شعبان: ترامب لم يكن ليجرؤ على إعلان نقل سفارة بلاده إلى القدس لولا الضعف العربي ناجي: المؤامرة على سورية هي الوجه الآخر للمؤامرة على فلسطين
لورا محمود
للقدس مكانة في قلوب السوريين تشاطر مكانة دمشق، ربّما للتاريخ العريق الذي يجمع المدينتين، وربما لأنّ رائحة الليمون التي تفوح من بيّارات القدس تدغدغ الروح كرائحة الياسمين التي تفوح من البيوت الدمشقيّة القديمة. وربما لأنها مثل دمشق تحمل كلّ الأسماء، إلّا أن سحر اسمها «القدس» يبقى يلامس الوجدان.
هي القدس وجهة كلّ من عرف الشرف فتوارثه وورّثه، وكم في الشام من شرفاء لم يحيدوا عن وجهتهم بل صمدوا في وجه العدوّ الحقيقيّ والعدوّ الوكيل ولم يخسروا صمودهم رغم الألم والدم والدمار، بل لملموا جراحهم وازدادوا قوّة ومنعة، وصاغوا مشروع محور مقاوم لم يكن في حسبان «إسرائيل» ولا الولايات المتحدة الأميركية ولا حلفائها من العرب. وهذا ما أكّده أعضاء «مؤسّسة القدس الدولية» التي احتفلت بالذكرى العاشرة لانطلاقتها في سورية، ضمن حفل غنائيّ موسيقيّ بعنوان «للقدس… سلام آتٍ»، بحضور عدد من الشخصيات السياسية والثقافية، وذلك في «دار الأسد للثقافة والفنون» في دمشق.
شعبان
المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية رئيسة مجلس أمناء «مؤسّسة القدس الدولية» الدكتورة بثينة شعبان، أوضحت في كلمة ألقتها أنّه حين يعمل الفرد في «مؤسّسة القدس»، فإنه يعمل من أجل الأمة جمعاء. فمن يدافع عن فلسطين إنما يدافع عن نفسه، ومن يقف مع القدس إنما يقف مع ذاته.
وقالت: علينا أن نصل إلى مرحلة من الوعي نتأكد من خلالها أننا واحد وأن تضامننا هو حتمية تاريخية وضرورة قوميّة وإنسانية لا بدّ منها. وإذا لم نتحدّ ولم نتضامن فإن العدوّ سيفتك بنا واحداً تلو الآخر.
وأشارت شعبان إلى أنّ الأمة الآن أمام مفصل تاريخيّ جوهريّ وحتميّ لمستقبلها، والأساس في مقاربة هذا المفصل ومقاربة المستقبل، هو التحلّي بالوعي والصدق في تناول قضايانا، وبالتالي إعادة قراءة تاريخنا بعمق وإعادة كتابته بصدق لأن هناك الكثير من التضليل في هذا التاريخ والكثير من المواقف الكاذبة التي كانت ومنذ خمسين سنة ترغب في العلاقة مع العدوّ الصهيوني، وانكشفت اليوم على حقيقتها في ممالك الخليج ومشيخاته.
وأضافت شعبان أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن ليجرؤ على إعلان نقل سفارة بلاده إلى القدس لولا الضعف العربي، حيث غزا العراق وشنّ حروباً على سورية واليمن وليبيا.
وتساءلت: أليس من المعيب أن يهدّد ترامب بإلغاء حق العودة للفلسطينيين وبقطع المساعدات المخصّصة لـ«مؤسسة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين… أونروا»؟
وأشارت إلى أنّ أموال أنظمة عربية معروفة تذهب إلى خزائن الغرب بينما تتقاعس عن مساندة الفلسطينيين ودعمهم. كما أكّدت شعبان ضرورة الصمود والتصدّي لكل ما يحاك ضدّ الأمة، فمصلحة العرب واحدة ومصيرهم واحد ويجب أن يثقوا ببعضهم، وأن يتعاونوا في التصدّي للمخطّطات الرامية إلى النيل من وجودهم، لا في التواطؤ مع العدوّ أو إرضاء الآخرين. فهذه الأمة يجب أن ترسي رواسي مستقبلها لأنها أمة جديرة بالحياة والتألق والإنجاز إذ ما وقف أبناؤها صفّاً واحداً وآمنوا بأنفسهم وأمتهم ومستقبلهم.
