التصفيات في الشمال… والمحتلّ يجب أن يدفع الثمن
محمد ح. الحاج
رباعية هي الصفة الواقعية لصِدام محتمل ينتظر الجيش السوري بعد أن قضى على داعش أو هو بدأ به، ثنائية الأميركي والأكراد في الشمال الشرقي ما وراء الفرات حسب مخطط البنتاغون، وثنائية جبهة النصرة ومَن بايعها والأتراك في محافظة إدلب وشمال غرب حلب وشمال اللاذقية… ومؤكد أنّ النظام التركي خرج على اتفاقاته مع طرفين ضامنين على الساحة هما الإيراني والروسي، باعتبار الحوار المباشر مع الطرف الأساس في القضية وهو الجانب السوري مقطوع بالمطلق.
ما الذي تريده أميركا؟
الهدف الذي أعلنته الإدارة الأميركية بصفتها رأس التحالف الغربي هو محاربة داعش في العراق والشام باعتباره تنظيماً إرهابياً طبقاً للتوصيف الذي أجمع عليه العالم، لكن المعلن كان عكس المخبوء والمخفي، فالوجود والقيادة والإشراف الأميركي شكّل على مدى سنوات حماية لداعش بطريق المداورة والتضليل والكذب. وظهر كما ثبت في أكثر من حالة أنّ الكذب الأميركي لا يقتصر على الرئيس الجديد «الأهوج»، بل هو متأصّل في أغلب مؤسسات الإدارة، وخاصة في البنتاغون والاستخبارات المركزية وحتى المخابرات العسكرية، وهي مؤسّسات تعمل في الظلّ وتعمل عكس المعلن تماماً.
انتهت داعش، وما عاد من حاجة لوجود قوى خارجية وخاصة في الشمال الشرقي للدولة، أيّ ما بعد الفرات حيث تقيم الإدارة الأميركية قواعدها، وبدل أن تعلن سحب قواتها من المنطقة أسوة بالروسي والإيراني وربما حزب الله الذي يدرس عملية الانسحاب المتدرّج كما يتسرّب من معلومات، نرى الأميركي يعلن أنّ قواته باقية وأنه سيقوم بتدريب حوالي ثلاثمئة ألف مقاتل أغلبها من التنظيم الكردي وحدات حماية الشعب، ويسمّي هذا الجيش «قوات سورية الديمقراطية قسد»، وأنّ مصادر «قسد» تعلن بدورها عدم السماح بعودة المهجّرين من المناطق المسيطر عليها من قبلها، وأيضاً منع دخول السوريين رغم الوجود الحكومي الرسمي في كلّ من الحسكة والقامشلي، من هنا يمكن استنتاج مهمة «قسد» الأميركية وهي السيطرة الاسمية على الأرض السورية شرق الفرات وشماله، وهي المنطقة تماماً المقتطعة من الجغرافية السورية طبقاً لخريطة نشرها البنتاغون قبل سنوات لأكثر من مرة، وفي إحداها تتمّ تسمية المنطقة المحصورة بين الفرات والنيل «Great Israel» وأنّ ما بعد الفرات هو دولة مستحدثة تمتدّ إلى الشمال العراقي وتسمّى كردستان، ولكن، دون المناطق الكردية جنوب تركيا وهي بالأساس مناطق سورية محتلة منذ قرن وأغلبها من الاثنية الكردية بعد هجرة أو تهجير السريان والأرمن وكثير من العائلات العربية، أما عدم ضمّ هذه المناطق فهو تطمين للحكومة التركية وكسب صمتها… وبعد، هل يمكن اعتبار هذه المخططات لمصلحة أميركية أم لمصلحة صهيونية، ومن يقود الآخر الأميركي أم اليهودي؟
المخطط الصهيوني الأميركي لهذه المنطقة لن يكون تحقيقه يسيراً كما تعتقد الإدارة الأميركية ومعها الصهيونية، واستمرار الوجود الأميركي سيجرّ إلى الصدام مع الجيش السوري الذي يلتزم تحرير الأرض السورية حتى آخر حبة من التراب الوطني، ولن يقتصر الصدام على الوحدات الكردية التي ستجد نفسها وحيدة بعد انسحاب الوحدات العربية والسريانية، بل ومع الأميركي الذي سيكون مضطراً للانسحاب نتيجة الضغوط الدولية، أما ما حققه الفعل الأميركي فإنّ نتيجته تنحصر بترسيخ الكراهية بين مكوّنات شعبنا بعد الفرات، وندرك أنّ أغلبية الأكراد ليسوا مع هذا التوجه، وإذا كانت الحكومة السورية قادرة على تفهّم ومعرفة وفرز العملاء عن الوطنيين الشرفاء فإنّ عامة الشعب سوف تستمرّ في الحذر من التعامل مع إخوتهم الكرد في المنطقة الذين تضرّروا، ويكتشفون أنّ قلة من العملاء هم المستفيدون وهؤلاء سيخرجون مع مشغليهم وربما قبلهم لإدراكهم أنّ القانون سيطالهم وأنّ ما فعلوه هو خيانة وطنية عقوبتها منصوص عنها ويعرفونها.
ما زرعته بريطانيا قبل قرن، تحصد المنطقة ثماره المسمومة، وعلى خطى بريطانيا يسير الأميركي الجديد، فهو بفعله وسلوكه يزرع نبتة الكراهية ويرمي بالوقيعة بين أبناء الشعب الواحد. المؤلم أنّ الكرد المتعاملين مع الأميركي لم يستمعوا للنصيحة ولم يأخذوا عبرة ممن خذلتهم أميركا وورّطتهم في أكثر من مكان من العالم، الأهمّ أنّ حلمهم هو المستحيل.
ماذا تريد تركيا…؟