هل يظلّ أمن العالم رهينة رئيس أحمق…!
محمد ح. الحاج
لم يخطر لي على بال النيل من واحد من رؤساء العالم تجنياً أو افتراء لأية غاية شخصية، وما أستخدمه من أوصاف لأيّ رئيس إنما هو ترداد أو نقل عما تمّ وصفه به من مصادر شعبه أو مسؤولي دولته، وربما قولنا إنّ أردوغان سلطان عثماني بسلوكه أو هو يطمح لاستعادة السلطنة إنما جاء مستنداً لآراء محللين وسياسيين أتراك قبل غيرهم، وهذا ينطبق أيضاً على الرئيس الأميركي الذي يحظى بألقاب وصفات مقذعة من… الغبي إلى الأهوج إلى المدّعي فالكاذب ثم اللص إلخ… وكلها أطلقتها مجلة أميركية وليس سورية أو عربية أو حتى روسية.
لا شكّ أنّ دونالد ترامب يفتقد الرزانة والكاريزما القيادية الجادّة التي تليق برئيس الدولة الأولى في العالم، عسكرياً واقتصادياً وانتشاراً عبر القارات، سلوكه غريب جداً، يذكرنا برئيس دولة أفريقية صغيرة أوغندا … هل نسيتم عيدي أمين الملاكم؟ وكنا نقول يفتقد قوّة دولته فيظهر قوّته الجسدية، ترامب بشخصيته المهزوزة المغرورة، يحاول إظهار قوّته مقابل رئيس في غاية الجدية كيم جونغ وإنْ كنت لا أرى في سلوكه أكثر من تهديد جدّي في معرض الدفاع عن نفسه وبلده بمواجهة مجموعة من القوى العالمية التي تستهدفه شخصياً وتستهدف دولته وشعبه وهي تسيطر فعلاً على نصف هذا الشعب وتدعم نظاماً تابعاً لا يخرج على السياسة الأميركية ويستظلّ وجود قواتها.
لا يمكن لمراقب توقع أن يبادر الرئيس الكوري الشمالي بضرب الجنوب، أبداً، ولا حتى التهديد بذلك، وينطبق الأمر على دول الجوار بما في ذلك اليابان، القيادة الكورية الشمالية تناصب الاستعمار الأميركي العداء وترفض وجوده، وتتوقع هذه القيادة التعرّض للعدوان الأميركي في أيّ لحظة، لهذا ركزت على التجارب الصاروخية والمناورات وامتلاك القنبلة الذرية أو الهيدروجينية، وهي ليست في وارد استخدامها لمهاجمة أحد، لكن هذا لا يمنع الرئيس الكوري الشمالي من توجيه رسالة جادّة إلى العدو تفيد بأنّ سلاحه النووي جاهز وأنّ المفتاح على طاولته، وهذه رسالة توضح أنّ الردّ سيكون سريعاً على أيّ عدوان، ويمكن القول إنّ الرئيس الكوري الشمالي أكثر تعقلاً ولا يخطر بباله ضرب قاعدة أو مدينة أميركية ويعرّض دولته للدمار التامّ إنْ لم يكن الفناء، إنه أعقل من أن يعطي للأميركي مبرّراً للهجوم.
رجل يحمل سكيناً يعترض فارساً يلبس درعه ويحمل سيفاً ورمحاً، يتحداه وهو يزمجر لكن الفارس يضحك دون اكتراث ويتابع طريقه، تمنعه فروسيته من الردّ على التحدّي غير المكافئ حتى لا يكون موضع سخرية الناس، هذا كان في الماضي وكانت فعلاً فروسية، أين رئيس القوة العظمى من ذلك؟ المهزوز وقف يعلن أنّ زرّه النووي أكبر بكثير من زرّ كيم جونغ، وأنه الأكثر قوة، وما كان بحاجة لهذا البيان فالعالم كله يعرف أنّ الولايات المتحدة تمتلك آلاف القنابل النووية وأنها موزّعة على عشرات القواعد في العالم والبوارج والغواصات، ورئيس هذه الدولة ليس بحاجة لمثل هذا الاستعراض الصبياني، لكنه… ترامب!