ناجي
بدوره، قال الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة عضو مجلس أمناء «مؤسّسة القدس الدولية» طلال ناجي: منذ سبعين سنة والقدس ترزح تحت الاحتلال الصهيوني، لكنها ستظلّ مدينتنا والعاصمة الأبديّة لفلسطين. فما سميّ زوراً بـ«الربيع العربي» هيّأ المناخ للاحتلال «الإسرائيلي»، من أجل تصعيد سياساته العنصرية، وللولايات المتحدة من أجل تمرير قرارها الخطير الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال «الإسرائيلي» ونقل سفارتها إليها.
وأضاف: رغم المؤامرة الكونيّة على سورية، إلّا أنّ القدس تعيش في عقول السوريين جميعاً وفي قلوبهم، هم الذين لم تشغلهم الحرب الإرهابية عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية والذود عن القدس وحقوق الشعب الفلسطيني. وبالتالي، فإنّ المؤامرة على سورية هي الوجه الآخر للمؤامرة على فلسطين.
ونوّه ناجي ببطولات الجيش السوري الذي تصدّى للمؤامرة على بلده وأحبط مخطّطات الإرهابيين المدعومين من القوى نفسها التي تدعم الكيان الصهيوني.
الجراد
من ناحيته، تحدّث مدير عام «مؤسّسة القدس الدولية» سفير الجراد إلى «البناء» قائلاً: لا شكّ في أن «مؤسّسة القدس الدولية» ذات رصيد تاريخيّ ونضاليّ بامتياز، يتوّج اليوم بحفل يبيّن أبرز إنجازاتها خلال السنوات العشر الماضية، ومسيرتها الطويلة من العطاء والرصد الميداني للواقع الفلسطيني، وأيضاً يضاف له المتابعة الحثيثة لأبرز الإصدارات التي نعبّر عنها من خلال «مجلة زهرة المدائن».
وأضاف الجراد: نحن لدينا الكثير من الفعاليّات أبرزها فعالية «الأربعاء المقدسي الثقافي»، واليوم سنشاهد كورالاً غنائياً فلسطينياً يُظهر التراث المقدسي الجميل والذي سيقدّم خلال هذا الحفل.
البحيصي
بدوره، قال رئيس «جمعية الصداقة الفلسطينية ـ الإيرانية» محمد البحيصي لـ«البناء» إنّ «مؤسّسة القدس الدولية» من المؤسّسات التي اعتنت بالشأن الفلسطيني، وخصوصاً بالشأن المقدسي على مدار السنوات العشر الماضية، وهو عمر المؤسّسة. فرغم قساوة الظروف التي نعيشها هنا في سورية، إلّا أنّها استطاعت أن تحافظ على خططها وبرامجها بما يعزّز الوعي بالقضية الفلسطينية عامة، واستطاعت أن تتبنّى برامج ثقافية وجملة من الخدمات للشعب المقدسي، وتحافظ على دورها، وأن تشكّل رافعة حقيقية للعمل الوطني والكفاحي وتعكس صمود الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلّة وخارجها.
وتابع البحيصي: المستقبل هو لمحور المقاومة لأن الحقيقة الوحيدة تقول إنّ الكيان الصهيوني ليس بصدد منح الفلسطيني ولو الحدّ الأدنى من حقّه في فلسطين. وبالتالي، فإن كلّ من راهن على إمكانية أن يكون هناك حلّ توافقي مع هذا الكيان الصهيوني فشلت رهاناته، ولم يعد هناك من خيار لدى الشعب الفلسطيني إلّا استعادة دور المقاومة، فهو ضرورة حتمية له. والشعب الفلسطيني كلّ يوم يعزّز من حالة حضوره في هذا الخطّ المقاوم.
