بوتين يدعم «الإسلام».. فهل يحشد هو أيضاً للانتخابات؟

روزانا رمّال

هو المرشح الروسي الأقوى على الإطلاق، حيث تكثر تقارير الحديث عن انسحابات لصالحه أو ظروف غامضة تطيح بخصومه، لكن بالمحصلة لا أحد لا يمكنه الوقوف بوجه «هالة» هذا الاسم في روسيا. كيف بالحال بعد الازمة السورية والدور الروسي في المنطقة الذي جعل منه رمزاً دولياً وبطلاً في مكافحة الإرهاب عبر إطلاق عملية بلاده العسكرية في سورية.

هذه العملية التي برزت تحت عنوان الحرب المقدسة ودعمتها الكنيسة الروسية، سمّاها خصوم روسيا الإقليميين الذين استهدفوا اللعب على الغرائز الدينية بـ«الحرب الصليبية» وأسست لبعض الحساسيات المتعلقة بالتطرف وبعض الاصطفافات الفئوية التي عمل على تعزيزها بعض الداخل وتعزيز حركات الإرهاب المتطرف الذي تكفل بتنفيذ أكثر من عملية تفجير إرهابية بين سان بطرسبرغ مسقط رأس الرئيس بوتين وغيرها على مدار سنوات. ولا تزال روسيا عرضة لهذه الموجات. وهذا كله يعود إلى معاناة روسية قديمة مع الإرهاب المتطرف جراء أزمات تمتد من الشيشان وأفغانستان ولا تنتهي بانهيار الاتحاد السوفياتي من عقود وسقوط العراق وليبيا حتى وصلت لسورية فقررت روسيا أخيراً التدخل لمنع تفاقم الأمور.

تنتهي ولاية الرئيس بوتين في 7 أيار المقبل من هذا العام 2018 والانتخابات التي سيخوضها الرئيس الروسي هي الرابعة ضمن تجربته الرئاسية كمرشح رئاسي وستسمح لبوتين من تولّي منصبه لولاية تمتدّ لمدة ست سنوات، حتى العام 2024.

الاستحقاق يقترب في كل يوم أكثر، وعلى الرغم من سطوة الرئيس الروسي كمرشح حديدي لا يضاهيه أحد، الا ان العمل على طمأنة كافة الاثنيات والأعراق والديانات التي تقطن روسيا سيكون الهم الأساسي في حملة الرئيس الانتخابية وعنايتها. ويبدو أن هذا قد بدأ فعلاً لتصحيح الكثير من الالتباسات التي عملت على تغذيتها الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية التي رفعت من مستوى حضور قوى التطرّف في روسيا، بدعم مالي وافر أدى في عام 2011 وحكي في ذلك الوقت عن دور أميركي سعودي متمثل بالأمير بندر بن سلطان.

إسقاط الحكم الروسي، وعلى الرغم من كل هذه الصلابة، كان ولا يزال هدفاً غربياً منشوداً. ولهذا السبب كان التدخل في الانتخابات الروسية منذ سنوات حاضراً وبقوة من قبل الأميركيين عبر تحريك المعارضة بوجه بوتين وحزبه الحاكم. وحينها حذر بوتين وزير خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون من مغبة العبث أكثر. وقال إنه لن يسكت على هذا التدخل أبداً.

ربما ظهرت منذ سنة مفاعيل هذا الكلام عبر التأثير الروسي المباشر بنتائج الانتخابات الأميركية والابتزاز الذي يخضع له الرئيس ترامب من قبل القيمين على أجهزة الأمن في المؤسسة الأميركية الذي حاز على وثائق عديدة تدين صهره جاريد كوشنير ودبلوماسيين أميركيين وروس بلقاءات ونيات تعاون هي اليوم واقعاً معيشاً أعيد هيكلة خطط ترامب بالكامل على أساسها، فكل ما وعد به خلال حملته الانتخابية لم يتمكّن من تنفيذه أو التناغم معه أكان اتهامه العلني لبلاده بإنشاء داعش، وصولاً إلى الاستهزاء بالسعودية وإدانته حرب اليمن ليبدو الحليف الأضخم للمملكة فجأة.

يتحسّب بوتين لكل شيء. وهو رجل الأمن اليقظ دائماً من مغبة وقوع مفاجآت. وهو يأخذ دائماً بجدية كل استحقاق انتخابي، لكن بالإمكان القول اليوم إن الروس يقبلون على ذلك هذه المرّة وهم ينتخبون رمزاً عالمياً لمكافحة الإرهاب هو الرئيس الذي أعاد لروسيا حضورها وجعلها تتقدّم على مكانة سائر منافسيها وشركائها من الدول العظمى فلا حلول بدون موسكو ولا ضمانات لحسم الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية، الأكثر مصيرية في المنطقة والعالم.

بالعودة الى اهتمام الرئيس الروسي بالواقع الإسلامي في بلاده، فإن ما تعرض له الإسلام من خضات وتحوير لمنطقه ليس قليلاً وروسيا إحدى اكثر الدول المتأثرة بكل الايديولوجيات المنبثقة عن الفكر الإسلامي منهجاً وتطبيقاًز لهذا السبب يدرك بوتين ان قتاله للإرهاب شكل بعض الحساسية لدى المسلمين المتشددين الذين تحاربهم القوى الأمنية الروسية، لكنه ربما يكون قد أرخى بعض اللغط في مساحات أخرى من تفسيرات وتقديرات إسلامية أبعد لهذا السبب تبرز التفاتة بوتين لدعم الإسلام المعتدل وتصويب مساره في أذهان الأكثرية المسلمة. كل هذا بعد ان اعلن انتهاء العملية العسكرية في سورية وهو بمثابة إعلان انتصار على التطرف الإسلامي والإرهاب.

يتعهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم بأن حكومته ستعمل على إحياء التعليم الديني الإسلامي في روسيا ويقول إن «الإسلام هو جزء لا يتجزأ من الثقافة الروسية».

تطرّق بوتين بذكاء شديد الى ما يُعرف «بالإسلام التقليدي»، معتبراً إياه جزءاً لا يتجزء من النظام الثقافي الروسي، فهو «مكوّن مهم للغاية لعناصر الشعب الروسي المتعدد العرقيات، ودعم التعليم الديني الإسلامي سيتمّ من خلال إقامة شراكات مع الجامعات والمراكز البحثية الرئيسية المدعومة من الدولة في روسيا «.

رجال الدين المسلمون الروس ايضاً كان لهم نصيب من كلمة بوتين ودعاهم لـ«لعب دور مباشر في مواجهة التطرف الديني»، معتبراً ان «تلك الأفكار المتطرفة حتى الهدامة منها، يمكن معالجتها بمساعدة أفكار آخرين»…

لا يناقش اثنان في روسيا أن بوتين هو سيد الساحات الانتخابية في كل مرة يترشح فيها، لكن وبالرغم من ذلك تبدو محاولة بوتين لتطمين المسلمين قبل الانتخابات أساسية فهو يجسد انتصاره الأقوى إذا حصل على أصوات المسلمين الروس بعد الحرب الضروس على التطرف.. هو ليس حشداً للانتخابات.. إنه إرساء التوازن وتصحيح الأولويات وتصويبها وهو تعبير عن احترام بوتين لفئة تحتاج لرفع صوت الاعتدال فيها عالياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى