كرة القدم… وعبقرية «السُّوس» في التّسلُّل!
نصار إبراهيم
لست مهووساً بكرة القدم… ومع ذلك… أحياناً وبصورة عفوية استمع لنشرة الأخبار الرياضية… ومع الزمن لاحظت أنه كثيراً ما يرد في تلك الأخبار، أنّ مدرّب فريق المنتخب كذا، أو مدرّب فريق النادي كذا قدّم استقالته بعد فشل المنتخب أو الفريق الذي يقوده في إحدى المباريات أو التصفيات أو النهائيات، كما لاحظت أيضاً أنه يتمّ حرمان الفريق أو أحد لاعبيه من اللعب لموسم أو أكثر، وذلك بعد اكتشاف أنهم يتعاطون المنشطات… أعجبني ذلك…
المهمّ… كنت أتابع النشرة… وسمعت مثل هذه الأخبار… فجأة هرشت رأسي وقلت: والله إنّ هذا جميل…! إذا فشل الفريق في إحدى المباريات أو المواسم الكروية، فإنّ المدرّب يستقيل أو يُقال… يعني يجب أن يتحمّل أحد ما مسؤولية الفشل…
فكّرت.. وقلت… نعم يجب أن يكون ذلك… فالفرق الرياضية والمنتخبات تخوض المباريات أمام وتحت أعين الجمهور/ الشعب… يعني كلّ شيء يجري أمام الناس… وبما أنّ المدرّب يعرف كما تعرف إدارة المنتخب أو فريق النادي أنّ هذا الجمهور/ الشعب هو الذي يمدّها بأسباب البقاء والنجاح والاستمرار، ذلك لأنّ هذا الجمهور هو الذي يدفع أثمان التذاكر، كما يدفع أيضاً بعضاً من موازنات وزارات الرياضة بالضرائب… لهذا حين يفشل الفريق في تحقيق المتوقع… فإنّ على المسؤولين فيه أن يتحمّلوا أسباب هذا الفشل… هذا ما يحدث كما تقول نشرات الأخبار… المثير في هذه الحالة أنّ البدائل دائماً موجودة ومتاحة… فيجري التبديل والتعويض فوراً من أجل إعادة ضخ الحيوية في الفريق وتجاوز أسباب الفشل.
لا أدري لماذا وأنا أتداعى في هذه الأفكار… وجدت نفسي أعود لا شعورياً إلى «طورا بورا» العالم العربي… قلت: نحن أيضاً لدينا 22 منتخباً وطنياً على شكل حكومات، و22 مدرّباً على شكل رؤساء وشيوخ وأمراء وملوك، ومع ذلك فإنهم لا يلتزمون بقوانين ودروس كرة القدم المدهشة…
فمع أنّ «منتخباتنا الحكومية الوطنية» و»المدرّبين» الذين يقودونها يفشلون في مباريات السياسة والاقتصاد والخدمات والصحة والتعليم والثقافة و… و… و… على مدار 20 أو ثلاثين وربما أربعين موسماً متتالياً أو أكثر… ومع أنّ معظمها يتعاطى المنشطات على شكل رشىً وصفقات… إلا أنني لم ألاحظ أنها تلتزم بقوانين فرق ومنتخبات كرة القدم المحترمة… فتبادر مثلاً وعن طيب خاطر بتقديم استقالتها أو تتمّ إقالتها واستبدالها بفرق أو مدرّبين أكثر كفاءة…
الذي يجري في «منتخباتنا الوطنية الحكومية» هو أنها تخرج في كلّ مرة من «الملعب» وذيولها بين سيقانها كـ «كلاب» مهزومة، ولكنها تبدأ بالاستعداد لموسم فشل جديد وبالهمّة نفسها… مع أنّ الفشل في «المباريات» التي تخوضها أخطر بما لا يُقاس من الفشل في مباريات كرة القدم، ذلك لأنّ نتائج فشلها تعني أثماناً باهظة تطال حياة ملايين الناس ولقمة عيشهم ودوائهم وتعليم أبنائهم، كما تطال استقلال الأوطان وكرامتها…
ما يحدث أنّ جميع «منتخباتنا الحكومية الوطنية الكروية» هذه تستمرّ وكأنّ شيئاً لم يكن…
ولكن قد يحدث أحياناً، في بعض الحالات النادرة، أن يُقال «المنتخب الحكومي» كلياً أو جزئياً، لكنه يحدث من قبل المدرّبين الفاشلين ذاتهم، الذين يأمرون بإعادة تشكيل «المنتخب» من جديد… المدهش هنا أننا في المباراة التالية نكون أمام معظم وجوه الفريق القديم ذاته. وهي تقوم بالإحماء في الملعب… بالبلادة والابتسامات ذاتهما وقلة الحيا.
مرة أخرى هرشت رأسي… وتأمّلت هذه المفارقة بين ما يحدث في عالم كرة القدم وما يحدث في واقع الظاهرة «الكروية العربية القرعاء»… وتساءلت: لماذا يا ترى؟
قلت ربما لأنّ «منتخباتنا الحكومية» تخوض المباريات سراً وليس أمام الجمهور/ الشعب… وقلت أيضاً ربما لأنها أقنعتنا وتقنعنا باستمرار أن ليس هناك بديل أفضل منها… بمعنى أنّ رب الكون قد خلقهم ثم بعدها حطم قالب الخلق والتكوين… أو ربما لأنهم واثقون بأنّ الشعب الذي يتابع مبارياتهم سيستمرّ في شراء التذاكر، مهما بلغت الخسائر ومهما كانت نتائج «مبارياتهم» سيئة ومخزية!
ولكن، بالرغم من كلّ هذا يبقى السؤال: إلى متى يا ترى سيواصل المواطن العربي دفع أثمان تذاكر مباريات فاشلة ومهينة وتخلو من أية متعة أو إثارة!؟ يعني… متى سيعلن المواطن العربي التوقف عن شراء التذاكر لمتابعة «مباريات المنتخبات الحكومية» الخالية من أيّ أداء تكتيكي أو استراتيجي جدي وحقيقي!؟
إلى متى سيبقى الشعب يتابع أداء منتخبات حكومية قلبُ هجومها لا يمتلك الجرأة والمخيال، وأجنحتها هشّة وكسولة، ودفاعها مرتبك وجبان، وحارس مرماها يتسلّى بمتابعة الجميلات على مدرّجات الملاعب الوطنية أو… الدولية؟
إلى متى نتابع مباريات «المنتخبات الحكومية» التي لا تجيد سوى استراتيجية مصيدة التسلل من المسؤولية!؟
هنا توقفت عن التفكير… فقد حان موعد نشرة الأخبار فرحت أتابعها بشغف… فكان الخبر العاجل التالي:
قرّرت الحكومة في جلستها الطارئة رفع سعر الخبز، لأنّ السّوس طوّر آليات تكيّف ماكرة ضدّ المبيدات فأصبحت لديه المناعة والخبرة فغزا مخازن القمح…
الحق ع السّوس!