الحلبي
أما الباحث في الشؤون «الإسرائيلية» وعضو مجلس أمناء «مؤسّسة القدس الدولية» تحسين الحلبي فتحدث إللا «البناء» وقال: «مؤسّسة القدس الدولية» وأهدافها التي تصبّ في خدمة مدينة القدس وإنقاذها والمحافظة على هويتها العربية ومقدّساتها الإسلامية والمسيحية وتثبيت سكّانها وتعزيز صمودهم، هي مؤسّسة لها فروع في دول كثيرة، ولها أيضاً جهات تمثيلية ومندوبون في دول كثيرة في العالم. فقد كانت حاضرة في المؤتمر العالمي من أجل مدينة القدس الذي عُقد في عام 2007 في اسطنبول، وقد شاركت بشكل واسع بوثائق ومؤلّفات وبوفد كبير برئاسة الدكتورة بثينة شعبان.
وأضاف: لم تنقطع «مؤسّسة القدس الدولية» عن إقامة النشاطات والفعاليّات للدفاع عن القدس وحمايتها. وأيضاً استذكار كل من دافع عنها واستشهد في سبيلها. جميع أعضاء المؤسّسة كانوا يقومون بأدوارهم لإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة دائماً.
ولفت الحلبي إلى أنّ قرار ترامب شكّل نوعاً من الهجوم على كلّ هذه الأمة حين أعلن نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبرها عاصمة «إسرائيل». و«مؤسّسة القدس الدولية» ـ فرع سورية كانت فعّالة وناشطة جداً في الردّ على هذا القرار وسلّطت الضوء على كلّ ما جرى في الآونة الأخيرة في الأراضي المحتلّة وما زالت.
يونس
كما أشار رئيس «لجنة دعم الأسرى المعتقلين والمحرّرين السوريين في سجون الاحتلال الإسرائيلي» علي يونس إلى أن هذه الاحتفالية تؤكّد أنّ القدس تعيش في وجداننا وضميرنا وهي بوصلتنا.
وتابع: كأسير محرّر أقول إنّ هؤلاء الأسرى الذين عُذّبوا واستشهدوا من أجل فلسطين والجولان أدركوا أنّ هذه المعركة معركة طويلة، وأنّ الكيان الصهيوني مهما حاول أن يغيّر معالم القدس ويحيّدنا عن بوصلتنا الأساسية، إلّا أننا سنبقى ندافع عن حقنا. فنحن لدينا تاريخ وجذور تمتد إلى آلاف السنين في القدس وسنظلّ نرفع راية القدس وراية الجولان إلى أن يتم التحرير واستعادة كل حقوقنا المسلوبة وأراضينا المغتصبة من دون وجه حقّ من قبل «إسرائيل».
حفل غنائيّ
وأحيا كورال «فرقة جوى» الموسيقية بقيادة المايسترو يوسف ابراهيم حفلاً غنائياً موسيقياً تضمّن مختلف صنوف الغناء العربي، ما بين التراثي والحديث. منها قصيدة «ليلنا يا شام حلو» كلمات الشاعر عدنان قنوع وألحان الموسيقيّ عدنان أبو الشامات. ثمّ وصلة من الأغاني الفلسطينية التراثية المعروفة بصوت المطربَين أحمد شيخة ومحمد المصري، وسط تفاعل من الجمهور مع أغانٍ مثل «علّي الكوفيّة» و«بيك قال الوعد الصبح» و«يا حلالي ويا مالي» و«يا واردة عالمَي» و«يا ظريف الطول» و«وين عا رام الله».
ثمّ قدّمت المغنّية ليليان الطبّاخ قصيدة «أجراس بيت لحم» للشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب وألحان الموسيقيّ سمير كويفاتي. ليقدّم الكورال بعدها أغنية «يا عيونك» بتوزيع لافت بين أصوات الرجال والنساء. ثمّ غنّى محمد اللبابيدي من كلماته وألحانه «نحنا راجعين».
واختتمت «فرقة جوى» حفلتها التي حظيت بثناء واسع من قبل الحضور، بمواويل العتابا وبِوَصلة من الأغاني التراثية السورية من مختلف المحافظات مثل: «قالولي كن» و«شفتك يا جفلة» و«يا ما اسعد الصبحية» و«عَ اليوم شمل» و«زيّنوا المرجة». أما أغنية الختام فكانت «بالفرح بالعزّ الديار معمّرة».