لبنان القويّ بالحكمة والشجاعة يتفوّق على التحدي «الإسرائيلي» الثلاثاء في مجلس الدفاع عون وبري يتفقان على المواجهة معاً… وإقفال كلّ ملفات التصعيد الإعلامي والشعبي
كتب المحرّر السياسي
أنظار الخارج كانت على لبنان هذه المرّة، والخارج دولي وإقليمي، رغم كثرة المتابعات والانشغالات، وجد في المشهد اللبناني المأزوم وفي الخلفية تهديد «إسرائيل» فرصة لقياس التوجّهات والحسابات والتوازنات والتحالفات، وقراءة نوع الإشارات التي تكشفها الأزمة الداخلية أمام التهديد «الإسرائيلي»، والنيات تجاه الانتخابات محلياً وبخلفيات الضفاف المتقابلة إقليمياً ودولياً، ومستوى الجهوزية التي تملكها المقاومة بالتعاون مع حلفائها لمواجهة مخاطر اشتباك مع «إسرائيل»، فكلّ المجسّات كانت مستنفرة للقراءة مع سيولة الشارع الطائفي، إلى أين يريد وكم يستطيع قادة حلف المقاومة حفظ تماسكهم والترفّع على خلافاتهم وعصبيات طوائفهم وانفلات شوارعهم، ومواجهة استحقاقاتهم؟
الحصيلة، قالت بعد ساعات طوال لمساعٍ مكوكية للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على خط بعبدا عين التينة، إنّ القلوب ليست مليانة، وإنه يمكن السيطرة على لعبة الرمانة، بلا هاجس بوسطة عين الرمانة، فلا حرب أهلية ولا مَن يحاربون، ولا مَن يريد تطيير الانتخابات ويحتاج عذراً، ولا مَن يعذرون، ولا مَن يقدّم أوراق اعتماد لخارج آخر ويلعب من وراء ظهر حليف، ولا مَن يستخفّ بمخاطر ما يحدث في الشارع والإعلام وتصاعد لغة الغرائز والعصبيات، ولا مَن يستهين بجدية التحدي «الإسرائيلي»، أو يتوهّم بالقدرة على التصدي للتحدي بأقلّ من وحدة الصف والتفوّق على الذات، فتهيّأت الأرضية لقيام رئيس الحكومة سعد الحريري بزيارة لقصر بعبدا توّجها اتصال من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برئيس المجلس النيابي نبيه بري، لم يلبث الاتصال أن تحوّل إلى مناسبة للتداول من موقع المسؤوليات الوطنية والدستورية إلى تشاور أفضى للتفاهم على لقاء يوم الثلاثاء، تتمّ مواصلة مساعي التهدئة في الشارع والإعلام قبله، ليتسنى التفرّغ حينها لمواجهة التحدي «الإسرائيلي»، الذي سينعقد في مواجهته المجلس الأعلى للدفاع، بضوء ما يتفق عليه الرئيسان عون وبري اللذان سينضمّ إليهما رئيس الحكومة سعد الحريري، وسينتقلون معاً وفقاً لرغبة رئيس الجمهورية للمشاركة في اجتماع مجلس الدفاع الذي يستضيف رئيس مجلس النواب استثناء برغبة من رئيس الجمهورية وبناء على دعوته، كما قالت مصادر مطلعة لـ «البناء».
أُسقط بيد «إسرائيل» في الجولة الأولى من المواجهة وسقط رهانها على لبنان الرخو، والقوي بعضه على بعضه لتظهر قوة لبنان بحكمة وشجاعة قادته وقدرتهم على التمييز بين المهمّ والأهمّ، وبين الرئيس والثانوي وإثبات أنّ الحلف الشعبي والسياسي والدستوري الحامي ظهر المقاومة لا يزال بخير وقادراً على الترفع على خلافات وحسابات المصالح والطوائف واعتبارات الكرامات والعناد والشارع.
