قالت له
قالت له
قالت له: أحبّ نقر المطر على زجاج الشباك فيذكرني بنقر أصابعك تواعدني على الباب الخلفي لمنزل القرية وأشتاق لدفء نار الحطب في الموقد ونحن صغار نغطي أقدامنا بشال صوف وندّعي أننا نضيعها ونبحث عنها فتهمس لي هذه قدمي لا تضغطي كثيراً كي لا أصرخ وجعاً وأضحك ويكتشف الباقون من نظراتنا براءة حب أطفال يكبرون ويكبر الحب معهم، فهل تشعر بأن الحب اليوم أقوى أم هي الذكريات؟
فقال لها: يسري كلامك تحت جلدي كتيار كهربائي ينعش الذاكرة بالكلمات والموسيقى وأستشعر دفء نار الموقد، وتختبئ عيناي بين يديّ، كما أذكر قميصي المبلل مطراً وأنا أنتظر أن تشقّي لي طرف باب البيت، لكنني لا أظنّ أن بيدنا أن يكون لما نحن فيه جمال ما كنا نرتجيه فتلك البراءة والتوقعات لها سحر لا يُستعاد.
فقالت: وهل يضعف الحب عندما نكبر؟
فقال: ليس هذا السبب، بل إن أحلامنا الطفولية أكبر من أن تتحقق فهي أحلام ملائكة أو آلهة. وهل لنا أن نكون إن كبرنا ملائكة أو آلهة. فالأطفال وهم صغار، هم أطفال ملائكة وآلهة، وهم كبار رجال ونساء فقدوا سمو الآلهة وترفع الملائكة وصارت أحلامهم خليط مصالح وحسابات ومسؤوليات مع بعض ما بقي من سحر الطفولة.
فقالت له: كيف تلتفت لتلك الأحلام؟
فقال لها: بشغف وتوق وابتسامة… وأنتِ؟
فقالت: بحسرة وندم.
فقال: ولماذا؟
قالت: على قبلة كنت عرضتها علي ورفضتها.
قال: ولهذا قلت بشغف أملاً بأن تقبليها.
فقالت: لكن تغيّر كل شيء الآن.
قال: وبقينا نحن، فهل نغمض عيوننا ونتخيّل أننا خلف باب الدار وأعمارنا دون الخامسة.
فأغمضت وقبّلته في عينه. وقالت هنا كانت ستقع شفتاي ونحن مغمضان، فقد كنت أكثر منك طولاً وضحكا معاً، قبل أن ينتبها أن المطر قد بلّل بعضاً من ثيابهما.