«نيويوركر»: بعد سنة على رئاسة ترامب… هل حقّق طموحه في شرق أوسط ممزّق؟
نشرت مجلة «نيويوركر» الأميركية تقريراً ذكر أنه، بينما أكمل ترامب عاماً في منصبه، فإن سياسته الخارجية الطموحة في المنطقة الأكثر تقلّباً في العالم تبدو ممزقة. وكان نائبه مايك بنس قد وصل إلى الشرق الأوسط بداية هذا الأسبوع في جولة من المقرّر أنّ تشمل مصر والأردن و«إسرائيل»، وسط غضب متزايد تجاه إدارة ترامب إزاء عدم التزاماتها بتعهداتها. وقد رفض عباس، الذي كرّس مسيرته السياسية في صنع السلام مع «إسرائيل»، مجرد رؤية نائب الرئيس الأميركي.
يذكر أنّ عملية السلام العربية ـ «الإسرائيلية»، التي تعدّ مبادرة الرئيس الأكثر قوّة، قد شهدت انتكاسة الشهر الماضي بعد أنّ اعترف ترامب بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وتعهّد بنقل السفارة الأميركية من «تل أبيب».
وقال عباس في خطاب استغرق ساعتين في الرابع عشر من كانون الثاني: اليوم هو اليوم الذي تنتهي فيه اتفاقات أوسلو. لن نقبل أن تكون الولايات المتحدة وسيط. ما وُعدنا بأن «صفقة القرن» تحوّل إلى «صفعة القرن».
ما هي أهداف ترامب في الشرق الأوسط؟
وفقاً لتقرير المجلة الأميركية، كان لدى ترامب أربعة أهداف في الشرق الأوسط عندما تولّى منصبه:
أولاً: تنشيط «عملية السلام».
ثانياً: إنهاء الحرب ضدّ «داعش»، التي أطلقها سلفه في عام 2014.
ثالثاً: الحدّ من نفوذ إيران في المنطقة، والحصول على تنازلات جديدة في شأن برنامجها النووي.
رابعاً: تعميق الدعم لنوع معين من الزعماء العرب، لا سيما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعائلة المالكة السعودية. وقال ترامب في كلمة ألقاها في الرياض، المحطة الأولى من جولته الخارجية الأولى كرئيس: «يجب أنّ نسعى إلى الشركاء، لا إلى الكمال».
بول سالم، نائب رئيس «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، وابن وزير خارجية لبناني سابق، منح ترامب تقييم «ج»، في أفضل الأحوال، في ما يخصّ تحقيق أهدافه بالمنطقة.
ونقل عنه التقرير قوله: في بعض المناطق تسير سياسته على ما يرام. الحرب على «داعش»، التي بدأت في عهد أوباما، هي نجاح كبير. ولكنها تسير بشكلٍ مخيف في بعض المناطق، بما في ذلك عملية السلام، والتي هي أسوأ بكثير.
وقال: «إنّ المشكلة الحقيقية هي أنه بعد سنة من تولّي مهام منصبه، ما زال من غير الواضح من الذي يدير، أو ما هو شكل الإدارة، من المسؤول؟ هل يتحدث تيلرسون باسم الحكومة الأميركية؟ أم كوشنر؟ وما زال هناك كثيرون من الناس في الشرق الأوسط مرتبكين. ويضاف إلى ذلك أنّ الرئيس زئبقي، ولا يمكن التنبؤ بما سيفعله. قد يكون له موقف يوم الاثنين وآخر يوم الثلاثاء. وهذا يجعل الناس في المنطقة يتساءلون. على الأقل مع بوتين، أنت تعرف من تتعامل معه. ما يقوله يوم الاثنين هو ما يلتزم به يوم الجمعة».
لا تقتصر الأسئلة على الشرق الأوسط فقد أظهر استطلاع للرأي ـ أجرته مؤسسة «غالوب» مؤخراً ـ أنّ الرفض العالمي للقيادة الأميركية قد سجّل رقماً قياسياً في عام 2017. ومن المفارقات أن أعلى نسبة من عدم الموافقة على إدارة ترامب هي 83 في المئة كانت في النرويج، وهو بلد ذكره ترامب هذا الشهر بأنه مصدر مفضل لديه لاستقبال المهاجرين.
غضب دوليّ
كما أنّ ردّ الفعل على قرار القدس يمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط. وفي الشهر الماضي اضطرت الولايات المتحدة إلى ممارسة «حق الفيتو» في مجلس الأمن الدولي لعرقلة قرار يطالب البيت الأبيض بإلغاء قراره. وأيد الأعضاء الأربعة عشر الآخرون القرار. وبعد بضعة أيام، ندّدت الجمعية العامة للأمم المتحدة من جميع الدول الأعضاء بأغلبية ساحقة بقرار ترامب.
وكان مجموع الدول التي صوتت لصالح القرار 128 دولةً بما في ذلك جميع الحلفاء الرئيسين للولايات المتحدة، باستثناء «إسرائيل»، في مقابل تسعة أصوات فقط ضدّه، من قبل اللاعبين الدوليين الهامشين، مثل ميكرونيزيا وناورو وبالاو وتوغو.
فيما امتنعت 35 دولةً، غالبيتهم من المتلقين للمعونة الأميركية، عن التصويت، بعد أنّ هدّدت الإدارة بحجب الدعم المالي للبلدان التي صوتت لصالح القرار.
وقال ترامب: «كل هذه الدول، تأخذ مئات الملايين من الدولارات، وحتى مليارات الدولارات، ثم يصوتون ضدنا! حسناً، نحن نراقب تلك الأصوات. دعهم يصوتون ضدنا، سنوفّر الكثير، نحن لا نهتم».
رأى التقرير أنه يحسب لإدارة ترامب إدارة المرحلة النهائية من الحرب ضدّ «داعش»، لكن الأمر يبدو الآن أنه ستكون هناك مشاركة عسكرية أميركية مفتوحة في سورية. وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أنها تعتزم إبقاء نحو ألفَي جندى في سورية لملاحقة بقايا تنظيم «داعش» لضمان الاستقرار في البلاد التي مزّقتها الحرب، والمساعدة في عملية الانتقال السياسي.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية للصحافيين: «داعش» لا يزال موجوداً، إنّ الحملة العسكرية ضدّ ما يسمّى بالخلافة في وادي الفرات لم تنته بعد. هناك قتال عنيف. إن بعض المقاتلين يعيدون التجمّع الآن، وقام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ب53 غارة جويّة في سورية الأسبوع الفائت. إنهم لا زالوا قادرين على عرقلة أيّ محاولات لتحقيق الاستقرار والتحوّل السياسي والانتقال في سورية. إن الهزيمة المستمرة لهذا الوجود الخبيث شرط مطلق في سورية، كما هو الحال في العراق، من أجل إحراز أي تقدّم في المستقبل.
ولا زالت محادثات السلام بين حكومة الأسد و«المعارضة» في طريق مسدود بعد سبع سنوات من اندلاع الحرب على سورية. واشنطن لديها مدخلات دبلوماسية محدودة في شأن قضية تهيمن عليها روسيا وإيران. فـ«المعارضة» المدعومة من الولايات المتحدة تعاني، وغير مؤهلة سياسياً.
الحدّ من نفوذ إيران
وفي ما يتعلّق بإيران، فقد ذكر التقرير أنّ خطاب ترامب المناهض لطهران قد عرض للخطر أهم اتفاق يحد من انتشار الأسلحة النووية خلال ربع قرن. كما أدّى اتفاق عام 2015 مع القوى الكبرى الستّ في العالم إلى تخفيف حدّة التوتّر بين إيران الثورية والمجتمع الدولي.
قرار الرئيس من جانب واحد بعدم التخلي عن العقوبات المفروضة على إيران، كما وعد في الصفقة، لا يتوافق مع وجهة النظر التي تتبناها بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا.
وكان مسؤولون أوروبيون قد ذكروا أن جهود ترامب الرامية إلى خنق اتفاق إيران تقوض العلاقات عبر الأطلسي في قلب الأمن الأميركي.
وقالت رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني: «إن الاتفاق ماضٍ، وقد صدقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عليه تسع مرات بالفعل، وهو أمر حاسم بالنسبة لأمن أوروبا والعال».
ويخشى مسؤولون أوروبيون آخرون من أن استراتيجية ترامب المنفردة حول الأسلحة النووية، ستعرض معاهدة عدم انتشار الأسلحة للخطر، والتي كانت أساس كل الجهود لاحتواء الأسلحة النووية.
احتضان الحلفاء المستبدين
كما أثار اختيار ترامب للحلفاء العرب ـ الذين يميلون إلى أن يكونوا حكّاماً استبداديين ـ قلق خبراء الشرق الأوسط ومجموعات حقوق الإنسان، بحسب ما أورده التقرير.
وقد أشار تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» عن مصر، والذي نشر في أيلول، إلى تبنّي النظام لممارسات تعذيب ممنهجة.
في الأسبوع الماضي قالت المنظمة الحقوقية: إن حكومة السيسي «اختارت إنهاء العام من خلال تنفيذ عمليات الإعدام في أعقاب محاكمات غير عادلة».
بعد أن فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، كان السيسي أول زعيم دولي يتصل بالمرشح، ومن ثم مقابلته على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، قبل شهرين من الانتخابات.
وفي الوقت نفسه، لاحظ التقرير أنه يجري تجاهل حلفاء آخرين، مثل تونس، التي تمر بمرحلة انتقالية سياسية هشّة. وقد اجتاحت الاحتجاجات أكثر من 20 مدينة في تونس هذا الشهر بسبب ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية والخدمات والضرائب الجديدة على المكالمات الهاتفية، واستخدام الانترنت والفنادق والواردات الكبيرة، مثل السيارات.
منذ عام 2011، وهو العام الذي اندلع فيه الربيع العربي، عندما أحرق شاب تونسي نفسه احتجاجاً على الفساد والفقر والظلم، ارتفعت أسعار المواد الغذائية سنوياً بنسبة تصل إلى 8 في المئة.
وقد بدأت تونس أيضاً في تقليص وظائف القطاع العام ـ في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة البطالة بالفعل 15 في المئة و30 في المئة بين الشباب، بمن فيهم خريجو الجامعات. خلال التظاهرات التي استمرت أسبوعاً، شهدت تونس ولادة حركة احتجاج جديدة دشّنت باسمها وسماً عبر «تويتر» بعنوان «FechـNestannew» أي بمعنى «ماذا ننتظر»، وقد رسمت هذه العبارة على الجدران العامة، والأسوار في جميع أنحاء البلاد، وانطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال التقرير: إنّ الصعوبات الاقتصادية في تونس تنعكس في بلدان أخرى، من المغرب ومصر إلى اليمن ولبنان. فالبلدان التي تحاول إدخال إصلاحات ـ لتحديث الاقتصادات وجذب المستثمرين الأجانب أو المقرضين ـ تواجه غضباً متزايداً من الدوائر الانتخابية التي تتوقّع المزيد بعد الانتفاضات العربية.
واختتم التقرير بقوله: إنّه وبعد السنة الأولى لرئاسته، فإن عقيدة ترامب تواجه تحديات أكثر ضخامة في الشرق الأوسط مما كانت عليه عندما أدّى اليمين الدستورية.