«حرب الأيام الأربعة» في دولة هشّة
حسين حمّود
لمن لا يزال يدافع عن النظام الطائفي والمذهبي في لبنان، وينأى به عن المفاسد ويبرّئه من إنتاجه الأزمات والحروب الأهلية كلّ عقد أو عقد ونصف من الزمن، ليراجع المدافع عنه تطوّرات الأحداث في الأيام الأربعة الأخيرة وتحديداً منذ «ليلة القبض» على فيديو باسيل وتعميمه «الخبيث» أو البريء، حتى مساء الخميس الماضي ضمناً.
فـ «حرب الأيام الأربعة» التي كانت محصورة باحتجاجات في الشارع تظاهراً واعتصاماً، على تعرّض وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، خلال لقاء حزبي وشعبي في إحدى البلدات العكّارية. سرعان ما دخل على خط تلك الاحتجاجات طابور خامس، لا علاقة له بحركة أمل، لصبّ الزيت على النار من خلال قطع الطرق بالإطارات المشتعلة ومحاولة نقل الاحتجاجات إلى داخل بلدات مسيحية وإطلاق النار في الهواء لزيادة الإرعاب والتهويل بالويل والثبور وعظائم الأمور.
لكن على فداحة ما جرى في الشوارع من حرق دواليب وحظر مرور السيارات عليها، والذي أجمع كلّ القيادات السياسية والأحزاب، على اعتباره غير مبرّر ويرقى إلى مرتبة الخطأ، إلا أنّ ما هو أفدح وأكبر وأخطر من ذلك، هو انكشاف هذا النظام الطائفي والمذهبي المقيت، بأعمق صور هشاشته، وافتضاح دولة قائمة على النظام السيّئ الذكر، لا التفاف شعبياً حولها، وليس لها أيّ مدماك أساسات في المجتمع الذي يعيش في كنفها، ولا فلسفة أو عقيدة تبرّر وجودها وتحافظ عليها وتحميها.
فدولاب مشتعل، كاد يصعد من تحته بركان بحمم تتطاير على رؤوس اللبنانيين فتحمّيها، وتجرّهم إلى تعايش دموي في حرب أهلية قد تطول إلى أكثر من عقد ونصف العقد، على غرار الحرب المشؤومة الأخيرة، التي شهدها اللبنانيون وخبروا مآسيها وكوارثها، وكانت مأثرتها الأقسى هي إعادة إنتاج النظام الطائفي هذا.
علماً أنّ هذا النظام نفسه ومجتمعه ذاته، استولد كلّ الفتن الأهلية في لبنان منذ عام 1840 حتى العام 1989. وهو المسؤول عن كلّ الأزمات التي عصفت ولا تزال بلبنان منذ سنة 2005. لأنّ الطائفة والمذهب فوق كلّ اعتبار ويرخص في سبيلها، البشر والحجر. علماً أنّ طابوراً خامساً من بضعة أفراد كاد أن يحرق كلّ الطوائف، لولا مسارعة القيادات السياسية الواعية إلى احتواء الموقف ومنع استفحاله وتدارك الحريق قبل اندلاعه. لكن لو كان البلد خالياً من هذه القيادات وتجلس مكانهم قيادات غير مسؤولة، لكان وقع المحظور.
رفع الغطاء عن المخلّين بالأمن والمسيئين إلى الأهالي ضروري، إلاّ أنّ الأهمّ البدء في البحث جدياً في مخاطر النظام القائم والعمل على تطويره بخطوات سياسية وتشريعات تؤسّس، بشكل عاجل، لدولة مدنية أساسها المواطنة لا الطائفة ولا المذهب يتساوى فيها كلّ اللبنانيين بالحقوق والواجبات نفسها، وحقهم كلهم بتولي سائر الوظائف العامة بمناصبها كافة. وذلك في موازاة بث الثقافات التي تشجّع التحوّل نحو المدنية والمواطنة، لا التعصّب والتمييز على أساس الدين والمذهب، لكي يشعر الجميع أنهم في دولة هم مسؤولة عن رعايتهم وحمايتهم. والخطوة الأولى نحو ذلك، تكون بإقرار قانون الانتخاب القائم على النسبية الكاملة والدائرة الانتخابية الواحدة من خارج القيد الطائفي، كونه وحده الذي يمزج اللبنانيين ببعضهم ويلغي التفرقة والحروب…