سوتشي يبدأ أعماله غداً: الغائبون يواجهون مسار عودة الدولة السورية عسكرياً وسياسياً مساعي التهدئة بين بعبدا وعين التينة تستقطب قوى جديدة وتستنهض الحريصين وتغضب المتطرفين
كتب المحرّر السياسي
بدا التقارب الأوروبي من المقاربة الأميركية للحلّ في سورية وفقاً لورقة الخمسة التي تقودها واشنطن وتشاركتها مع باريس ولندن والرياض وعمّان، مقايضة قام بها قادة أوروبا بتقديم التغطية لتعطيل الحلّ في سورية وتغطية الاحتلال الأميركي لأجزاء من الأرض السورية، مقابل قبول أميركي بالتخلي عن خطاب إلغاء الاتفاق النووي أو ربط القبول به بتعديلات جوهرية عليه، بالالتزام بقبول بديل يتمثل بتفاهم أميركي أوروبي على متابعة مشتركة لتطبيق الاتفاق النووي بالتزامن مع صياغة تفاهم حول الضغط على إيران لتقييد برنامجها الصاروخي البالستي كترجمة لمفهوم تقليص مقدرات إيران ونفوذها الإقليمي. وخرجت اجتماعات بروكسيل التي ضمّت وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع نظرائه الأوروبيين والأطلسيين بمواقف تمهّد الطريق لمثل هذا التموضع الجديد للتفاهم الأميركي الأوروبي.
بالتوازي تنطلق غداً أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي الروسية بمشاركة أممية ودولية وإقليمية وحضور مندوبين لجماعات سورية سياسية واجتماعية، بعد تشكيك غربي معلن بجدوى المؤتمر وقدرة روسيا على قيادة العملية السياسية، ومقاطعة مبرمجة لجماعات المعارضة التابعة للعواصم الغربية والخليجية، بينما بقي الموقف التركي غامضاً بغياب مواقف قيادات معارضة محسوبة على أنقرة تحدّد خيارها بين المشاركين والمقاطعين بانتظار ما سيظهره حضور المؤتمر على هذا الصعيد.
المؤتمر، وفقاً لمصادر روسية دبلوماسية، ليس استعراض قوة ولا عملية انتخابية لا يحتاجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انتخاباته الرئاسية، كما تزعم بعض المواقف الغربية، ولا مجرد احتفالية بالانتصارات الروسية العسكرية في سورية، بل هو محطة هامة لإطلاق معادلة الانتقال من التمهيد الأمني لعزل دعاة بناء دولة سورية من موالين ومعارضين عن الإرهاب ومشاريع التقسيم، وهذه المهمة كانت منوطة بصيغة أستانة وقد حققت أهدافها بتوفير مناخات الانتصار على داعش، وما بعد هذا الانتصار صار المطلوب استكشاف ما هي القوى التي ستستثمر هذا النصر لصالح مشروع استعادة وحدة الجغرافيا السورية ضمن دولة ذات سيادة، وفقاً لدستور جديد ينتجه حوار سوري سوري ويتوّج بانتخابات تحدّد مَن يملأ المناصب والمسؤوليات في الدولة السورية بعيداً عن أيّ تدخل خارجي؟ ومَن يريد توظيف النصر لتقاسم نفوذ خارجي يستتبع عملاء له في الداخل السوري يرتضون تقسيم بلدهم وتفتيت وحدته والتنازل عن سيادته، لقاء فتات المشاركة في لعبة إدارة مناطق النفوذ، وهذا الهدف يبدو في مرحلته الأولى قيد التحقق بفرز القوى على هذا الأساس لتنطلق من خلال هذا الفرز مرحلة تحديد الحاجة لجولات عسكرية تستهدف منع مشاريع التقسيم أم اعتبار العملية السياسية كفيلة بتحقيق هذا الهدف، بعد نهاية الحرب على الإرهاب، الذي بقيت منه حلقة هامة في شمال سورية والغوطة حيث جبهة النصرة ومَن معها يقتطعون بعض الجغرافيا السورية تحت سيطرتهم، ومع نهاية هذه المرحلة سيتبيّن من مسار سوتشي ومن يستقطبهم من حريصين على الحلّ السلمي لإسقاط التقسيم وتوحيد الجغرافيا السورية في ظلّ دولة وطنية سيدة، وما إذا كان إخراج الوجود الأجنبي وإسقاط التقسيم يستدعيان مواجهات عسكرية جديدة؟
وقالت المصادر إنّ روسيا التي وقفت في كلّ جولة من الحرب التي تخوضها الدولة السورية على الإرهاب بكلّ قواها لدعم الجيش السوري وحلفائه لم تتأخر عن التقاط كلّ فرصة لتجنّب جولات عسكرية عندما كان يبدو الأفق مفتوحاً لانضمام قوى متورّطة في الحرب لمسار أستانة، والشيء نفسه سيحدث مع سوتشي، فلن تتردّد روسيا بتقديم كلّ الدعم اللازم للدولة السورية لاستعادة جغرافيتها الموحّدة بالقوة من مغتصبيها الانفصاليين أو الأجانب، لكنها لن توفر كلّ فرصة ممكنة لفتح الباب لمن يرغبون بالانضمام للمسيرة السياسية لعودة الدولة السورية الموحّدة والسيدة، وهذا ما سيكون مسار سوتشي فيه موازياً لمسار أستانة، ولكن من موقع المتقدّم عليه كمحور رئيسي للعملية السياسية.
لبنانياً، تصاعدت الأصوات الساعية لتهدئة العلاقة بين بعبدا وعين التينة، وتحرّك المزيد من القيادات على خط تثبيت هدوء إعلامي وسياسي تجاوب معه رئيسا الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، وخرجت أصوات حريصة على رأب الصدع تصدّرها موقف الوزير السابق الياس أبو صعب الذي أطلق جملة مواقف لاقت ترحيباً وتشجيعاً من كلّ المخلصين لعلاقة طيبة بين الرئاستين وعرّضته لسهام المتطرفين، لكنها أسّست لتهدئة، فاتحة المجال للمزيد من المساعي التي تصدّرها النائب وليد جنبلاط وما نجح في وضع أسسه لتحرك سيتولاه رئيس الحكومة سعد الحريري، كما أكدت مصادر مطلعة لـ «البناء».
جنبلاط يستغلّ «الهدنة» لإحياء مبادرة بري
لم تنعكس الظروف المناخية الباردة على حماوة المشهد الداخلي الذي شهد حركة سياسية وانتخابية لافتة في عطلة نهاية الأسبوع كان نجمها رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، حيث تنقل بين عين التينة وبيت الوسط لإعادة إحياء مبادرة رئيس المجلس النيابي بشأن أزمة مرسوم الأقدمية مستغلاً فرصة الهدنة الإعلامية التي تمكن الوسطاء من إرسائها مساء السبت على محور «العين» بعبدا والرابية.
وبعد لقائه الرئيس نبيه بري أمس الأول، زار النائب جنبلاط ليل أمس، رئيس الحكومة سعد الحريري في بيت الوسط، وأشارت معلومات «البناء» الى «أن اللقاء الذي استمرّ ثلاثة أرباع الساعة كان إيجابياً وتطرّق الى الملف الانتخابي واستكمل خلاله الطرفان المشاورات القائمة بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل لبحث آفاق التحالف بينهما، كما تطرّق الى ملف الأقدمية، حيث تمنّى جنبلاط على الحريري تكثيف جهوده وإعادة الاقتراح الذي نقله النائب وائل أبو فاعور الى التداول والعمل مع رئيس الجمهورية لإنهاء الخلاف وقد وعد رئيس الحكومة رئيس الاشتراكي، بحسب المصادر أن يستكمل مساعيه مع الرئيس ميشال عون. ولم تستبعد مصادر لـ «البناء» أن «يزور الحريري بعبدا للقاء الرئيس عون في نهاية الأسبوع الحالي لاطلاعه على الاقتراح أو على هامش جلسة مجلس الوزراء في حال عُقدت في بعبدا». وقد شرح جنبلاط للحريري خلال اللقاء «أخطار تجاوز اتفاق الطائف الذي لا يزال يشكل شبكة الأمان للبنان والاستقرار السياسي الداخلي والتوازن والمشاركة في السلطة، وقد حرص الطرفان على التمسك بالدستور والقانون».
ولفتت المصادر الى أن «الخلاف بين الرئيسين عون وبري سياسي وأي حلّ سيتمّ بالحوار والتوافق بين الرؤساء الثلاثة»، وأوضحت أن العلاقة بين رئيسي المجلس والحكومة جيدة وعميقة واستراتيجية ولن تتأثر رغم الخلاف المستجدّ حيال المرسوم».
وأشار الحريري في تصريح بعد اللقاء إلى أن «مرسوم أقدمية ضباط دورة 1994 شكّل أزمة، ولكن هناك أزمات أهم بكثير. ونأمل أن تهدأ الامور لنعمل هذا الاسبوع على حل الأزمة». وأضاف: «إذا كان مرسوم الأقدميّة يحكم البلد، فهذه مشكلة. وأنا أعمل لتسوية سياسيّة الا أنني لا أملك الحل، ولكن آمل أن أصل إليه». ورد الحريري على كلام بري بالقول: «بيمون وما بتعرفو يمكن زورو والهدوء السبيل الوحيد للحلّ».
وكان جنبلاط قد أشار من عين التينة بعد لقائه بري الى أنّ «لا أزمة بين بعبدا وعين التينة، لكن بري ركن أساسي من اتفاق الطائف وعلى الغير تذكّر اتفاق الطائف والتفكير في تطويره لا إلغائه». وكشف جنبلاط أن «التحالفات مع بري محسومة، لكن مع الغير غير مسحومة، أي مع التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل وحزب الكتائب اللبنانية والحزب الديمقراطي وحزب الأحرار والجماعة الإسلامية».
رئيس المجلس: الحريري تراجع ولن ألتقيه
وقد استبق الرئيس بري زيارة جنبلاط لرئيس الحكومة بإطلاق صلية من الرسائل النارية باتجاه بيت الوسط، ولفت رئيس المجلس، بحسب ما نقل عنه زواره الى «أنه ما من داعٍ للقاء الحريري لان أخباره تصلني وأخباري تصله. وهو كان وعد بقطع يده قبل التوقيع على مرسوم الأقدمية ثم تراجع». مشيراً إلى أن «العلاقة مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري عادية والرسائل كثيرة بيننا عبر وزير المال علي حسن خليل وغيره».
وأعلن بري الالتزام بوقف إطلاق النار الإعلامي مع التيار الوطني الحر، وأوضح «أنني لم ادعُ إلى مقاطعة مؤتمر المغتربين في ابيدجان ، لكن الجالية اللبنانية هناك تتأثر بالمناخ السياسي في البلد، كما لم أقاطع يوماً قداس عيد مارون، ولكن لا يمكنني أن أجزم بحضوره هذا العام لأسباب أمنيّة». كما جدّد بري التأكيد «أننا وحزب الله في مركب انتخابي واحد في الدوائر كلها»، كاشفاً أننا والحزب «اتفقنا على توزيع كل المقاعد الشيعية وبقي مقعد جبيل – كسروان وأننا سنترك المقعد الدرزي في بيروت شاغراً».
رسائل إيجابية من بعبدا إلى عين التينة
وكانت وتيرة السجالات السياسية والإعلامية بين حركة أمل والتيار الوطني الحر قد تصاعدت خلال الفرصة الأسبوعية وانسحبت الى مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن تفرض الهدنة نفسها على الطرفين، غير أن مصادر الطرفين توقعت أن ترتفع وتيرة السجالات أكثر كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية في حال سُدّت أبواب الحل في موضوع مرسوم الأقدمية.
وقد أطلقت بعبدا رسائل إيجابية باتجاه عين التينة، وقد أدّت الاتصالات التي جرت بعيداً عن الأضواء الى الاتفاق على هدنة إعلامية بين طرفَيْ الخلاف في محاولة لتهيئة المناخ الإعلامي والسياسي إفساحاً بالمجال أمام فرص الحلول، ولفت مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق الياس بو صعب لرسائل إيجابية باتجاه عين التينة الى «أننا على خلاف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في ما يتعلق بملف مرسوم الأقدمية، ولكن هذا لا يعني أن يعالج الموضوع بهذه الطريقة على محطتي الـ أو تي في والـ أن بي أن». ودعا «كل مناصري حركة امل والتيار الوطني الحر لوقف الجدل القائم على مواقع التواصل الاجتماعي»، كاشفاً أنه «تمّ الاتفاق في المجلس السياسي للتيار بأن يتم التنسيق بين وسائل الإعلام التابعة والقريبة من التيار الوطني الحر، لتصبّ في إطار الهدف الذي يعمل التيار على تحقيقه».
وأكد أن «لا قرار من التيار الوطني الحر أو رئيسه لإجراء تقارير تلفزيونية تهاجم رئيس مجلس النواب نبيه بري»، معتبراً أن «الذي يمثلني هو ما يصدر عن رئيس الجمهورية ولا مصادر في قصر بعبدا».
وأوضح بو صعب «أن موقف الرئيس عون لم يكن هناك لزوم للخلاف على مرسوم الأقدمية وكل المراسيم التي صدرت في هذا الإطار لم تحصل خارج المألوف، وكلها لم تكن موقعة من وزير المال»، وكشف أن ملف استحقاق رئاسة المجلس لم يبحث لا في الصالونات ولا في الاجتماعات الرسمية للتيار، مشيراً الى أن «الرئيس بري هو الأقوى تمثيلاً لدى الطائف الشيعية ولا يمكن أن يأتي مرشح بديل عنه رئيساً للمجلس النيابي».
وقد تحوّلت مسألة الناجحين في مجلس الخدمة المدنية قضية سياسية في ظل السجال المتصاعد والخلاف بين عين التينة والمختارة والرابية حول كيفية تطبيق اتفاق الطائف، حيث نفّذ الناجحون اعتصاماً أمس على مفرق القصر الجمهوري في بعبدا، لمطالبة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتدخل لإصدار مراسيم تعيينهم، وسط إجراءات أمنية مشددة من القوى الأمنية، وقد حملوا لافتات طالبوا فيها رئيس الجمهورية «بَيْ الكل» بإنصافهم وهو «راعي الدستور».
المشنوق: لوائح «التيار» مكتملة
انتخابياً أيضاً، أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق «أن لوائح تيار المستقبل ستكون مكتملة في كل لبنان، ولن نسمح ولن يسمح جمهور الشهيد رفيق الحريري لفائض الغلبة في الترشيحات أن يصل إلى مبتغاه»، وجدّد التأكيد على أن «سياسة ربط النزاع، غير الشعبية، هي موقتة، والتسوية لا يُقدم عليها إلا الشجعان، وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري، الذي لا يستطيع ولا يرغب في أن يتخلى عن حق أي منا»، مضيفاً «لكن أقول بكل صراحة وعزم، أن لا شرعية لسلاح حزب الله إلا من ضمن استراتيجية دفاعية وطنية تديرها الدولة وعنوانها الوحيد استعمال السلاح بمواجهة العدو الإسرائيلي».
حزب الله: سنعمل لإفشال مشاريع السعودية المشبوهة
في غضون ذلك، وفي ظل الحديث عن تشكيل غرفة عمليات أميركية سعودية في لبنان بالتعاون مع جهات داخلية لمتابعة الاستحقاق الانتخابي، علمت «البناء» أن «هذه الغرفة بدأت بالتدخل في الترشيحات والتحالفات وتجميع فريق 14 آذار في حلف انتخابي واحد لمواجهة تحالف فريق المقاومة والحؤول دون حصده ثلث أعضاء المجلس أو الأكثرية النيابية مع التيار الوطني الحر»، لكن تحقيق هذا الهدف يواجه صعوبة كبيرة بحسب مصادر، «بسبب التباينات العميقة والمصالحة الانتخابية المتباعدة بين أركان الفريق «الآذاري» لا سيما بعد أزمة احتجاز الرئيس سعد الاخيرة».
وأكد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين أن «استحداث الإعلام الخليجي والغربي غرفة عمليات مشتركة لإضعاف المقاومة في الانتخابات هو استباق للأحداث من أجل إخافة اللبنانيين والقول إن ما ينتظرهم هو أن يأخذ حزب الله وحلفاؤه الأكثرية في المجلس النيابي، مع أن هذا غير محسوم في ظل القانون النسبي الجديد، ليحرّضوا على هذه القاعدة ضد حزب الله، بهدف ضعضعة البنية التي ترتكز إليها المقاومة وهزّ التحالف الذي أوجدته على المستوى العام بفعل صدقها وإخلاصها وتضحياتها».
وشدد على متانة الحلف الذي يربط حزب الله بالإخوة في حركة أمل، لافتاً إلى أن «هذا التحالف ليس تحالفاً مذهبياً أو انتخابياً عابراً، إنما تحالف قائم على رؤية وانتماء على مستوى المقاومة والأولويات السياسية».