شرف الدين: نعمل لإنشاء بنية تنظيمية متطورة ومحصّنة تجاه المخاطر المحدقة
حاضر النائب الأول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين عن «مصرف لبنان المركزي ودوره الاجتماعي» بدعوة من المركز الإسلامي ـ عائشة بكار.
وتناول شرف الدين النظام المالي في العصور الإسلامية الأولى، الذي ساد في منطقة المشرق وشمال إفريقيا، لافتا الى أنه «من أكثر الأنظمة استقلالا وأنبلها غاية».
وأشار إلى «أنّ البعد الاجتماع للسياسات النقدية والمالية في منطقتنا له جذور حضارية متأصلة ومتقدمة في التاريخ الإنساني، ينبغي الاقتداء بها وعصرنتها في سياق تحقيق مشروع نهضوي شامل ومواجهة التحديات الراهنة».
وتطرق إلى «مكامن السياسة النقدية لمصرف لبنان بشكل خاص، بما تكتنفه من رؤى ومبادرات اجتماعية اقتصادية، في ظل التحولات الجارية عالميا والأزمات المحتدمة إقليمياً».
وقال: «إذا كان مصرف لبنان قد شكل عنواناً مؤسساتياً للاستقرار والحصانة من خلال سياساته وكفاءة إدارته وجهود موارده البشرية، فإنّ الفضل لهذا الدور يعود إلى التصدي للتحديات والالتزام بالثوابت، وذلك على مستويين اثنين: المستوى الأول هو إلهام كل مواطن لبناني، مهما كان انتماؤه، الثقة والاطمئنان والتفاؤل بمستقبل اقتصاده وطاقات وطنه الكامنة، بالرغم من كل ما يحيط به من أزمات متعددة المصادر. أما المستوى الثاني، فهو بث روح الريادة في التجربةاللبنانية على الصعيدين العربي والدولي، لا سيما المالية والمصرفية منها، بحيث أضحت سياسة مصرف لبنان النقدية نموذجاً سباقاً ومثالاً يحتذى به في المحافل المالية الدولية والمصارف المركزية العالمية. وكلا المستويين المذكورين يكتسب أهمية استراتيجية في مسيرة النهوض بالدولة ومؤسساتها، وتحقيق النمو والتنمية الاقتصاديين والاستقرار الاجتماع. فلا نهوض دون ثقة المواطن بوجود المقومات الأساسية لهذا النهوض، ولا نمو وتنمية دون إعادة إطلاق الإشعاع اللبناني الريادي في المشرق باتجاه الآفاق العالمية الرحبة».
أضاف: «أثبت مصرف لبنان امتلاكه للرؤية والمثابرة بالرغم من الظروف الصعبة التي تواجه الوطن والأزمات المالية العالمية وتبعاتها. وهذا النهج نابع من قناعة جذرية أن الأزمات، إذا أحسن التعامل معها، يمكن أن تشكل المناسبات الأكثر أهمية لإطلاق المبادرات، وحتى أن تكون فرصا لإنجازات مستقبلية. لقد بنيت هذه الرؤية على أساس العلاقة التكاملية بين النمو والتنمية الاقتصاديين من جهة، والاستقرار والأمن المجتمع من جهة أخرى. وقد أثبتت عناصر هذا النهج يوما بعد آخر جدواها وفعاليتها ونجاحها من خلال المقاربات التي سيلي ذكرها. في مواجهة استفحال الأزمات المالية وتبعاتها، برزت في المقابل دوافع عالمية نحو تفعيل دور غير تقليدي في السياسة النقدية للمصارف المركزية، بالإضافة إلى السياسات التقليدية، تكون بمثابة عامل رديف للمالية العامة، وتصبو إلى تعزيز النمو والتنمية».
وشرح الشقين التنفيذي والتنظيمي لسياسة مصرف لبنان النقدية معدداً أهم الإنجازات النقدية التي قام بها وهي:
« الحفاظ على استقرار سعر الصرف حيال المخاطر السيادية ضمن هوامش مناسبة، منذ العام 1999 1,501 – 1,514 ل.ل. للدولار الواحد
ـ الحفاظ على استقرار الأسعار والسيطرة على التضخم ضمن إطار الهدف المنشود وهوأربعة بالمئة.
ـ تعزيز موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية التي بلغت مستويات قياسية تعدّت الى 42,5 مليار دولار بتاريخ 15 كانون الثاني الجاري، يضاف إليها مخزونه الوفير من احتياطالذهب الذي يشكّل صماّم أمان إضافي للاقتصاد ويأتي في المرتبة الثانية عربيا والثامنة عشر دولياً.
ـ إدارة السيولة التي حققت فائضاً بلغ حوالي 20 مليار دولار من خلال إصدار شهادات الإيداع وتشجيع التسليف بالليرة اللبنانية للمشاريع الانتاجية والسكنية والبيئية والتعليمية، بما يجنب البلاد مخاطر التضخم.
ـ المحافظة على الاستقرار النسب لمعدلات الفوائد ضمن مستويات مريحة للأسواق ومناسبة لتصنيف لبنان.
ـ المحافظة على الثقة الائتمانية للبنان من خلال الحرص على ملاءة الدولة ومصداقيتها في تسديد التزاماتها عبر تأمين حاجات الدولة التمويلية.
ـ إدارة الدين العام للدولة اللبنانية بشكل مجد وفعال بهدف خفض كلفة المديونية. في هذا الإطار، انخفضت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل جذري من 180 بالمئة في العام 2006 إلى حوالي 137 بالمئة في العام 2011 لتعود وترتفع إلى حوالي 147 بالمئة بسبب التباطؤ الحاصل في النمو الاقتصادي خلال الأعوام الستة الماضية».
وتابع شرف الدين: «اتجهت سياسة مصرف لبنان خلال العقدين الماضيين نحو توفير المناخ المناسب لإطلاق آليات تحصين الأمن الاجتماعي الاقتصادي بهدف توفير التمويل للحاجات الاجتماعية المعيشية للمواطن اللبناني عبر المصارف من جهة، وتمويل المكونات الاقتصادية للقطاع الخاص وإعادة تكوين الطبقة الوسطى من جهة ثانية، وتشجيع المشاريع الصديقة للبيئة منجهة ثالثة. في هذا المجال، أطلق مصرف لبنان العديد من المبادرات والتحفيزات المصرفية في مجال التسليف إلى القطاع الخاص، الذي يعتبر بمثابة المحرك الأساسي في عملية تحفيز الاستثمار والمبادرة بمشاريع جديدة وخلق فرص العمل الأكثر تخصُّصاً وكفاءة».
وتناول مبادرات المصرف المركزي لتحفيز المصارف الخاصة من أجل الانخراط في برامج تسليفية تجاه القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، «وهؤلاء هم بمثابة المحرك الأساسي في عملية تحفيز الاستثمار والمبادرة بمشاريع جديدة وخلق فرص العمل الأكثر تخصصا وكفاءة».
وأوضح أنّ «مصرف لبنان انكب على إنشاء بنية تنظيمية متطورة ومحصنة تجاه المخاطر المحدقة بالقطاع المالي المصرفي، إدراكاً منه أنّ هذه البنية التنظيمية ضرورية لحماية الأمن الاجتماع، نظراً للدور الحيوي الذي يلعبه القطاع المالي المصرفي في توفير الحاجات الاجتماعية الاقتصادية وتحريك الدورة الاقتصادية»، معدداً مبادرات المصرف في هذا الإطار.
كذلك عدّد إجراءات المركزي لمواجهة المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد سلامة النظام المالي المصرفي.
وقال: «في ظلّ عدم الاستقرار السياسي والأمن الذي ساد خلال السنوات السابقة وضعف الطلب الخارج على الاقتصاد اللبناني، تهدف البرامج التحفيزية إلى إعادة تكوين الطبقة الوسطى وتحسين مستوى المعيشة لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين».
أضاف: «وفي إطار تحصين الأمن الاقتصادي، لم يغب بعد التنمية البشرية ومراكمة الرأسمال البشريعن رؤية مصرف لبنان ومشاريعه، باتجاه إطلاق نهضة تنموية ونقل الاقتصاد إلى اقتصاد إنتاج مبين على المعرفة، خاصة أنّ إحدى أهم ميزات لبنان التفاضلية هي موارده البشرية وطاقاته العلمية. لذلك قام مصرف لبنان بإطلاق مبادرتين تقضيان بإنشاء مخيمات الإعداد والتحفيزboot camps لتشجيع الطلاب أصحاب الأفكار الخلاقة بغية تطويرها إلى مشاريع عملية. هذابالإضافة إلى فرص التدريب التي يتيحها مصرف لبنان للطلاب الجامعيين، والمنشورات التي يصدرها لنشر الثقافة المالية في أوساط المواطنين، والأوراق البحثية وورش العمل المنشورة على الصفحة الإلكترونية لمصرف لبنان».