنا نشير إلى أنّ الضرب بيد من نار في سورية ضدّ أدوات واشنطن سيكون رادعا أمام نمذجة السيناريو السوريّ في إيران.