صرنا نشتهي الموت برصاصة يهوديّة !
الياس عشّي
لم يصل العرب، في أيّ يوم من تاريخهم المعاصر، إلى هذه الدرجة من السوء التي وصلوا إليها اليوم، بما في ذلك انتصارُ «إسرائيل» عليهم في حرب حزيران 67 واحتلالُها سيناءَ والجولان والضفّة الغربية، والقضاءُ على أحلام جيل عربيّ بكامله قضى عمره منتظراً لحظة الانتصار على العدوّ «الإسرائيلي».
صحيح أنّ الهزيمة الحزيرانيّة كانت هزيمة مخيفة ومرّة، وصحيح أنّها شكّلت منعطفاً خطيراً في تاريخ العرب الحديث، وصحيح أنّ العاصفة شلّعت الأغصان وزعزعت الكثير من الثوابت التي تربّى عليها جيل بكامله، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ ما من شجرة حنت رأسها، لأنّ الحرب كانت حرباً بين معتد ومعتدى عليه، بين عرب يسعون إلى استعادة فلسطين ويهود يسعون إلى إقامة دولة «إسرائيل» الممتدّة «من الفرات إلى النيل»، بل هي حرب صار الشهداء فيها علامة مضيئة لأنهم قتلوا برصاصة يهوديّة.
لأجل ذلك كلّه لم يستسلم أحد، ولم تُرفع راية بيضاء، بل أصرّ كثر على اعتبار ما حصل في الخامس من حزيران نكسة وليس هزيمة، وأنّ الخروج من مستنقع التردّد والإحباط والاستسلام هو واجب وطني وقومي، وأنّ «اللاءات» الثلاث «لا صلح، ولا اعتراف، ولا تفاوض» ستكون شعار المرحلة المقبلة في الصراع العربي – «الإسرائيلي». وما إن حلّ شهر تشرين الأول 1973 حتّى كان الجيشان السوري والمصري يعيدان الأمور إلى نصابها في انتصار تاريخي أدّى، في ما أدّى، إلى سقوط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وإلى خروج حزب العمل «الإسرائيلي» من الحكم.
اليوم ماذا يحصل في العالم العربي؟ من يحارب من؟ ومن يقتل من؟ من ليبيا، إلى مصر، إلى اليمن، إلى العراق، وانتهاءً بسورية، ليس أمام المقاتل العربي «إسرائيليّ» واحد ليخوض معه معركة مشرّفة يَقتل فيها أو يُقتل. بل العكس هو الصحيح، فالعالم كلّه مستنفر اليوم لحماية «إسرائيل»، والذود عنها وتأجيل زوالها خمسين عاماً على الأقل. وأنا على يقين من أنّ هذا التدمير غير المسبوق للحضارة السورية، ولبنيتها الثقافية والاقتصادية، ولوحدتها الجغرافية والديمغرافية، ولأطفالها، ولثرواتها الزراعية والنفطية، ولعملتها الوطنية، ولتعدّديتها، أقول: أنا على يقين من أنّ الإعداد لهذه «الفوضى الخلاّقة» كما يسمّونها بدأ فور انتهاء حرب تشرين، وقراءة الغرب لنتائجها، وتحديداً على يد كيسنجر.
وأوّل الغيث قطرة كما يقال، إذ قبل أن ينتهي المصريّون من الاحتفال بالنصر «استُدعيَ» أنور السادات إلى واشنطن، وأُمر بزيارة القدس، فكانت اتفاقيةُ كامب داڤيد، ثمّ أوسلو، ثمّ العربةُ. وكلّ ذلك في جوّ من الفوضى الخلاّقة التي ابتكرها كيسنجر فوقعت الحرب في لبنان، ووصلت «إسرائيل» إلى بيروت، ووقعت حرب الخليج، وسقطت بغداد، واغتيل الرئيس رفيق الحريري، وشنّت «إسرائيل»، في تموز عام 2006، حرباً أخرى على لبنان ، انتصرت فيها المقاومة الوطنية انتصاراً تاريخياً دفع العالم إلى الإسراع في تطبيق نظرية الفوضى الخلاّقة ، فكان «الربيعُ العربي»، وكانت الكذبةُ الكبرى، وكانت «الداعشية»، وكانت نومة أهل الكهف من جديد.