نحو إطالة الحرب في سورية وعليها … وضدّ روسيا وإيران إيضاً؟
د. عصام نعمان
حرب أميركا و«التحالف الدولي» ضدّ الإرهاب كانت وما زالت حرباً في سورية وعليها. في المقابل، كانت حرب سورية وحلفائها في محور المقاومة حرباً دفاعية ضدّ الإرهاب وشركائه في «التحالف الدولي» وفي مقدّمها أميركا و«إسرائيل» وتركيا. انهيار تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش» صبّ في مصلحة سورية وحلفائها وهدّد المخطط الصهيوأميركي بالانحسار، كما أربك سياسة تركيا حيال الكرد في شمال سورية.
«إسرائيل» تحسّبت سلفاً لتداعيات انهيار «داعش» ومثيلاته من التنظيمات الإرهابية، فاعتمدت جملة مواقف سياسية وترتيبات عسكرية لتمكينها، بدعم من أميركا، من مجابهة سورية وحلفائها واحتواء مفاعيل انهيار «داعش» والمكاسب التي تجنيها سورية جرّاء ذلك.
في هذا الإطار، يمكن رصد التطوّرات الآتية:
أولاً، موقف «إسرائيل» المبكّر المعارض لسعي إدارة باراك أوباما إلى تسوية مع إيران بشأن برنامجها النووي، وتطور موقفها هذا إلى عداء صريح لأوباما ودعوة سافرة إلى ضرب إيران بعدما توصّلت معها الدول الخمس الكبرى زائداً ألمانيا إلى الاتفاق النووي.
ثانياً، قيام إدارة أوباما بتعويض «إسرائيل» «خسارتها» الناجمة عن إقرار الاتفاق النووي بتجريد سورية من أسلحتها الكيميائية كمقابل للامتناع عن ضربها جواً وبحراً من جهة، ومن جهة أخرى دعم التنظيمات الإرهابية والمحلية المناهضة لدمشق في سياق المخطط الصهيوأميركي الرامي لتفكيك سورية الى خليط من جمهوريات الموز القَبَلية والمذهبية والأثنية.
ثالثاً، إعلان بنيامين نتنياهو في لقاء مع سفراء دول حلف «الناتو» لدى «إسرائيل» أنّ حكومته عاقدة العزم على منع إيران من التموضع في سورية، كما منع نقل أسلحة مخلّة بالتوازن من سورية إلى حزب الله في لبنان.
رابعاً، بالتزامن مع هجوم شنّته تنظيمات إرهابية في محافظة إدلب بالطائرات المسيّرة بلا طيار على القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس، شنّت «إسرائيل» 3 هجمات صاروخية على مواقع عسكرية سورية في منطقة القطيفة ريف دمشق بدعوى استهداف مستودعات أسلحة لحزب الله.
خامساً، نسّقت «إسرائيل» وأميركا بين تنظيمات متعاملة معها لشنّ هجماتٍ على موقع «إدارة المركبات» في حرستا غوطة دمشق الشرقية بالتزامن مع هجمات شنّتها تنظيمات إرهابية تدعمها تركيا على قوات الجيش السوري في أطراف مطار أبو الضهور شرق محافظة إدلب.
تركيا وأميركا تنصّلتا من تهمة قيامهما بتوفير الطائرات المسيّرة للجهة التي هاجمت القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس. الرئيس بوتين برّأ أنقرة من التهمة، لكنه لم يؤكدها حيال واشنطن وإنْ كان لمّح إليها. غير أنّ تبرئة تركيا لا تنفي واقعة أخرى أشدّ خطورة هي دعمها المكشوف لجبهة «النصرة» في حربها المتصاعدة ضدّ سورية وجيشها في وسط سورية وشمالها الشرقي، وإدخالها قوات مدرّعة الى منطقة عفرين الحدودية والتهديد باحتلالها بدعوى منع الكرد السوريين من إقامة كيان انفصالي فيها.
إلى ذلك، حشدت تركيا أكثر من 15 ألف جندي في ولاية كيليس المحاذية لحدود مدينة عفرين السورية، كما أنشأت مستشفيات ميدانية في منطقة قوملو في محافظة هاتاي الحدودية. فوق ذلك، طلب رجب طيب أردوغان من بوتين الضغط على سورية من أجل وقف هجوم الجيش السوري على التنظيمات المسلحة المتعاملة مع تركيا في محافظة إدلب تفادياً لتقويض النفوذ التركي فيها.
من الواضح أنّ تركيا تتطلع إلى احتلال شريط حدودي في شمال سورية من عفرين غرباً إلى القامشلي شرقاً لتبريرغرضين متلازمين: منع الكرد السوريين من إقامة كيان انفصالي في شمال سورية متصل جغرافياً بمنطقة ديار بكر الكردية في جنوب شرق تركيا، واستغلال ذلك لتعزيز مركزها التفاوضي في مؤتمر سوتشي أواخرَ الشهر الحالي ومؤتمر جنيف لاحقاً، المفترض أن يتمّ فيه إرساء المرتكزات النهائية لتسوية الأزمة السورية. لتركيا، إذاً، مصلحة في إدامة الحرب في سورية وعليها لغاية تحقيق أغراضها الأمنية والسياسية.
بالمقارنة مع تركيا، تبدو مصلحة «إسرائيل» في إدامة الحرب أكثر بروزاً وأشدّ خطورة. فالمحلل العسكري أليكس فيشمان كشف في صحيفة «يديعوت أحرونوت» 2018/1/10 أنّ قادة المؤسسات الأمنية في «إسرائيل» أكثروا من الحديث عن إمكان أن تقيم إيران قواعد جوية وبحرية وبرية في سورية وأنّ «المشكلة المركزية في الجبهة السورية هي إقامة منظومة كثيفة من صواريخ أرض – أرض دقيقة تبدأ في لبنان وتمتدّ حتى جنوب الجولان وتغطي كلّ مناطق فلسطين المحتلة وذلك في موازاة جبهة صواريخ يبنيها الإيرانيون في قطاع غزة … فلا يمكن بعد اليوم الاختباء خلف أقوال غامضة وتلميحات، لأنّ ما يجري في الجبهة الشمالية هو حرب بكلّ معنى الكلمة وعلى العدو أن يعرف ذلك، والأهمّ هو أنّ على الجمهور في «إسرائيل» أن يستوعب وأن يستعدّ».
إذ يتأكّد تصميم «إسرائيل» على تأجيج الحرب في سورية وعليها لحمل إيران على وقف تكثيف تمركزها في سورية، بحسب مزاعم وزير حربها أفيغدور ليبرمان، تثابر أميركا في هذه الأثناء على دعم الكيان الصهيوني بدليل قرار دونالد ترامب تمديد نظام رفع العقوبات للمرة الأخيرة عن إيران وتأكيد عزمه على الانسحاب من الاتفاق النووي ما لم توافق إيران على تعديل بنوده.
ماذا تراه يكون موقف روسيا؟
من الواضح أنّ بوتين مصمّم على عقد مؤتمر سوتشي وإنجاحه، وأنه لهذا السبب يتريّث ولا يدين تصرفات تركيا المشبوهة في شمال سورية واعتداءات «إسرائيل» المتكرّرة عليها مباشرةً أو مداورةً عبر تنظيمات إرهابية تنوب عنها، ولكن لصبره إزاء ذلك كله حدوداً. فقد صرّح الناطق باسم القوات الروسية في قاعدة حميميم الكسندر إيفانوف أنّ «على تركيا أن تعي تماماً أنّ الهجوم الذي تشنّه القوات الحكومية السورية بدعم من القوات الجوية الروسية في منطقة خفض التصعيد في إدلب لا يتنافى مع بنود الاتفاق … ونحن تعهّدنا سابقاً القضاء على تنظيم «النصرة» في جميع مناطق سورية هذا العام».
موقف موسكو الردعي حيال الدعم التركي لجبهة «النصرة» لا نقع على مثيل له حيال الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكرّرة على سورية، ربما لأنّ موسكو واثقة بأنّ دمشق، بدعم علني من طهران وحزب الله وغيره من قوى المقاومة الرديفة، قادرة على ردع «إسرائيل» وتفشيل مخططها العدواني.
يتحصّل من مجمل ما تقدّم أنّ الحرب في سورية وعليها قائمة ومحتدمة، وأنّ أميركا تقف وراء «إسرائيل» أو ضالعة معها في اعتداءاتها ومناوراتها لإطالة أمدها، وأنّ تركيا لن تتورّع عن القيام بعمليات عسكرية في شمال سورية لتعزيز مركزها التفاوضي في مؤتمريْ سوتشي وجنيف بغية ضمان منع الكرد السوريين من إقامة كيان انفصالي على طول حدودها مع سورية، وأنّ روسيا تثابر على بذل أقصى جهودها من أجل عقد مؤتمر سوتشي وإنجاحه أواخرَ الشهر الحالي. أما قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، الحليفة لسورية وإيران، فإنها متيقظة ومستنفَرَة، بحسب قائدها السيد حسن نصرالله، لمواجهة أسوأ الاحتمالات وهو «الحرب الكبرى» التي يمكن أن تشنّها «إسرائيل» بمشاركة أميركا أو بمساندة قوية منها.
حاضر المشهد الإقليمي كما مستقبله ما زالا غامضين ومترَعَيْن بشتى الاحتمالات والتحدّيات.
وزير سابق