الإعلاميّة الكاتبة منال الربيعي: أولى خطوات نجاح الكاتب التماس تأثّر القارئ
حاورتها: رنا صادق
إحساسها عالم يُختزَل في حضورها اللافت على ملء الأعين. ما بين غمزتها وهمستها لطفٌ لا متناهٍ… وجمال. تجتمع فيها الأصالة العراقية والفرادة اللبنانية، كونها من أصول عراقية، ولبنانية النشأة والسكن. جذورها متشعّبة، من نخوة وشهامة أهل العراق ممزوجة بالأنوثة والشفافية اللبنانية.
تحمل في إطلالتها الروح الأنثوية المتمرّدة، الصبورة، الساكنة والعقلانية. لا تغريها المظاهر المهترئة ولا تعير الحقد والكره أيّ اهتمامٍ. ترسل طاقتها الإيجابية وحيويّتها بخيوط الفراشات الناعمة، من دون مجهودٍ أو تكلّف.
كثُرت تفاصيل وصفها وما عادت الكلمات تكفي، إذا أردنا التعريف بها باختصار. هي منالٌ لا يناله كلّ من نال… سوى الأكثر حظّاً. هي اسم على مسمّى، بكلّ ما في الكلمة من دقّة. هي المذيعة، الصحافية والكاتبة منال الربيعي، التي تسابقت مع الزمن، وكشفت سرّ سعادتها، راحتها وسريرتها مبكراً، على عكس كثيرات.
لا مضيعة للوقت، ولا وقت للتراخي، هي في حالة تطور وتجدّد دائمة. فقد سارت مسيرتها المهنية في اتجاه أفقي، بدءاً من إذاعة الأخبار على قناة «السومرية»، إلى إعداد وتقديم برامج عدّة عبر أثير إذاعة «صوت لبنان»، وصولاً إلى كنف الكتابة الروائية.
كلّ هذه التفاصيل وأكثر، عن الكاتبة منال الربيعي، كشفتها «البناء» وتعرّفت إلى برعم أسرار نجاحها خلال اللقاء، نعرضه لكم في ما يلي.
ولدت الكاتبة والصحافية في لبنان، قضت طفولتها بين شوارع بيروت، ودرست فيها، لكنّها زارت العراق مراتٍ عدّة، بسبب الحروب. تقول عن نفسها إنّها لبنانية النشأة، الهويّة والدراسة، حيث درست العلوم السياسية، لكنّها صدفةً دخلت إلى عالم الصحافة.
بدأت هذه الصدفة الصحافية، حين كانت مسؤولة قسم الإعلام في مفوضيّة الانتخابات العراقية، تعرّفت حينذاك إلى قناة «السومرية» العراقية وعُرِض عليها العمل كمذيعة أخبار. لم يكن مسار دراستها متّجهاً نحو العمل الإذاعي والصحافي.
عملت خمس سنوات في القناة العراقية، اكتسبت خلالها مبادئ العمل الإذاعي التلفزيوني، وأصول اللفظ والنطق، وتقديم نشرات الأخبار وإعدادها.
تنقّلت بين جرائد لبنانية بشكلٍ متقطّع ومنها جريدة «البناء» في الشأن العربي والدولي، إضافةً إلى جريدة «الديار» وغيرها.
في الوقت عينه، عملت في هذه الفترة على إعداد وتقديم برنامجها الاجتماعي الذي يبثّ عبر «إذاعة صوت لبنان»، وعنوانه «نصفي الآخر»، ثم البرنامج العائلي «بيت بيوت» عبر الإذاعة المذكورة، وآخر برنامج لها «أريد حلاً» المتخصّص في شؤون المرأة والمجتمع.
تهوى الربيعي القراءة والكتب منذ صغرها، شغفها الكتاب، رفيق دربها وصديقها الدائم، في فرحها قبل حزنها، الأقرب إلى قلبها، الأمر الذي أغنى مخزونها الثقافي والأدبي. بدأت كتاباتها النثرية تبرز خلال مناسبات معينة، كمجلة الحائط في المدرسة، أو من خلال كتابة وإلقاء كلمة في مناسبات في الجامعة أو حتى المناسبات الاجتماعية. حتى جاءتها إشارة بالكتابة، فهي لم تعتد على أنّها الكاتبة، لكنّها حاولت… ونجحت. وكان مولودها الأول «حتى آخر العشق».
«حتى آخر العشق» رواية نثرية، رومنسية شفّافة بعيدة عن الضجيج، كما تصفها الربيعي.
وعن سؤالها أين يكمن الفرق بين القارئ والكاتب؟ أجابت: فرقٌ شاسع. معاملة القارئ للقصة وتأثره بها يبقيان حيّاديين، بينما الكاتب يعيش حالة البطل. ففي روايتي عشت دور «حسنا» البطلة، إنّ حزنت أحزن، إنّ فرحت أفرحها لفرحها. باختصار تقمّصتني الشخصية، إلى هذا المدى الكتابة قادرة أنّ تتملّك صاحبها وتعيش معه. حتى رحت أطلق أسماء الأبطال في الرواية على من حولي من دون قصد. سُعدت بولادة مولودي الأدبي.
الدفاع عن الحبّ
الكتابة لا تخلو من المصاعب، وكلّ كاتب يعانيها بطريقة ونمط مختلفين، بالنسبة إلى الربيعي قد مرّت بأحداث فجائية في الرواية ألزمتها السلوك في اتجاه معيّن رغماً عنها، لكنّه ضروري، كالأحداث والمواقف القاسية التي تفرض على الكاتب أنّ يأخذ سياق الرواية خطّاً جديداً مغايراً. هي بالطبيعة الحال صعوبات انفعالية نفسيّة. أمّا بالنسبة إلى الصعوبات الأدبية، فتشير الربيعي إلى أنها لم تتعثّر بذلك لأن رسالة الرواية واضحة منذ البداية، والتي جاءت في الرواية على تكريساً صورة الحب والوفاء، انتصار الحب ولو بعد حين، الرسالة التي تبرز قوة المرأة التي تضحي وتدافع أكثر من وعن حبهّا أكثر من الرجل أحياناً.
التكنولوجيا والرواية
عزمت الربيعي على اختيار ما هو بعيد عن القلق والحالة التي يعيشها العالم العربي، والقصص السياسية، العلمية، حيث لجأت إلى قصة تصلح في أيّ مكانٍ وزمان. فهي بعيدة عن ضجّة التكنولوجيا، وزحمة مواقع الاتصال، تنوّعت الأماكن بتنوّع الأحداث.
تقول الربيعي في هذا الصدد: تليق «حتى آخر العشق» بالزمن الذهبي للرواية، وتليق إلى هذا العصر، لأن هذا النوع من الحبّ والرومنسية لا زمان معيّناً لهما. لم أرد الدخول في جدليّة الرواية المعاصرة التقنيّة، كـ«واتس آب» ووسائل التواصل الاجتماعي. لم أرغب أن تكون قصة شائعة. تقرأها الشابة، والمراهقة والأم.
حدود الكتابة
يبحث الكاتب بحسب الربيعي عمّا ينقصه في حياة الواقع ويجده بين الأوراق التي لا حدود لها، سوى القيود الأدبية والسلوكيّات المتعارف عليها.
وعن حدود الكتابة بالنسبة إليها، تقول الربيعي: «أنا إمرأة جريئة وملتزمة. أمّ متحرّرة، عبر المبادئ ومن خلال احترام القيود والأعراف. ففي أكثر اللحظات حميمية وعشق في روايتي «حتى آخر العشق» لم أخدش أو أؤذي الحياء العام. فأهم ما في الكتابة الحرية المسؤولة، وليس الحرية التي تغيب عنها القيم والأعراف. يبرز الالتزام في روايتي بشكّل قوي، حيث أنها تصلح لشرائح المجتمع كافّة وللأعمار كافّة».
لا تربط الربيعي بين حالتها النفسية وما تنتجه على الأوراق، فليس كلّ مغروم فقط يستطيع أن يكتب عن العشق، لكن الأهمية تكمن في تركيب السيناريو، بعيداً وبمعزل عن نفسية الكاتب، من دون الابتعاد عن لفحاته الخاصة من شخصيته، من خلال العبارات، المواقف والنفس العام المسيطر على الكتابات.
مرحلة ما قبل الشروع بالكتابة أي مرحلة بلورة فكرة الرواية دامت أشهر عدّة، عملت على حذف بعض الشخصيات، والإضاءة على شخصيات أخرى، واتخذت أدواراً محورياً. مرحلة التفكير هي بمثابة أرضية للرواية. وعند الشروع في الكتابة تبرز مستجدات وتعديلات كثيرة. كما قامت الكاتبة باستمزاج آراء عدّة، للأفكار والأحداث في القصة، حيث توقّعت ذوق القارئ وآراءه، لكن ليس من الضروري أنّ تكون هي الحالة التي يعيشها الكاتب بالظبط، كما تشير الربيعي في حديثها إلى «البناء».
المرأة
تصف علاقة المرأة بالكتاب، بالحميمية. فالمرأة تقرأ عند الحزن، والفرح، وأيام المرض. هي علاقة غريبة غير مفهومة.
العمل الإعلامي والكتابة ينفدان على بعضهما البعض بطريقةً ما، بحسب ما تشير الربيعي، فالظروف ساعدتها في الدخول إلى عالم الرواية الكتابة. والكتابة شغف وحلم قديمين لديها. عملها في الإعلام المرئي المسموع والمكتوب ساعدها في اجتياز هذه المرحلة، أي مرحلة الكتابة الأدبية.
هذه التجربة الأدبية، التي أنتجت «حتى آخر العشق»، هي التجربة الأجمل والأقرب إلى قلب الربيعي. وهذه الرواية هي إرثٌ حقيقي.
مهنة المتعب والمصاعب تركت لدى الربيعي الإدمان الصحافي، حيث تصبح الصحافة والعمل الإعلامي من ذات صاحبها. حيث مشكلة الصحافي أنه يصبح مكبّلاً لمهنته لا يقدّر أنّ يقوم بعمل آخر. فهذه المهنة هي إدمان فكريّ وروحي، لها لذّة وشغف، بغض النظر عن مشاكلها، بحسب الربيعي.
«حسنا»، امرأة التحدّيات والاختيارات الصعبة والمواجهة، التي تدافع عمّا تحبّ، يفيض حبّها بالوفاء، والمسامحة والمغفرة التي تشبه إلى درجة كبيرة شخصية الربيعي الكاتبة.
حيث برز ذلك في الصفحات الأخيرة من الرواية، حيث تقول «حسنا» لـ«يوسف»: لم أحقد عليك يوماً، رغم أنّي حاولت. لكن في كل مرة كان قلبي يلتمس لك العذر، وأعود وأتذكّر أنه ورغم كلّ التاسعة التي سببتها لي ولعائلتي، غير أنك منحتني أجمل ما في الدنيا، ابنتنا مدى، كنت أعتبر وجودها في حياتي تعويضاً مناسباً عن كل ما اقترفته تجاهي في الماضي.
الحب والمسامحة عند المقدرة، برأي الربيعي، منتهى العقلانية، بينما الحقد والكره بمنطق العقل هما ضعف، لا يكسّبان شيئاً، على العكس. هناك جزء كبير من النساء عاطفيات، يتصدّين للصعاب التي تواجه حياتهن العاطفية.
النقد
من الناحية الأدبية، تتقبّل الربيعي النقد لكتابتها، فالعديد من الكتّاب ناقشوها في كيفية طرح الخاتمة وتسلسل الأحداث. إذ تعتبر الربيعي أن نقطة النجاح الأولى تكمن في إمكانية لمس القارئ في مكانٍ ما، أو موقفٍ ما في الرواية.
وتشير الربيعي إلى أنّ كان عليها زيادة الحوار في الرواية، لأنه طغى عليها النمط السردي. فالحوار المباشر في سيظهر في رواية الربيعي المقبلة. الأسلوب السهل الممتنع هو الأسلوب الذي طغى على كتابة الربيعي، الذي يذكّر بأسلوب أحلام مستغانمي. حيث تعبّر أنها تحب هذه المدرسة، التي لامست الناس ببساطة، فالحب لا يحمل الكثير من الفلسفة.
أحلام مستغانمي هي ملهمة الربيعي في قراءاتها ومدرسة الحبّ لديها. حيث تبدأ الربيعي نهارها بقول لمستغانمي، فهي تعتبر أن بضع العبارات التي تستخدمها أحلام في كمّ، وكمٌّ كبير من الحالات النفسية والعاطفية. هي قدرة جميلة لديها، باختصار مشاعر كبيرة ببعض العبارات، بحسب الربيعي.
الكتّاب والروائيون بحاجة دائماً إلى النقد الأدبي البنّاء غرضه الإفادة ليس التشهير.
ترى أنّ الناس قد استوعبوا صدمة الورق والكتاب، فرغم الكتب الالكترونية والمعلومات على المواقع، فللمس الكتاب طعم فريد ونكهة خاصة.
تعتمد الربيعي على قراءاتها ومشاهداتها ومسامعها في الواقع أكثر من عالم الخيال، لا تحب الخيال. الواقع أجمل فيعطي العبر.
تكمن قوّة الكاتب في الكتابة عبر القدرة على التأثير وإيصال الرسالة، واعتبار الرواية قريبة إلى كلّ قارئ، يصلح في أي زمان ومكان.
وصفها الشفّاف للبطلة ظهر بصراحة في الرواية، كقولها: « كانت حسنا فتاة الجمال حملت من اسمها الكثير، ما جعل كل بنات بلدتها ينظرن لها بعين الحسد لكثرة معجبيها وكلّ رجالها بعيون الرغبة لامتلاك هذه الجوهرة الحسناء».
وأخيراً، تشير الربيعي أنّها دخلت إلى هذا العالم الذي لن تخرج منه، وجهّت نفسها من خلال الكتابة الأدبية. وتؤكّد أنّ مستقبلاً، ستولد فكرة جديدة، لا وقت محدّد لها. فالكتابة لا تخضع للقيود، والشكل أو الميزانية، فكلّ من قادر أنّ يعبّر ويحلّل ويشعر، هو قادرٌ أن يُوجد نفسه وشخصيته في الكتابة.
من أقوال أحلام مستغانمي التي استعانت بها الكاتبة منال الربيعي في روايتها:
«النسيان أناني جداً، لا يطوي من الذاكرة إلّا من يريده هو».
«أجمل لحظة في الحب هي ما قبل التعتراف به، كيف تجعل ذاك الأول يطول. تلك الحالة من الدوران التي يتغيّر فيها نبضك وعمرك أكثر من مرّة في لحظة واحدة. وأنت على مشارف كلمة واحدة».
«كيف ترد عنك أذى القدر عندما تتزامن فاجعتان، وهل تستطع أن تقول أنك شفيت من عشق تماماً من دون أن تضحك أو من دون أن تبكي».
«ما قد يبدو خسارة لك قد يكون هو بالتحديد الشيء الذي سيصبح في ما بعد مسؤولاً عن إتمام أعظم إنجازات حياتك».
بهذه الأقوال وغيرها عمدت منال الربيعي على الدخول إلى تفاصيل الأحداث وتواردها في الرواية، وشكّلت منافذ صغيرة للدخول إلى زخم مشاعر أبطال الرواية. ولا يكفي الحديث عنها، والإحساس بها من دون قراءتها.