بين «ستاتيكو» الواقع الطائفي المأزوم وديناميات «التفاعل» باتجاه المستقبل…
د. زهير فياض
الطائفية لعنة الأمة في كياناتها السياسية كلها، ووباء قاتل يهدّد سلامة المجتمع القومي ووحدته ويقفل أيّ إمكان للتطوّر الطبيعي باتجاه المستقبل. الطائفية تنشئ تقسيمات نفسية ومادية في قلب المجتمع الواحد، وتخلق تضاربات في المصالح والرؤى والأهداف بما ينعكس سلباً على حياة الناس، ويدفع بهم الى أتون صراعات غير مجدية ومدمّرة في آن. وهذا ما نشهده اليوم في لبنان من خلال المماحكات والمقاربات السطحية العبثية لكامل الملفات سواء السياسية، أو الاقتصادية أو الاجتماعية وغيرها.
المفارقة، أنّ هناك شبه إقرار بخطورة هذه الظاهرة، ويكاد يكون توصيفها واحداً على لسان كلّ العاملين في الحقل العام. ولكن، عندما تُطرح الحلول أو الرؤى لتجاوز هذه اللوثة، تتكشف النيات الحقيقية، والسلوكيات الملتبسة، وتُطرح علامات استفهام جدية حول وجود إرادة حقيقية لتجاوزها.
الطائفية فاقمت تاريخياً أزمة لبنان، هويةً ونظاماً، وأدّت إلى فتن وحروب أهلية ما زلنا نشهد إلى اليوم تداعياتها على حاضر هذا الكيان السياسي الهش ومستقبله، ولعبة التوازنات الطائفية وصلت الى نقطة اللاعودة، وارتطمت كرتها بجدارٍ مقفل، لا بدّ من فتح كوّةٍ فيه كي نربح بعض الحاضر والمستقبل كلّه، إذا ما أدركنا خطورة الأوضاع التي نعيشها، والحالة المزرية التي وصلت اليها الأوضاع والتي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً يعرقل مسيرة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في كيانٍ سياسي يعاني أصلاً تشوّهاً بنيوياً منذ ولادته القيصرية عام 1920 على يد «القابلة» الفرنسية آنذاك…
لا خيار حقيقياً وجدياً وعميقاً يحقق تلمّس بدايات الحلول المنطقية خارج مبدأ «فصل الدين عن الدولة» وإلغاء الطائفية بمندرجاتها كلها في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والتربية.
فعلاً لا قولاً، هذا هو المخرج الوحيد لحلّ إشكالية «المأزق» المتمثّل في الربط بين المستوى الديني والمستوى الزمني على مستوى الدولة والسلطة خاصةً في مجتمعٍ يحتوي هذا الكمّ من تنوّع طائفي ومذهبي.
ولكن، الممارسة مع الأسف – تسير على خط معاكسٍ لخط «المأمول»، فالتجربة اللبنانية لم تؤسّس بعد لقيام هذا الأنموذج.
وبرغم أنّ العقل الإنساني ينمو بالتجربة والخبرة والمقاربة الذهنية للأحداث والوقائع ويستخلص العبر من الماضي، إلا أنّ قصوراً كبيراً يحول دون خروج «العقل اللبناني» بين هلالين أو بعضه على الأقلّ من دائرة الصدأ الذهني والتخلّف الفكري، والاهتداء إلى الطريق القويم في مسيرة بناء دولة نموذج، فإذ به يدفن ذاته في رمال الجهل والتخلف والفرضيات المدمّرة ويمارس خطيئة «الزنى» في فهمه طبيعة المجتمع الواحد الموحّد في دورة حياته الاقتصادية الاجتماعية الواحدة، ليس فقط في لبنان بل في البيئة القومية الطبيعية الكاملة التي يشكل لبنان نفسه جزءاً لا يتجزّأ منها تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً.
ثمّة تحديات آنية لا بدّ من مواجهتها بعقلٍ منفتح، بقراءة متأنية للظاهرات كافة، بوعي عميق لمندرجاتها وتشعّباتها ومخاطرها كافة، ولعلّ المدخل الحقيقي هو في تنكّب القوى النهضوية الحية دورها في تعزيز روابط الانتماء المواطني الصحيح، وتفعيل البرامج التربوية التي تبلور الانتماء للدولة والمجتمع، وفي محاربة الفساد وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة في مستوياتها المختلفة.
لا سبيل للانعتاق من ستاتيكو «الواقع الطائفي» المأزوم إلا من خلال ديناميات الفعل الثقافي النهضوي، حيث يرتسم أفق حلّ وحيد ينطلق من ضرورات تعزيز مفهوم المواطنة، وإطلاق حركة من الوعي الوطني والقومي والاجتماعي تساهم في تصحيح البوصلة والسير قدماً باتجاه المستقبل بثقة بالنفس عالية، وبالارتكاز إلى نظرة جديدة للإنسان والمجتمع.
فهل نربح الرهان ونتعلّم من أخطاء الماضي أم سنبقى نراوح في دائرة التخلف والرهانات الخائبة؟ سؤال برسم القوى الحية المؤمنة بوحدة المجتمع وقدرة الإنسان على اجتراح الحلول؟
عميد الثقافة والفنون الجميلة
في الحزب السوري القومي الاجتماعي