ما تنشره الصحافة الأميركية أو تردّده الإذاعات أو محطات التلفزة المختلفة يكشف خفايا ما يدور في أوساط القيادة الأميركية، وأغلب رجال الدولة وخاصة المتقاعدين من الضباط أو المستشارين أصحاب الخبرة يجمعون على رأي واحد هو التخوّف من مزاجية الرئيس وافتقاره إلى الحنكة السياسية أو التعقل والتفكير، ويدرك هؤلاء أنه ليس المؤهّل لقيادة دولة تحتاج إلى حنكة سياسية وسلوك رزين يبعث على ثقة الحلفاء وخوف الأعداء بجدّيته ورجاحة عقله وصدق حديثه، أما الثرثرة والتبجّح، وممارسة الكذب والبهلوانية في السياسة فهي تبعث على السخرية وفقدان الثقة بمن يمارسها ولو كان رئيساً، لكنه ترامب…!
هذا البهلوان السياسي الذي دفعت به حكومة الظلّ العالمية إلى الواجهة لغرض ربما تحقق أو أغلبه، وجّه صفعته الكبيرة إلى العالم العربي، ولو أنّ هذا العالم يتلمّس كرامته لثار واندفع قادته لاتخاذ أقلّ الواجب دفاعاً عن الكرامة المهدورة، وأقلّ الواجب المقاطعة السياسية، خفض التبادل، الابتعاد عن الأميركي والتلويح بالتوجّه شرقاً، لكنهم بالأساس أتباع يستظلون هذا الأميركي لحمايتهم من شعوبهم وليس من عدو.
محاولته الثانية كانت ضرب إيران وإثارة الفتن الداخلية فيها وكان الفعل فاشلاً لأسباب موضوعية، فالشعب الايراني يلتفّ حول قيادته، وثورته عصية على الاختراق، وإنْ حصلت بعض الأحداث فهي ليست أكثر من حراك لتشغيل الميديا، لكن نتائجها الأسوأ تضرّ بالمصالح الأميركية بشكل مؤكد، هذا رأي تبنّته مجموعة من الجنرالات ورؤساء سابقين للاستخبارات المركزية الأميركية في رسالة وجهوها لهذا الرئيس، وبما أنه مدّع لدرجة اعتبار نفسه عبقرياً فهو قد لا يأخذ برأي هؤلاء أو تحذيراتهم من رفع سقف العداء لإيران، وسوف يستمرّ على طريقته التي ترضي حليفه الصهيوني وإدارة المحفل الذي يرتبط به، هذا الرئيس أشبه بدمية على مسرح للعرائس تحرّكها أصابع من خلف الستارة وتراقب ردود أفعال العالم وتبني عليها مواقفها بعد التعديل، إذا هو مساو لفأر التجارب… إنه ترامب؟
كم يطول الوقت، ومتى تحين الساعة لاتخاذ قرار إبعاده عن الواجهة؟ الأرجح أنه ليس حراً في السيطرة على مفاتيح الأسلحة النووية، هناك في الإدارة السرية لعالم الغرب المتوحش من يفكر أبعد من ترامب الذي لا يتجاوز تفكيره أنفه، ولن يسمح هؤلاء بوقوع حرب نووية يمكن معرفة بدايتها وقد لا يبقى على سطح الكرة الأرضية من يؤرّخ لنهايتها أو يخبر العالم كيف حدثت ولا نتائجها، أما أن يكون ترامب فعلاً هو المسيطر على مفاتيح الأسلحة النووية كما ينص الدستور الأميركي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة فهذا يعني أنّ العالم وأمنه وسلامه تحت التهديد ولا يمكن معرفة ساعة جنون هذا الرئيس فهو أقرب إلى تفكير طفل قد يخطر بباله تجربة السلاح وسماع أو رؤية نتائج الانفجار.
عجيب أمر الولايات المتحدة يقودها مهرّج مغرور، يحصد الخيبات المتوالية، شخصية لا يثق بها أحد ولا هو يثق بنفسه، فهل حقاً وصل عن طريق انتخابات حقيقية أم مفبركة فأوصلوه لغاية كما توقعنا، طبقاً للبرامج الأميركية فالسرّ لا ينشر قبل مضيّ خمسة وعشرين عاماً – إنْ لم تقع الكارثة – وعندها يُقال أصيب الفيل بجنون البقر فحطم ما حوله…!