هل تجدي تبرئة جبهة «النصرة»؟
د. عصام نعمان
أمور كثيرة كشفها رئيس «جبهة النضال الوطني» البرلمانية وليد جنبلاط أخيراً. بعض ما كشفه غريب وبعضه الآخر خطير ينطوي على مواقف غير مسبوقة وقد تزيد الوضع الداخلي المعقّد في لبنان تعقيداً. يمكن تلخيص أبرز ما قاله في نقاط خمس نشرتها صحيفتا «السفير» و«الأخبار»:
«جبهة النصرة» ليست إرهابية وهي مكوّنة من مواطنين سوريين، و«الجيش السوري الحر» و«النصرة» ليسا عدوين».
«داعش موجود، وهو ظاهرة تملأ الفراغ، ولا يمكن استبعاد أيٍّ من مكوّنات المعارضة السورية».
«لا يجوز أن ينسّق الجيش اللبناني مع جيش يقتل شعبه كالجيش السوري».
«يجب إجراء مقايضة مع خاطفي الرهائن بعدما تبيّن أن الأهالي يعلمون تماماً الوضع في سجن روميه».
«لا يمكن عملانياً أن نقبل الهبة الإيرانية للجيش اللبناني لأنها ستدخلنا في عقبات نحن بغنى عنها».
لم تصدر عن القيادات السياسية الوازنة ردود فعل سلبية أو إيجابية على مواقف جنبلاط الأخيرة. مردُّ ذلك إلى أنّ هؤلاء يعتقدون أنّ جنبلاط لا يتمسك، غالباً، بمواقفه طويلاً. وطالما أنه سيغيّرها، فلماذا التسرّع بالحكم عليه أو له!
مع ذلك، اندلعت مناقشات حامية في أوساط معارضة لطروحات جنبلاط ومواقفه المستجدة وأخرى متحفظة في شأنها ولا سيما لجهة التداعيات التي قد تنجم عنها. وقد أمكن رصد ملاحظات وأسئلة لافتة على النحو الآتي:
يعتبر «التحالف الدولي» «داعش» و«النصرة» تنظيمين إرهابيين، وهو يضمّ أكثر من عشرين دولة في مقدّمها الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا وبريطانيا، كما يضمّ لبنان الذي مثّله وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر جدة، ومثلّه قائد الجيش العماد جان قهوجي في اجتماع رؤساء أركان الجيوش التي تشارك دولها في الحرب على الإرهاب، وكان افتتحه الرئيس باراك أوباما في قاعدة اندروز الجوية، وشكر خلاله لبنان والأردن وتركيا على ما «تتحمّله من أعباء غير اعتيادية بسبب اللاجئين الذين وصلوا إليها». فهل تشاطر الحكومة اللبنانية جنبلاط رأيه في جبهة «النصرة»، علماً أن له وزيرين فيها؟ وهل تشاطره الولايات المتحدة الرأي في تبرئة «النصرة» من الإرهاب؟
«جبهة النصرة» شاركت في قتل واختطاف ضباط وجنود للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في بلدة عرسال، فهل القتل والاختطاف عملان إرهابيان معاقب عليهما قانوناً أم لا؟
هل تبرئة جنبلاط لجبهة «النصرة» من الإرهاب مقدمة لحمل الحكومة على اتخاذ الموقف نفسه، وبالتالي الموافقة على اعتماد مبدأ المقايضة معها، فيجري إطلاق سراح أعضاء محكومين من جبهة «النصرة» وغيرهم معتقلين في سجن روميه مقابل الإفراج عن العسكريين المختطفين؟ وماذا عن العسكريين الذين اختطفهم تنظيم «داعش» الذي لم يبرّئه جنبلاط، بعد، من الإرهاب؟
إذا افترضنا جدلاً أن جبهة «النصرة» ليست تنظيماً إرهابيا، فكيف يمكن توصيف علاقتها، كما «الجيش الحر»، بالجيش «الإسرائيلي» في الجولان السوري المحتل؟
وزير الحرب «الإسرائيلي» موشيه يعلون كشف مؤخراً ما توفّره «إسرائيل» لمسلّحي المعارضة السورية في الجولان المحتل بقوله: «ليس سراً أننا نوفّر لهم العلاج الطبي والحليب والغذاء ومعدات وبطانيات تقي من برد الشتاء. لكن ذلك يأتي في سياق الشرط القائم وهو أن يمنعوا التنظيمات الأكثر تطرفاً من الوصول إلى الحدود». ثم استدرك قائلاً: «صحيح أن أجزاء من الحدود خاضعة لجبهة «النصرة»، لكنها التيار الأكثر اعتدالاً في تنظيم القاعدة».
أليس تعامل جبهة «النصرة» مع «إسرائيل» عمل يطاوله القانون كون سورية ما زالت في حالة حرب مع «إسرائيل»؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل تجيز الحكومة اللبنانية لنفسها أن تتعاطى مع تنظيم يتعامل مع عدوٍّ ما زالت هي أيضاً في حالة حرب معه؟
إذا افترضنا أن جبهة «النصرة» ليست تنظيماً إرهابياً، كما قال جنبلاط، فماذا سيكون موقفه، كما موقف الحكومة اللبنانية، إذا ما قامت «النصرة» و«داعش» بمحاولة لمهاجمة لبنان عبر سفوح جبل الشيخ وصولاً إلى بلدة شبعا التي تغصّ بالنازحين السوريين وذلك بقصد الالتفاف على وجود المقاومة اللبنانية حزب الله في جنوب لبنان؟ هل تنأى الحكومة بنفسها عن حدثٍ جللٍ كهذا بدعوى أنه مجرّد مظهر من مظاهر الصراع بين النظام السوري ومعارضيه المنضوين في جبهة «النصرة» المكوّنة من «مواطنين سوريين غير إرهابيين»؟ أم تراها تجد نفسها مضطرة إلى ممارسة حق الدفاع عن النفس فتبادر إلى التنسيق مع حزب الله وعبره مع الجيش السوري لصدّ العدوان؟
بعض هذه الأسئلة حظي بأجوبة من جهات متعددة الانتماء. بعضها الآخر بقي معلّقاً. لعلّ أبرز الأجوبة، أو بالأحرى التبريرات لمواقف جنبلاط الأخيرة، ثلاثة:
الأول مفاده أن جنبلاط يريد حماية طائفته من هجومات التنظيمات الإرهابية ولا سيما في منطقة وادي التيم راشيا وحاصبيا وانّ تبرئة جبهة «النصرة» من شأنها، في ظنّه، تنفيس الاحتقان والأحقاد وحمل جبهة «النصرة» وغيرها على وقف هجماتها على المنطقة المذكورة.
الثاني مفاده أن قصد جنبلاط من وراء تبرئة جبهة «النصرة» الضغطُ على مجلس الوزراء من أجل القبول بمبدأ المقايضة، فيكون ثمن التبرئة الإفراج عن العسكريين المختطفين.
الثالث مفاده أنّ تبرئة «النصرة» من شأنها إعادةُ خلط الأوراق بين القوى السياسية المتصارعة، ولا سيما بين مجموعتيّ 14 و 8 آذار، ما يؤدّي إلى إيجاد مخرج توافقي لمعضلة انتخاب رئيس الجمهورية وإجراء الانتخابات النيابية.
لكن، ماذا لو رفض «داعش» الانخراط في صفقة بين جبهة «النصرة» والحكومة اللبنانية لأسباب تتعلق بمخططاتٍ ومصالح «الدولة الإسلامية» في سورية والعراق و… مصالح دولة كبرى أيضاً؟
وماذا لو نجح الجيش اللبناني وحزب الله، بالتنسيق الضمني أو العلني مع الجيش السوري، في ضرب جبهة «النصرة» وحلفائها وتعطيل قدرتها على مهاجمة لبنان أو تهديد أمنه على طول حدوده مع سورية؟
يضحك كثيراً من يضحك أخيراً…
وزير سابق