مناهضة التطبيع… مقاومة واجبة
داليدا المولى
يفتح موضوع التطبيع مجدّداً في لبنان الإشكاليات الخلافية والأخلاقية الأساسية بين معسكرين لطالما شكلا طرفي نقيض في فهم الاجتماع السياسي وتعريف العمل الشعبي المقاوم. انسحب ذلك إلى بروز شبه خصومة في فهم الموقف من العلاقة مع كيان العدو، المباشرة وغير المباشرة، وتبرير مسؤولي بعض القوى السياسية اللبنانية صلتهم مع الاحتلال بالحاجة والضرورة لحماية ذاتية ومكاسب سياسية. وهذا ترك شرخاً اجتماعياً نتيجة الاصطفافات الشعبية غير المدركة لخطورة ما ينتج عن عدم اتخاذ موقف العداء الواضح والمباشر من «إسرائيل».
لم تفلح انتصارات العمل المقاوم وآلاف الشهداء والخسائر الاقتصادية والمادية الكارثية التي تحملها سورية الطبيعية عامة، ولبنان خاصة، في جعل العداء لكيان العدو مسلّمة لا يمكن التجاذب حولها. ولم تفلح المجازر التي خلفتها الآلة «الإسرائيلية» القاتلة في خلق وعي عامّ لعمق الكره والحقد الذي يختزنه هذا الكيان لأمتنا وللحضارة الإنسانية. هذا الجهل بالهوية والانتماء ومصالح المجتمع الواحد ومصيره الواحد وأهمية مقارعة الاحتلال في كلّ مكان كضرورة للحفاظ على حق أمتنا بالوجود، جعل من مسألة مركزية كالتطبيع مع العدو موضعاً للتجاذب بين مؤيّد ومعارض تحت حجج واهية تبدأ بالمناداة بحرية إبداء الرأي وتنتهي حكماً بالعمالة.
ما دار في الأيام الأخيرة حول الفيلم الأميركي The Post ومخرجه ستيفن سبيلبرغ الداعم لكيان العدو والمدرَج على قائمة المقاطعة منذ عام 2006 وأحقية منع الفيلم في لبنان وفق القانون، عاد ليضع مسألة التطبيع الثقافي والفني والاقتصادي والسياسي نصب أعيننا ولتشكل بعض الآراء السياسية رجوعاً إلى حقبة وضعت لبنان في مرمى الدمار «الإسرائيلي» المتحرّك، وكأننا في اجتياح ثقافي مماثل للاجتياحات العسكرية لا سيما عام 1982 حين حوصرت مدينة بيروت بموجب خطة وضعت بالتوافق بين وزير الحرب «الإسرائيلي» أرييل شارون وبشير الجميّل وتمّ تنفيذها في صيف العام نفسه، ورغم تبعات هذا الحصار وثبوت التعامل مع العدو يُصرّ أصحاب هذا التوجه على تعنّتهم.
إنّ التطبيع الثقافي والاقتصادي لا يقلّ خطورة عن الاجتياح العسكري، ودعم التطبيع والمطبّعين عن قصد لا يمكن أن يوصف إلا بالعمالة المقنعة. عام 1982 إثر اجتياح بيروت، حمل خالد علوان مسدّسه ضدّ أعداء وطنه وكانت عملية «الويمبي» في شارع الحمرا الشاهد على ما يمكن لبطل فعله. خالد المنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي معتنق فكر أنطون سعاده، أدرك عدوّه جيداً، وجاءت مقاومته بالفعل نتيجة سياق فكري سيادي تحرّري واضح، ولا يمكن فصل عمله عن الوعي القائم على الفهم الصحيح للمجتمع ولمصالحه. كما أنّ المقاومة ليست سلاحاً فقط، بل هي نتيجة وعي ثقافيّ وفكريّ لمصالح المجتمع وقواه. وهي تعبير عن تحرك الشعب في مواجهة العدوان فإنّ التطبيع هو أيضاً عدوان واجبة مقاومته. ولعلّ المعارك الفكرية – الثقافية أكثر تأثيراً في النسيج الاجتماعي العام من المعارك العسكرية المباشرة، وعبرها يمكن للعدو أن يدخل إلى عمق المجتمع بصور مختلفة ويجذب المزيد من الداعمين لـ«سلامه» المزعوم. خالد علوان شكل وعياً ثقافياً ترجمه في «الويمبي». وكلّ القوى الوطنية المطلوب منها الآن أن تكون خالداً في وجه الاعتداء الثقافي والفكري المباشر في مجتمعنا وأن تعمل على تعزيز ثقافة المقاومة في الثانويات والجامعات، وأن تتخذ موقفاً من المناهج الدراسية لتغدو مناهج مقاومة. وهذا يقتضي توحيد الخطاب لجهة التعامل مع هذه الإشكاليات الأخلاقية والثقافية والمرتبطة بالهوية لتكتمل معركة تحرير الأرض ومعركة تحرير العقل من موروثات تاريخية مريضة جعلت من بعض اللبنانيين، عن قصد أو غير قصد، داعمين للتطبيع ومخلفاته لا بل داعمين للعدو وإرهابه.
عميدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي