ترامب يحرق «الأمل» بولاية ثانية مبكراً؟

روزانا رمّال

ربما يكون سريعاً جداً هو حسم ترامب لحجم العقبات التي تمنعه من الترشح لولاية ثانية بعد سنتين من الآن أو التي تجعل منه رئيساً استثنائياً لنسبة الحواجز التي رسمها بينه وبين الأميركيين من دون التطرّق إلى الملفات الخارجية التي تتكفل وحدها بالتحدّث عن رئيس مغاير لأميركا، ومستفزّ لأكثر من دولة وحاكم في العالم بعد خرقه عادات دبلوماسية وسياسية عدة في سبل التعاطي مع مصالح الدول.

دونالد ترامب الذي صار اسماً مستفزاً لخصومه هو اسم مربك لحلفائه الذين لا يعرفون كيف يبررون تجاوزاته المتتالية في السياسة الخارجية للبلاد، لكن ان تصل الامور للمسّ بأكثر ما يمكنه حماية وحدة الأمة الأميركية كما يسمّيها الأميركيون الأكثر تعلقاً بنموذج الوحدة بين الولايات كافة فإن هذا يعني أن ترامب ليس فقط يعبث بمستقبله السياسي بل بالأمن والاستقرار الأميركيين.

واذا استمر دونالد ترامب على هذا المنوال، فإن هذا يعني أنه امام المزيد من مخاطر الانقسام السياسي والمزيد من الإحراج الذي يسببه لحلفائه وفريق عمله بالتحديد، الذي تعب من كمية الهفوات التي يرتكبها الرئيس بين تغريدات وتصريحات وكلام مسرّب من جلسات، كما حدث أخيراً مع مسألة نعت ترامب للأفارقة بكلام نابٍ. وهو الأمر الذي ينفيه في ظل إصرار الصحافة الأميركية على تأكيده وبعض النواب بينهم السناتور الديمقراطي، ديك دوربن، الذي أكد أن ترامب استخدم كلمة «حثالة» مرات عدة للإشارة إلى بعض الدول الأفريقية خلال اجتماع في البيت الأبيض محوره ملف الهجرة.

المسألة إذن، تتعلّق بنصف الشعب الأميركي او بنسبة كبيرة منه، وهي المنتمية الى العرق «الأفريقي» وهو مكوّن أساسي من الناخبين الأميركيين. وهو يدرك تماماً ان هذا الكلام هو بمثابة مقتل لأي رئيس أميركي، لكن من دون أي حسابات عبّر ترامب عن تصنيفه لهذا العرق وبعض الدول التي تعامل معها بدونية بمجرد استخدامه هذه العبارات.

وبغض النظر عن تبريرات ترامب أنه لم يستهدف بكلامه أي منحى عنصري وأنه يتحدّث عن دول لا عن عرق، إلا أن معظم الأميركيين «السود» هم بنهاية المطاف من الأفارقة وهم ليسوا بوارد التسامح بهذا.

تشير الوقائع إلى أن جهات إفريقية عديدة رسمية وغير رسمية أفرزت جام غضبها، على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعد تصريحاته المثيرة للجدل والعنصرية التي وصف خلالها الدول الأفريقية وهايتي بـ «الحثالة»، خلال نقاش ملف الهجرة. بين هذه الأمثلة ما قالته المتحدثة باسم رئيس الاتحاد الأفريقي، إبا كالوندو، إن «هذا ليس جارحاً فحسب، باعتقادنا، للشعوب ذات الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة، وإنما بالتأكيد للمواطنين الأفارقة كذلك». وأضافت «إنه جارح أكثر بالنظر إلى الحقيقة التاريخية لعدد الأفارقة الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة كرقيق».

هذا الكلام يؤكد المعلومات التي تحدّثت عن خلاف لا يزال يحكم عقلية الحاكم الأميركي الابيض والمسألة لا تتعلق هنا بترامب فقط، بل إن بعض المعلومات أشارت في فترة سابقة الى ان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عانى كثيراً من فوقية كانت تتعاطى بها هيلاري كلينتون وزير الخارجية السابقة والمنافسة على رئاسة البلاد. وهي بدورها أخذت وقتاً ليس بقليل لتقتنع بأن الرئيس «الأفريقي» الأول للولايات المتحدة هو واقع صار أكيداً وأن عليها أن تأخذ الأوامر منه لأداء مهامها..

بالمحصلة خسر ترامب أصوات الأفارقة، وإذ بالإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري تعبّر عن رغبتها بالترشّح للرئاسة الأميركية. وهذه الرغبة التي صارت ممكنة فتح بابها الرئيس أوباما. وبعد كلام ترامب من المؤكد أن الأفارقة اصحاب الكفاءات العليا سيتوالون على الظهور في واجهة الطموحات الأميركية.

لكن ملف الأفارقة وحده ليس الكفيل بضرب مستقبل ترامب السياسي أو أمله بالفوز بولاية ثانية، انما ايضا ملف المسلمين وتعاطيه بعنصرية عبر منع دخول المهاجرين للولايات المتحدة من سبعة بلدان، غالبيتها مسلمة، وتأييد المحكمة الأميركية له. وهو الأمر الذي يشكل فوزاً لترامب المدافع عن هذا الإجراء المثير للجدل باسم مكافحة الإرهاب. وضمن هذا الإطار ترتفع نسبة الممتعضين من القرارات الأميركية وهذه الادارة وما غرسته في نفوس المواطن الأميركي المسلم.

المسلمون الذين خسرهم ترامب بالضربة القاضية، ومن جهة أخرى بإعلانه تهويد القدس أيضاً وحسم الجدل مبكراً. فهذا النوع من القرارات غير المدروسة تعزّز علاقته بـ«إسرائيل» من جهة، لكنها تصيب الخيار الجمهوري بتبني ترامب مجدداً بمقتل. وكلها أمور وملفات لا تحتمل الجدل لحساسيتها.

يخسر دونالد ترامب شعبية المسلمين والنازحين والأفارقة ويضع نفسه بوقت مبكر جداً أمام خيارين أحلاهما مر الأول: أن لا يكمل ترامب ولايته لارتفاع اصوات منددة بمواقفه من باب العنصرية وما شابه، من دون أن يحميه هنا اي تحالف بينه وبين اللوبي «الاسرائيلي» الوازن إذا استمر بعنصريته. والثاني: يُحرم ترامب من فرصة الترشح مجدداً لرئاسة الولايات المتحدة بعد أن بدأ بنسج أرضية من التباعد بينه وبين الأفارقة والمهاجرين والمسلمين وهم جزء لا يتجزأ من الامة الأميركية، واللاعب الحاسم بحسم صورة الرئيس الجديد.

من سوء حظ ترامب أن كل تجاوزاته في السياسة الخارجية المحمية بعظمة الولايات المتحدة ودورها وهالتها في العالم أنه امام مأزق داخلي لا يحميه فيه أي دور او مال او حلف لتخطيه المحظور إذا لم يتدارك الأمر سريعاً ويقدّم الكثير. وربما… الكثير، الكثير لأجل إصلاح ذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى