عندما تثقّف امرأة
رولان رياض مشوح
يقول الفيلسوف سقراط: «عندما تثقّف رجلاً فأنت تثقّف فرداً، أما عندما تثقّف امرأة تكون قد ثقّفت عائلة بأكملها».
من هنا يجول في خاطرنا إمكان مدى تطبيق هذه المقولة على أرض الواقع في ظلّ ما نشهده من ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية متردية في عالمنا العربي. فالتراجع الثقافي والتعليمي الذي نشهده جعل الكثير من الأسر تعود إلى ما كانت عليه قبل سابق عهد، إذ عادت غالبية الأسر العربية تعمل على تعليم الذكور وترك الإناث في البيت تحت حجج ومسمّيات كثيرة الحاجة المادية، الظروف الاقتصادية، الوضع الأمني، مساعدة الفتاة لوالداتها في أعمال المنزل، الزواج في سنّ مبكرة إلى آخر ما هنالك من أسباب تكرّس الوضع الرديء الذي تعيشه مجمل فتيات اليوم، وهذا يعكس صورة حقيقية عن معاناة المرأة في بعض المجتمعات من نقص حاد في الثقافة بأنواعها كافة دينية، اجتماعية، تربوية، نفسية، صحية، علمية، إلخ… ، وعلى اختلاف مستوياتها وأعمارها.
اليوم، ويا للأسف، ما زلنا نرى العديد من الصور والمشاهد في واقعنا العربي تدفع بها إلى الوراء لتبقيها بعيدة عن الساحات والأضواء، ويتناهى إلى مسامعنا عن العديد من الرجال الذين يتشدّقون باسمها وبمشكلتها في الفعاليات الثقافية التي تعنى بالمرأة، والندوات الثقافية، والصالونات الأدبية، وإعطاء إحصائيات ودراسات تؤكد على دورها الإيجابي والفعّال، طارحين باسمها عدداً من الأسئلة حول المشاكل التي تقف عقبة في اتخاذ المرأة دورها الثقافي الكامل. نذكر من هذه الأسئلة:
ما الأسباب الكامنة وراء نقص ثقافة المرأة وكيفية تنميتها؟
ما أثر نقص ثقافة المرأة في المجتمع؟
ما البرنامج التثقيفي اللازم تقديمه إلى النساء في مجتمعاتنا العربية؟
متناسين أنها وحدها القادرة على التعبير عن ذاتها، وهي المبدعة التي تستطيع أن ترسم لذاتها أسس حياتية لنفسها، وأن من حقها وحدها اختيار تقديم الأسلوب المناسب لتعكس صورتها ودورها الأساسي في بناء المجتمع الحقيقي السليم المتعافى.
فهل من المنطقي أن يتراجع دورها اليوم بدلاً من إعطائها مساحة أكبر لتأخذ دوراً ريادياً للمساهمة الفعّالة في بناء مجتمع مدني قوي؟
انطلاقاً من المساهمة الفاعلة للنساء في قضية التنمية الشاملة، والاهتمام بدور المرأة المؤثر في تنمية المجتمع كجزء أساسي في عملية التنمية ذاتها، بات معلوماً أنّ تقدم أيّ مجتمع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى تقدم النساء فيه وقدرتهنّ على المشاركة في مجالات التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وإلغاء جميع أشكال التمييز بين المرأة والرجل من حيث المشاركة الفاعلة لكليهما في بناء المجتمع.
لكون المرأة نصف المجتمع وهي تربّي نصفه الآخر، غدا من الصعوبة بمكان عرض أيّ مشهد في الواقع المعاش من دون أن يكون للمرأة فيه دور حاضر وفاعل، ورغم دخولها مختلف ميادين الإبداع والثقافة إعلام، أدب، فن، إلخ… ، لا تزال المرأة العربية تسير بخطى خجولة في مجالات عديدة، وما برحت تزال تحتاج إلى العمل الجاد لرفع السوية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لذاتها وكينونتها.
هنا تكمن أهمية البرامج الموجهة للمرأة في هذه الجوانب بما تحمله من قدر كبير من المسؤولية، فالمرأة تعتبر أساس كلّ نظام، ورقيّ أيّ مجتمع، ومن الضروري أن تكون هذه البرامج ذات أهداف سليمة ومضمونة من ناحية التنفيذ.
كما تتبلور مساهمة المرأة في تطوير المجتمع وبنائه فكرياً ومادياً وأخلاقياً من خلال دورها الأساسي ووظيفتها الأولى في تربية الأبناء وتوجيههم نحو الطريق الصحيح، ومهمتها في تدبير شؤون المنزل والاقتصاد المنزلي، وحرصها على مال أسرتها، ومراعاتها عمليّة الاعتدال في الصرف المادي، والتفريق بين الدفع لاقتناء الكماليات وتلبية الحاجات الأساسية لأسرتها، فبذلك تترابط حلقات البناء بين التربية السليمة لأبنائها، ودورها في عملية التنمية والإنتاج وما تقدمه إلى مجتمعها وأبنائها وأسرتها بما تملك من علم وعمل ومعرفة وأخلاق وآداب عامة وسلوك حضاري يبرز وجودها وأهميتها في استقرار المجتمع، ومساهمتها الكبيرة والفاعلة في البناء الاجتماعي من خلال لمساتها المميّزة في المجالات الحياتية كافة.
لا بد من أن تكون ثقافة المرأة واسعة وشاملة، وأن لا تكون منفصلة عن دورها الاجتماعي الذي يعتبر لبنة العمل الثقافي الذي نحتاج إليه في مجتمعاتنا العربية.
كلمة أخيرة سيدتي: بالعمل المنظم والملتزم تصلين إلى تحقيق هدفك المنشود عملاً لا قولاً، وعلى الرغم من كلّ شيء، ومن كلّ الظروف التي قد تعترضك، ومن كلّ ما تعانيه المرأة في مجتمعنا من إجحاف لحقوقها، نرفع لك القبعة، ولك سيدتي وحدك كلّ الثناء والاحترام كونك العنصر الأهم والأخطر والأشمل في تربية الأجيال وتنشئتها، وتبقى بصماتك حاضرة في كلّ شيء، ولمستك التربوية مطبوعة على ذاكرة الأجيال، وتتحكّم في سلوكياتهم تجاه الأشياء والمواقف والظروف كافة، لذا نحن دائماً وأبداً ننتظر منك مزيداً من الثقافة والتألق والإبداع والعطاء لأنك حقاً رمز لها.
محامية