المبيّض: الشهادة أثمن قيمة عرفها التاريخ… وثمن الأوطان باهظ
رانيا مشوّح
«أعشق عمري لأنّي إذا متّ أخجل من دمع أمّي»، قالها درويش، فأثار هشاشة قلوبنا ودمع عيوننا، لكنه لم يكن على علم أنّ في البقعة المباركة سورية، تقطن أمهات، سيدات، صابرات، عاشقات للوطن، لا تنهزم جفونهن ولا تنهمر دموعهن لموت فلذات الأكباد فداءً للأمّ الكبرى سورية، بل يزفنّ الزغرودة تلو الأخرى علّها تحمل نعوش الأبناء إلى جنان النصر والخلود الأبدية. مؤمنات، صابرات ومكلّلات النعوش من داخلها لا من خارجها بجنى أعمارهن وشمع لياليهن. هنّ الشامخات، هنّ الصامدات، هن السوريّات اللواتي صنعن المجد الأبد.
وانطلاقاً من هنا، قامت وزارة الثقافة السوريّ برعاية وزير الثقافة محمد الأحمد، بإطلاق ندوة «سوريّات صنعن المجد» الشهرية الأولى تحت عنوان «أمّ الشهداء»، وذلك في قاعة مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.
شاركت في الندوة الدكتورة إنصاف حمد والدة الشهيد خضر خازم، وعضو مجلس الشعب جانسيت قازان والدة الشهيد أنزور أباظة، ووالدة الشهيد عدنان ونوس إلهام وسوف. كما أدار الندوة الدكتور إسماعيل مروة.
المبيّض
وقد حضر المهندس علي المبيّض ممثلّاً وزير الثقافة، فصرّح قائلاً: رسالتنا واضحة وهامّة وأساسية جداً في عمل وزارة الثقافة تستند استراتيجية عمل وزارة الثقافة على ركائز أساسية عدّة منها الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية للسوريين، وتعزيز القيم النبيلة والإنسانية لدى المجتمع السوري، وتأتي على رأس القيم النبيلة والسامية، الشهادة. وبالتالي من واجب ومهام كلّ المؤسسات الرسمية والأفراد أيضاً، وفي مقدّمهم وزارة الثقافة، تعزيز قيمة الشهادة وتكريم الشهداء وذويهم.
وأضاف: هذه الفعالية اليوم تستضيف ثلاث أمّهات قديرات هن أمهات لشهداء كمثال ونموذج، وغيرهن كثر جداً في المجتمع السوري، لتملي هذه الزاوية التي نتمنّى أنّ تنتهي الأزمة السورية بأسرع وقت، والتي دفع من خلالها القطر قوافل عدّة من الشهداء الأبرار، وكانت دماؤهم كمنارة تنير درب العزّة والسيادة.
وقال: إنّ المتتبّع والباحث عن تاريخ تطوّر الحضارات التي تعاقبت على سورية، يجد أنّ السوري بطبيعته يرفض الخنوع والذلّ ويحبّ موقف الإباء، بالتالي هذا الموقف له ثمن وثمنه باهظ وهو أنّ يقدّم الشهيد أغلى ما يملك لكي ننعم والآخرين بالحياة الكريمة. اجتماعنا اليوم هو نتيجة تضحية الشهداء العزيزة الغالية لكي ينعم المجتمع بالأمن والاستقرار وتحافظ سورية على وحدتها وقرارها السيادي، لذلك تأتي هذه الندوة ضمن هذا السياق.
حمد
بدورها، حدّثتنا الدكتورة إنصاف حمد والدة الشهيد خضر خازم عن مشاركتها في هذه الندوة ورسالتها لأمهات الشهداء من خلالها: لا أستطيع القول إنّني ضمن موقع تقديم رسالة لأحد، كل أمّ شهيد هي قصة بذاتها، كلّ أمّ شهيد تستطيع أن تقدّر ما ستقول للآخرين. أنا واحدة منهن وأتشارك معهن الوجع والألم، كما أتشارك معهن القوة والعزيمة والإصرار، بأن لا تتحوّل مصيبة فقداننا لأولادنا إلى نقطة ضعف في حياتنا على العكس تماماً، بل تحويلها إلى نقطة قوة وفخر واعتزاز، لأن أولادنا هم أحياء أكثر من كل الأحياء. هم حاضرون أكثر من كل الحاضرين الفعليين، هم في عقول السوريين وقلوبهم، بفضلهم نحن موجودون ونستطيع أن نتحدّث ونتكلم ونكمل حياتنا، بالتالي هم الأحياء أكثر منّا .
وسّوف
وفي الإطار نفسه، قالت والدة الشهيد حسن ونوس إلهام وسوف: «سوريات صنعن المجد» هو عنوان الندوة، لكنّ السوريات فعلياً صنعن المجد بأبنائهن. الأمّ التي تحمل نعش ابنها لم نرها إلّا في سورية، وهذه الأمّ المضحيّة التي زرعت قبر ابنها في حديقة منزلها كم ستكون عظمتها. السيدة التي فقدت ابنها الطيار وأحفادها الخمسة عظيمة، لا توجد أمّ في سورية لم تضحّ، السلام على هذه الأرض التي توضأت بدماء الشهداء لتبقى طاهرة ونقيّة وتنبت شقائق النعمان. الألم فجّر لدينا الطاقات لا الهزيمة، حيث أنني ألّفت كتاباً بعنوان «القربان» نتيجة الألم والأمل. رسالتي لأمهات الشهداء الصبر، فالأمّ التي تفقد ولدها تعاني ألماً لا يوصف، ولولدي أقول الرحمة لروحك أنت وكلّ شهداء الوطن، فأنتم غسلتم جراح الوطن بدمائكم الطاهرة .
مروّة
كما تحدّث الدكتور إسماعيل مروّة مُعدّ الندوة ومديرها عن فكرة الندوة وأهميتها قائلاً: مشروعنا لهذه السنة يحمل عنوان «سوريّات صنعن المجد». بدأنا السنة الماضية بعدد من الندوات، وصل عددها إلى اثنتي عشر ندوة، بناءً على اتفاق مع وزير الثقافة محمد الأحمد، حيث رأى ضرورة استمرارية الموضوع. فبحثنا عن فكرة يتمخّض عنها التجدّد، فوضعت خطة خصّصت بها المرأة السورية على مدار 12 ندوة خلال عام 2018 كاملاً عن المرأة السورية.
وأضاف: اخترت مجموعة من الأديبات والشخصيات النسائية السورية اللواتي تركن أثراً كبيراً وجيداً في الساحات الثقافية والفكرية والفنّية. والشرط الأول والأساس أن تكون من الراحلات تفادياً لأيّ نوع من الحساسية. بعد وضع الخطة والتدارس مع الوزير، جرى اختيار عنوان الندوة الأولى لتكون لأمّ الشهداء لأنها أكثر من يستحقّ التكريم. فهي رمز الأمومة والخصب والعطاء، هي رمز للمرأة التي لا تتوقف عن العطاء. إن كان يوجد أي امرأة عظيمة اليوم بين الأدبيات والفنانات والمفكرات وغير ذلك فإنها مدينة للأمّ وأهمّ أمّ، هي أمّ الشهيد التي تنذر ما في رحمها من أجل الأرض، لذلك كانت الندوة الأولى عن هذه المرأة الرمز لأتمكّن من تقديم وردة لكلّ امرأة سورية ضحّت بفلذة كبدها منذ أن خُلقت سورية وإلى أن تنتهي الحياة ولا تنتهي سورية .
يذكر أنّ جانسيت قازان كانت قد تغيّبت عن الحضور بسبب حادث تعرّضت له أثناء عودتها من مؤتمر سوتشي نتيجة قذائف الحقد التي أطلقها الإرهابيون على أرض المطار صبيحة الندوة.