عون يُبادِر وبري يُقدِّر واللقاء الثلاثاء
على وقع الأحداث الامنية التي رسمت خطوط التماس في الوطن من ميرنا الشالوحي الى الحدث، تحركت الخطوط الرئاسية ونشطت المساعي لاحتواء تفاعلات الأزمة المتفجرة في الشارع، بعد أن أدرك الرؤساء الثلاثة دقة الموقف وخطورة اللعب على حافة الهاوية وتجاوز الخطوط الحمر والمسّ بالأمن والاستقرار والسلم الأهلي وتهديد التسوية الرئاسية والحكومية والمنجزات الوطنية الأخيرة.
وقد بدأت المؤشرات الغيجابية بالظهور تدريجياً يوم أمس، وتُوِّجت باتصال أجراه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برئيس المجلس النيابي نبيه بري سبقه لقاء بين عون ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي زار بعبدا على عجلٍ من غير ميعاد، خرج بعده مبشراً بالأجواء الإيجابية. وقد اتفق الرئيسان عون وبري على عقد اجتماع يوم الثلاثاء المقبل في قصر بعبدا لدرس الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة التهديدات «الاسرائيلية» المتكرّرة وبحث الأوضاع العامة في البلاد، وقال عون لبري خلال الاتصال إنّ «التحديات الماثلة أمامنا تتطلّب منّا طي صفحة ما جرى مؤخّراً والعمل يداً واحدة لمصلحة لبنان».
ولاحقاً أعلن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان أشار فيه إلى أن الرئيس عون تداول مع الرئيس بري في «التطوّرات الراهنة والتهديدات «الإسرائيلية» الأخيرة بالنسبة إلى البلوك 9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة والجدار الذي تعمل على إقامته «اسرائيل» على الحدود الجنوبية». وخلال الاتصال الذي سادته المودة بحسب البيان، أكد الرئيس عون أن «الظروف الراهنة والتحديات الماثلة أمامنا تتطلّب منا جميعاً طي صفحة ما جرى مؤخراً، والعمل يداً واحدة لمصلحة لبنان، وقد عبر دولة الرئيس بري عن تقديره لمبادرة فخامة الرئيس ولدقة الظروف الراهنة وخطورتها، وتم الاتفاق بين الرئيسين على عقد اجتماع يوم الثلثاء المقبل لدرس الخطوات الواجب اتخاذها لمعالجة التهديدات «الاسرائيلية» المتجدّدة والأوضاع العامة في البلاد، وكان الحريري حاضراً خلال الاتصال».
ولم يتطرّق عون خلال الاتصال مع بري الى الأزمة المستجدة وقضية الفيديو المسرّب، وقد علمت «البناء» أن اتصال الرئيس عون برئيس المجلس جاء في اطار مبادرة للحل عرضها الرئيس الحريري الذي تمنى على رئيس الجمهورية التعاون لمعالجة الأزمة، لكن مصادر أخرى أشارت الى أن «أكثر من جهة سياسية ووسطاء مشتركين للرئيسين عون وبري ساهموا في ترطيب الأجواء تمهيداً لإجراء هذا الاتصال وأبرزهم الوزير السابق جان عبيد الذي زار عون منذ أيام قليلة». لكن أوساط سياسية تؤكد لـ «البناء» أن الاتصال رغم أهميته في نزع فتيل الشارع لا يعني أن العقد ذُلّلت وأن أزمة الفيديو المسرّب بات منتهية ولا أزمة مرسوم الأقدمية، بل إن جمر الخلافات لا يزال تحت الرماد»، وأشارت مصادر مطلعة الى أن اعتذار الوزير جبران باسيل بداية لأي حل للأزمة.
ولاحقاً أكد بري أن «اتصال عون كان جيداً وأعطى توجيهاته لوقف الحملات الإعلامية»، معتبراً أن «الأزمة السياسية مطوّلة وأن حركة أمل ليست بوارد تعطيل الحكومة». واعتبر وزير المال علي حسن خليل أن «الوضع السياسي ليس مريحاً»، مشدداً على «أننا لسنا بوارد تعطيل الحكومة وما يهمنا هو الاستقرار في البلد». ولفت الى «أننا طلبنا الخروج من الشارع وعلى الجيش التحرّك لمنع أي فوضى في الشارع».
عون: لن أسمح بالفتنة في عهدي
في المقابل، نقل زوار رئيس الجمهورية عنه قوله لـ «البناء» إن «عون حريص على الدستور والطائف وعلى تغليب لغة الحوار بين اللبنانيين وتشديده على أن رئيس البلاد لن يسمح بأخذ الأمور الى الفتنة والفوضى في عهده. فالضامن هو المؤسسات والقانون والدستور وإرادة اللبنانيين وإجماع القوى السياسية على حفظ الاستقرار»، مشيراً الى أن «الخلافات السياسية شيء وتهديد الامن والاستقرار الداخلي شيء آخر».
ولفت الزوار الى أن «الحل يحتاج الى خطوات عدة والى متابعة والاتصال الهاتفي الذي أجراه عون برئيس المجلس بداية الحل الذي يعقبه وقف الحملات الإعلامية ويستكمل بلقاء الثلاثاء»، واستبعدوا أن «تجنح الأمور الى الفوضى والى الحرب الاهلية»، وأشاروا الى أن «طرفين قادران على نشر الفوضى والإخلال بالأمن: الأول الولايات المتحدة الاميركية ولا مصلحة لها حالياً بتهديد الاستقرار في لبنان والطرف الثاني حزب الله. وهو الضامن الأول للامن والاستقرار في البلد وهو شريك إقليمي في مواجهة الارهاب وتحقيق الاستقرار في المنطقة برمّتها».
وأضاف زوار بعبدا: «الرئيس بري حريص على الاستقرار أكثر من أي طرف آخر وليست الأزمة الأولى التي نتجاوزها»، وأشاروا الى أن «عون ينظر بعين القلق الى الخطر الإسرائيلي ويراه أولوية تعلو على الازمة الداخلية، لا سيما الجدار الفاصل والاعتداء على البلوك الغازي ما يفرض على اللبنانيين التعاون والتوحد والتمسك بالتضامن الوطني لمواجهة هذه الأخطار». وأشار الرئيس عون بحسب زواره الى أنه «يأخذ التهديدات «الاسرائيلية» على محمل الجد وأن التعليمات واضحة الى الجيش اللبناني بردع أي اعتداء على حدود لبنان البحرية والبرية وأن الشعب سيقف معه».
وكان رئيس الحكومة قد اعتبر بعد لقائه عون أن «كرامة الرئيس بري من كرامتي وكرامة الشعب اللبناني وفخامة الرئيس. وهو كلام نابع مني ومن فخامة الرئيس والأجواء ستكون إيجابية بين فخامة الرئيس ورئيس مجلس النواب، ونعمل جميعاً من اجل التهدئة»، وأضاف: «اتفقنا على خطوات بما يخص البلوك رقم 9 لاستخراج النفط والتحديات التي يواجهها لبنان في هذا المجال، وستكون لنا خطوات واضحة وصريحة في هذا الخصوص قريباً، ونحن نواجه عدواناً كبيراً في هذا الشأن».
.. وهدوء في الشارع والإعلام
وقد انعكس اللقاء إيجاباً على الشارع وعلى الاشتباك الإعلامي والحرب الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي بين جمهوري التيار الوطني الحر وحركة امل، بينما لوحظ غياب التصعيد المعتاد في مقدمة نشرة أخبار قناتي «أن بي أن» و»أو تي في» التي أكدت مصادرها أن «ما يحصل لا ولن يؤثر على تحالف حزب الله والتيار الوطني الحرّ»، كاشفة عن «مبادرات يجريها حزب الله لمعالجة الإشكال بين حليفيه، وهي تحتاج الى تدخل الرئيس عون»، في حين قالت مصادر «التيار» لـ «البناء» إن «التيار التزم بالتهدئة الإعلامية ولن ينجرّ الى الشارع وتظهير المشهد على أنه صراع بين جمهورين أو طائفتين غير صحيح، بل هو عبارة عن خلاف سياسي ووثيقة التفاهم وجدت لإزالة هذه الأجواء السلبية»، مشددة على أن «لا حرب أهلية كما يُشاع وأن التعايش مستمر بين المكونات اللبنانية لا سيما بين أهل الضاحية ومحيطها».
وأثنت هيئة قضاء بعبدا في «التيار» على الموقف الذي أطلقه حزب الله في اتصالاته مع حركة أمل لضبط الشارع، معلنة أنها ترحب بهذه المبادرة وتلاقيها بالمثل في كل ما من شأنه تمتين العلاقات أكثر وأكثر والحفاظ على السلم الأهلي والمصلحة الوطنية العليا».
من جهتها، دعت حركة أمل إلى وقف التحركات في الشارع في بيان صدر عن مكتبها السياسي، وطالبت «جميع الحركيين على اختلاف مستوياتهم المساعدة على تطبيق هذا الأمر».
وفي بيان مشترك أكدت قيادتا أمل وحزب الله في جبل لبنان والشمال بعد اجتماع مشترك، في مقر قيادة الحركة «الحرص على وحدة الصف الوطني بجميع أطيافه وضرورة تحكيم العقل وعدم إطلاق العنان للغرائز الطائفية».
وجاءت المساعي الرئاسية بعد الأحداث الخطيرة والدراماتيكية التي شهدتها منطقة الحدث المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت ليل أمس الأول بين مناصرين «أمل» و»التيار»، قبل أن يتمكّن حزب الله بالتنسيق مع قيادة الطرفين بضبط الوضع وفض الإشكال وسحب المتظاهرين من الشارع.
ويقوم وفد مشترك من الحزب والحركة بزيارة الى منطقة الحدث صباح اليوم وذلك في إطار تأكيد العيش المشترك بين أبناء المنطقة الواحدة.
باسيل إلى أبيدجان
وسط هذه الأجواء، يصرّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على انعقاد مؤتمر الطاقة الاغترابية الثاني رغم مقاطعة أبناء الجالية اللبنانية من مؤيدي حركة أمل. وقد توجّه أمس الى باريس في طريقة الى أبيدحان، حيث سيفتتح اليوم المؤتمر بمشاركة رجال الأعمال اللبنانيين المنتشرين في القارة الأفريقية وأولئك غادروا بيروت للمشاركة في المؤتمر الذي سيبحث في التدابير المعتمدة من المصارف لتقديم القروض للمغتربين اللبنانيين، إضافة الى تطوير العلاقات الاقتصادية بين لبنان ورجال الأعمال في كل من شمال وجنوب أفريقيا.
الحريري: لن نُرغِم النازحين على العودة
على صعيد آخر، لا تزال خطة المعالجة التي تتبعها الحكومة اللبنانية لأزمة النازحين السوريين تثير علامات استفهام عدة في ظل إصرارها على رفض التنسيق المباشر مع الحكومة السورية الجهة المعنية بالدرجة الأولى في هذه الأزمة، وسط ضغوطٍ مستمرة على لبنان لرفض هذا التنسيق مع سورية، وقد ظهر ذلك من خلال إشارة رئيس الحكومة بأنّ «لبنان يدعم العودة السريعة والآمنة للنازحين السوريين، ولكن لن نرغم، تحت أي ظرف من الظروف، النازحين السوريين على العودة».
وخلال إطلاق خطة لبنان للاستجابة لأزمة النازحين السوريين ، في السراي الحكومي ، شدّد الحريري على أننا «سنتناول هذه المسألة فقط بالتنسيق الوثيق والتخطيط المشترك مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة»، وشدّد على أنّه «لا بدّ للنزاع في سورية أن ينتهي قريباً، وأنا مقتنع بأنّ اللاجئين يرغبون بالعودة إلى وطنهم. اللاجئون لن يبقوا هنا للأبد»، محذراً من أنّ «الفشل في مساعدة لبنان سيجبر النازحين على البحث عن ملجأ في أماكن أخرى».