هنا قطعوا كفّي… هناك مدّوا إليّ أكفّهم!
سميّة تكجي
في مقهى من مقاهي شارع الحمرا، طاولة دائماً على قيد الانتظار، وقهوة تعلن بدخانها بدء النهار.
دخلت سناء وجلست وحيدة، نظرت حولها بشكل مألوف وكأنها تقارن مشهد المقهى الشبيه جدّاً بالبارحة الروّاد هم أنفسهم، الجرائد القليلة والهواتف، وكلام ممجوج في السياسة والثقافة. همّت لتفتح أوراقها وتبدأ الكتابة عن موضوعها الأسبوعيّ، وإذ بها تلمح رجلاً غريباً عن المقهى، ولكن شيئاً ما حرّك سكوناً في ذاكرتها. أمعنت النظر إليه، نعم إنه حسام! كم غيّرته الأيام، مضت عشرون سنة، منذ أن رأته في المرّة الأخيرة.
لقد كان صديقاً مقرّباً لها عندما كانت ما زالت تعمل في الأرشيف في الصحيفة نفسها، عندما غاب وانقطعت أخباره، لتعرف لاحقاً أنه سافر إلى بلد من بلدان أوروبا الشرقية.
تردّدت، ثمّ نهضت وسارت نحوه بخطى فيها تناقض بين الفضول وبين الحنين، حتى أصبحت قبالته. ما كان منه إلا أن يبادرها من دون طول انتظار: سناء، أنت سناء، لقد قلت في نفسي إنني سألتقي بك هنا وفي المقهى نفسه. فكلّ شيء هنا لا يتغيّر.
شجّعها كلامه الذي ينمّ عن ألفة فجلست.
تبادلا حديثاً طويلاً اختزل عقدين من الزمن، ولكن سؤالاً ظلّ في رأسها، أحبّت أن تسأله قبل أن تغادر: حسام، لماذا أتيت؟
فردّ هادئاً مبتسماً: لكي أقتنع أكثر أنني فعلت الصواب حين غادرت.
ثمّ رفع يده من جيبه ومدّ يده نحوها. ذهلت لِما رأت! كفه اليمنى مبتورة!
هنا، قطعوا لي كفّي لأنها تشكو الإملاق، ولم يكن معي آنذاك أن أدفع للمستشفى كي يسعفوني بسرعة. أما هناك، حيث أنا، فقد مدّوا إليّ الأكفّ كلّها.