سُمّ أميركا و«إسرائيل» في دسم زائف

حسين حمّود

كرم أميركي مستجدّ ظهر أخيراً، للبنانيين بالتوازي مع كثرة الموفدين العسكريين إلى لبنان، بحيث لا يمضي أسبوع إلاّ وتتخلله زيارة لقائد عسكري أميركي إلى بيروت وعقد لقاءات مطوّلة مع بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين اللبنانيين، فضلاً عن الحركة الناشطة للسفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد باتجاه القوى السياسية المؤيدة للولايات المتحدة الأميركية.

لكن واشنطن لم تكتف بالمستويين السياسي والعسكري لتحرّكها في لبنان، بل غاصت أكثر في الحياة اللبنانية، من خلال محاولة استقطاب كتل شعبية عن طريق إغرائها بمشاريع إنمائية وسدّ حاجات خدمية مثل الكهرباء والمياه في عشرات البلدات والقرى اللبنانية.

فقد أعلنت السفارة الأميركية أنّ السفيرة ريتشارد استضافت في السفارة الأميركية رؤساء 32 بلدية تمّ اختيارها للحصول على مساعدات من الولايات المتحدة لتنفيذ مشاريع للتنمية المجتمعية في العام 2018.

ويطمح المشروع إلى تنفيذ 87 مشروعاً في 23 منطقة عبر البلديات مع إشراك أكثر من 150 بلدية. وسوف تشمل المشاريع أعمال بناء صغيرة النطاق، وتوفير الكهرباء والخدمات الصحية المحلية والمياه للريّ وللاستخدام المنزلي. كما ستضمن توليد الدخل من خلال التجهيز الزراعي وتنظيم المشاريع.

في تقصير الدولة في الكثير من المجالات الحياتية والتي تؤدّي في كلّ مرحلة إلى رفع الصوت في الشارع وتنفيذ اعتصامات وتظاهرات مطلبية، من دون أن تهتمّ الوزارات والإدارات المعنية، جدياً بالأوضاع المزرية للناس، يجد من يريد التسلل إلى مجتمعنا، ليس نافذة أو نوافذ بل أبواباً واسعة للدخول وتنفيذ مشاريعه السياسية والاقتصادية والعسكرية، فكيف إذن، ستكون الحال إذا كان المتسلل أميركا وماذا يمكن أن يكون في جعبتها من مشاريع للبنان الواقع على خط تماس بينه وبين كيان العدو «الإسرائيلي»؟

وماذا ستقدّم للبنان المقاوم لهذا العدو سوى مشاريع مفخّخة، بالتآمر على لبنان هذا وتشويه صورته في وجه أبنائه، وصولاً إلى فتنة بينهم هدفها الأول والأخير إضعاف المقاومة وتطويق تحركها باتجاه مقارعة العدو الصهيوني الذي ما يزال يحيك الخطط للاعتداء على لبنان واللبنانيين؟

واللافت أنّ الإعلان الأميركي عن المساعدات البلدية المذكورة جاء قبيل الانتخابات النيابية المقرّرة في السادس من أيار المقبل، والتي يكون فيها عادةً للبلديات أدوار كبيرة في دعم المرشحين وتأثير على الهيئات الشعبية الناخبة. كما أنها تأتي في جو أميركي تصعيدي ضدّ حزب الله ضمن أجندة متجدّدة لتشويه صورته أمام الرأي العام اللبناني من خلال سوق واشنطن تهماً مزعومة ضده، منها أنه منظمة إجرامية تتاجر بالمخدرات وقد تشكلت لجنة أميركية للتحقيق في هذا الأمر.

كذلك تأتي المساعدات، في وقت تشتدّ فيه المواجهات الإعلامية بين المقللين من شأن التطبيع مع العدو الصهيوني من جهة، وبين الرافضين له بتاتاً، لكن خطورة هذا الأمر هو تسلّل التطبيع من خلال نشاطات تمسّ الوجدان والمشاعر والعواطف الإنسانية مثل الفن، لتمرير الرسائل التطبيعية أو التعاطف والتأثر بشخصية فنية كبيرة مؤيدة وداعمة للكيان الصهيوني.

معركة أميركا و«إسرائيل» ضدّ لبنان المقاوم والمقاومة، مستعرة على جبهات عدة، وإنْ كانت باردة عسكرياً، وسلاحها مفخّخات اجتماعية واقتصادية وثقافية بعدما فشلت الحروب العسكرية ضدّه، لكنها المعركة الأقسى لأنها مليئة بالسموم المخفية في دسم زائف مقيت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى