جيش أحمد جرار
ناصر قنديل
– تشهد مواقع التواصل عبر الصفحات الفردية والجماعية للفلسطينيين ثورة وطوفاناً تتصدّرهما صور الشهيد أحمد جرار والكتابات الوجدانية التي تفيض حباً وتقديراً لرمزية هذا الشهيد الذي اغتال حاخاماً صهيونياً متطرفاً يتصدّر لائحة العنصريين بين المستوطنين في التحريض على قتل الفلسطينيين، ونجح أحمد بعد الاغتيال بالتخفّي عن أعين مخابرات الاحتلال وعملائه متنقلاً في بيوت الناس وقراهم وبلداتهم، يطارده الاحتلال بفرق من جيشه ويفشل في الوصول إليه، حتى كانت معركة المواجهة بينه وحيداً، مقابل مئات الجند ورجال المخابرات ووحدات الكوماندوس، فيقاتل ومعه كسرات خبز وقنينة ماء حتى تنفد منه ذخيرته، فيُستشهَد.
– يكرّر الفلسطينيون في حديثهم عن أحمد جرار ما قاله محمود درويش عن أحمد العربي، ويردّدون كلنا أحمد، ويتباهون بمن يتمثّل قبل الآخر صورة أحمد ويكرّر فعله، فتكون الحصيلة البسيطة بعد استشهاد أحمد جرار، أنّ جيش الاحتلال ومخابراته وقد دوّخهم أحمد، لم يتسنّ لهم الاحتفال بتسديد الرصاصات القاتلة إلى صدره، فقد كان أحمد آخر يستدرجهم لدفن أحد مستوطنيهم، الذي طالته سكين أحمد، وكان عليهم أن يواجهوا سيلاً من التظاهرات التي تهتف لأحمد على مساحة الضفة الغربية، وكان عليهم أن يقرأوا في سخونة التفاعل الشعبي والشبابي، خصوصاً مع استشهاد أحمد وتقدّمه أيقونة للشباب الذاهب للمقاومة بالمئات والآلاف بلا انتظار السلاح، وبما تيسّر من وسائل وأدوات ينفع بينها الدهس وينفع الطعن، وتنفع كلّ وسيلة متاحة أخرى يبتكرها شعبٌ أثبت على مدى قرابة مئة عام أنه لا ييأس ولا يتعب.
– تخلّصت «إسرائيل» من أحمد جرار، لكنها اكتشفت أنّ عليها أن تنتظر المواجهة مع جيش جرّار هو جيش أحمد جرار، حيث الشباب اليافع والصبية في الأحياء يلعبون لعبة التخفي والمخابرات والفائز في التخفي تكون جائزته أن يكنّى بأحمد، والعرائس تتحدّث لأزواج المستقبل عن مهر لعرس يتقدّمه إثبات الرجولة في ميزان أحمد، وحيث الفصائل التي تنابذت على أشياء كثيرة وتنافست وأحياناً تقاتلت، تجتمع على النموذج المثال لأحمد، وحيث البلدات والمخيمات تتنافس وتتبارى في مَن تكون البلدة ومَن يكون المخيم، حيث يكون الصمود والثبات، كما في جنين بلدة أحمد ومخيم أحمد.
– مَن يقرأ علم الاجتماع السياسي بين «الإسرائيليين» ويدرك معنى ما يسمّيه العلماء بالتيار والموجة العارمة، والأيقونة، سيعلم أنّ المواجهة مع الفلسطينيين قد دخلت بعد استشهاد أحمد جرار مرحلة جديدة. فليست القضية هنا دعوة للتضامن مع الطفلة المكافحة والصامدة عهد التميمي، ولا القضية إدانة واستنكار إقدام جنود الاحتلال على قتل طفل بدم بارد. إنّها شيء مختلف، لا مكان فيها لدعوات التضامن والحديث عن المظلومية. القضية هنا هي التباهي بالدم والشهادة لشاب أرهق جيش الاحتلال لشهر كامل بعد أن تمكّن من تسديد ضربة موجعة له على الأنف مباشرة وتركه في الأرض نازفاً، ومن ثم استطابت له الشهادة. القضية لا مظلومية فيها بل حداء نصر، وأنشودة الشهادة، والشعوب عندما تبلغ هذه المرتبة من العزم، وتصير هذه الحالة مشهداً طاغياً في كلّ بيت وكلّ شارع، على مَن يعاديها ويحتلّ أرضها ويصادر حقوقها، أن يشعر بالذعر لا بالخوف فقط. فالآتي أعظم، وما خلف الستار وتحت السجادة أهمّ بكثير مما يبدو في كادر الصورة.