عباس والتموضع بين محورين… وخيار واحد

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

أسهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه أمام المجلس المركزي… بشكل كبير في السرد التاريخي والمظلومية الفلسطينية، لتثبيت الحق التاريخي لشعبنا الفلسطيني في أرضنا، وأعتقد أن سرد هذا التاريخ ليس مكانه في خطاب يوجه إلى شعبنا الفلسطيني، وكذلك هذا السرد جرى في أكثر من خطاب وفي أكثر من محفل دولي، وجيّد هذا الإسهاب أن يوجه لغير الشعب الفلسطيني. فالشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال ومسلسل إجراءاته وممارساته القمعية كلّ يوم، اصبح أطفاله قبل شبابه، وشبابه قبل شيوخه، خبراء في الطبيعة الكولونيالية لهذا الاحتلال الصهيوني، والهدف الاستعماري من إقامة هذا الكيان في قلب العالم العربي، والدور والوظيفة المنوطة به.

وكذلك تطرّق خطابه إلى بعض المواقف التآمرية على القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني، من قبل دول ما يُسمّى بمحور «الاعتدال الاعتلال العربي»، الذي وضع عباس كلّ البيض الفلسطيني في سلّته، وبقي حتى ما قبل قرار الرئيس الأميركي المتطرّف دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، يتحدّث عن أنّ الأميركان جادّون في ما يسمّيه إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، رغم كلّ الشواهد الني كانت تقول بانّ هذه الإدارة الأميركية هي الأكثر سفوراً ووقاحة وعداءً لشعبنا الفلسطيني، وبعد أن «وقعت الفاس في الرأس»، كما يقول المأثور الشعبي، اكتشف الرئيس عباس والفريق المحيط به بأنّ ما يُسمّى بـ «صفقة القرن» هي صفعة قرن، وبأنّ حلفاءه الموثوقين هم جزء من هذه الصفقة، المستهدفة تصفية القضية الفلسطينية.

أما بشأن المصالحة الفلسطينية، فواضح من خطاب الرئيس وهجومه الكبير على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بأنّ هناك أزمة عميقة في النظام السياسي الفلسطيني، وحالة من فقدان الثقة، وعدم القدرة على نظم برنامجي سياسي موحّد، ولا حتى رؤية واستراتيجية موحدتين، والحديث عن الوضع في قطاع غزة قد تغيّر، وبأنّ هناك حلاً لقضية الكهرباء غير مسنود بحقائق، وعدم التطرّق إلى رفع العقوبات المفروضة على أهلنا وشعبنا في قطاع غزة…

كلّ ذلك يؤشر الى انّ المصالحة التي يقول الرئيس بأنها غير متوقفة، فرص تحقيقها في المدى المنظور غير متوفرة، وربما عدم تحقيقها في قضية مركزية كقضية القدس يدفعنا للقول، بأننا أمام انقسام مستدام ومتنام…

والمرافعة المطوّلة التي طرحها الرئيس عباس وتطرّق فيها الى إنجازات الحكومة والإنجازات المتحققة سياسياً ودبلوماسياً وقانونياً، والدور الأميركي العدائي لشعبنا الفلسطيني وقضيتنا الفلسطينية، من خلال استخدام 43 «فيتو» في مجلس الأمن ضدّ قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، وخفايا مفاوضاته مع «الإسرائيليين» وغيرها من القضايا السردية الأخرى، في إطار الضغوط الكبيرة التي مورست عليه والمغريات المادية الكبيرة التي قدّمت له للقبول بما يسمّى بـ «صفقة القرن»، وصلت نهاياتها في الدقائق الأخيرة، إلى خلاصة انتظرها الجالسون في قاعة المؤتمر، بعد حالة ملل تسرّبت إلى عقولهم وقلوبهم.

والخلاصة التي وصل إليها خطاب الرئيس، يمكن أن نكثفها في نقاط عدة تحدّد اتجاهات وعناوين موقف الرئيس والسلطة في المرحلة المقبلة من العملية السياسية وصفقة ترامب، فالرئيس يشدّد على أنه لا خيار سوى خيار الاستمرار في التفاوض، وأشكال المقاومة محصورة في المقاومة الشعبية السلمية، ولكنه لن يوافق على صفقة القرن، وبأن تكون ابو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية، كما تريد أميركا و«إسرائيل» وما يسمّى بدول «الاعتدال العربي»، بل سقف السلطة السياسي سيبقى تحت سقف دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، واضح أيضاً أنه لن يسحب الاعتراف بـ «إسرائيل»، حيث قال في خطابه، بأنّ اوسلو الذي يقول البعض إنه خيانة، هو من أتى بالاعتراف المتبادل بين «إسرائيل» والمنظمة، وبأنّ «إسرائيل» أنهت «أوسلو»، و«أوسلو» تعاقد بين طرفين، وبالتالي القول بأنّ «أوسلو» قد انتهى، يحتاج الى موقف فلسطيني واضح ينهي «أوسلو» وما ترتب عليه، وليس عبارات مبهمة وغامضة وتحمل الكثير من التفسيرات والتأويلات للتهرّب من الالتزام بتطبيق أيّ قرار قد يتخذه المركزي في ختام دورته.

الآن من الواضح بأنّ السلطة كما يقول المأثور الشعبي «كمن يبلع سكيناً»، لا هي قادرة على الموافقة على ما يُسمّى بـ «صفقة القرن»، والتموضع تحت سقف عباءة المحور العربي المتدثر بالعباءة الأميركية، وهو سبب بلائنا ومآسينا كشعب فلسطيني، ولا هي قادرة وراغبة في الخروج من تحت عباءة هذا الحلف الى حلف ومحور المقاومة، حتى لا تخسر الدعم المالي لها من هذا المحور، وكذلك حتى لا تثير غضب هذا المحور عليها، وهي التي وضعت كلّ البيض الفلسطيني في سلته. ومن هنا هي تريد أن تتخذ موقف اللاموقف وتمارس سياسة «اللعم»، وهي تبحث عن مرجعية وعباءة افتراضية جديدة، بحيث تستمرّ في التفاوض من خلال رعاية دولية جديدة، بحيث تمنع بروز أيّ تيار أو شريك فلسطيني يمكن له أن يستجيب للمشروع الأميركي «الإسرائيلي»، وبالتالي هذا الفشل والمنع، يمكن ان ينتج رعاية دولية جديدة للمفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية».

الفلسطينيون والحضور لم يحصلوا على أجوبة شافية على القضايا والأسئلة الكبرى، في خطاب الرئيس عباس، وكذلك لا اأعتقد بل أجزم، بأنّ هناك مشروعاً للوحدة ستقوده السلطة، فالسلطة تريد أن تبقي نفسها متموضعة بين محورين، المحور العربي – الأميركي ومحور المقاومة، وفي الوقت نفسه ضمن خيار واحد، خيار المفاوضات والمقاومة الشعبية السلمية، ولذلك جوهر سياسة عباس والسلطة، سيبقى عدم تحقيق الوحدة الفلسطينية، بل ربط ذلك بالنزاع، للإفادة من عدم التصادم في تعزيز الوضع نحو التفاوض، والإفادة من عدم التعاون لعدم خسارة تصنيف الغرب لعباس كشريك في «عملية سلام»…!

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى