تركيا وقطر صنعتا «داعش» و«النصرة» لصاحبتهما أميركا
حسام عيسى
كانت «القاعدة» حتى العام 2010 كائناً كامناً موجوداً في العراق وأفغانستان تحت ضغط الملاحقة، ولم يكن لأحد أن يتوقع أن تتحوّل بمولوديها الجديدين، «النصرة» و»داعش» إلى اللاعب الرئيسي على مسرح الشرق الأوسط.
كانت قطر كدولة صغيرة متموضعة على ضفة دعم المقاومة والصراع مع السعودية أولويتها، وجزيرتها القناة الأولى المحبوبة لدى جمهور المقاومة، وكان الطابع الإسلامي للقناة لا يشير إلى خلفية حزبية بعينها، فقد كانت خليطاً لإسلاميين بعضهم من جذور «الإخوان المسلمين» وبعضهم الآخر على تماس مع «القاعدة»، وكان اهتمامها بـ»القاعدة» يبدو مهنياً من جهة ونكاية بالأميركيين من جهة أخرى، فيما تبدو العلاقة بالقاعدة الأميركية والمكاتب «الإسرائيلية» من ضرورات الواقعية السياسية.
كانت تركيا الدولة «الإسلامية العلمانية» الوحيدة القوية الصاعدة اقتصادياً، الناجحة بانفتاحها على سورية وإيران، والعضو في الأطلسي في وقت واحد، تبدو كحاضن لفلسطين من يوم قضية اسطول مرمرة، ومساعي فك الحصار عن غزة واللغة العالية النبرة في وجه «إسرائيل»، والعلاقة بـ»الإخوان المسلمين» كانت نوعاً من تواصل مفيد لنقل عدوى العلاقة الجيدة بسورية وإيران، وإضعافاً للحكومات العربية الدائرة في فلك أميركا والخانعة أمام «إسرائيل».
عام 2010 تزامنت ثلاثة تطورات باتت اليوم معلنة وفي التداول:
الأول هو اجتماع «الإخوان المسلمين» بالأميركيين في أنقرة بشراكة تركية قطرية لمناقشة حال مصر ومستقبلها بين التوريث والعسكر بعد مبارك، وعرض الإخوان بضمانة تركيا وقطر تسليمهم مصر مقابل تعهّدهم بحماية «كامب ديفيد» وضبط غزة، والتعاون للضغط على سورية.
الثاني هو اجتماع فرانكفورت لقادة الأطلسي الذي ترأسه باراك اوباما وقدّم خلاله لزملائه المعطيات التي تقول إنّ الشرق الأوسط ساحة عمل حيوية، وإنّ أميركا لم تعد قادرة أن تتحمّل وحدها عبء التصدي للأحداث، وتقرّر يومها تكليف تركيا بالجهوزية للمنطقة الآسيوية، وفرنسا بالمنطقة الأفريقية ما عدا مصر والسعودية وإيران، أما «إسرائيل» فتبقى مسؤوليات أميركية حصرية.
الثالث هو بداية ما سُمّي بالربيع العربي بأحداث عرفت مثلها تونس من قبل في منطقة الجوف، مع إضراب عمال المناجم وغاب عنها الإعلام، لتتحوّل هذه المرة بقوة حضور «الجزيرة» والتحاق «العربية» بها إلى تحركات متواصلة ومتسارعة، تتوقف معها برامج القناتين ويصير فوراً العنوان شعب يصنع ثورة وتتواصل الحلقات في مصر واليمن وتبدو حكومتا قطر وتركيا تقودان ثورة الشعوب على الحكومات الموالية لأميركا.
بدأت العدوى في ليبيا وامتدّت إلى سورية منتصف العام 2011، وتركيا وقطر ومعهما حماس هذه المرة، وحكومتا تونس ومصر هذه المرة أيضاً في خندق الدعوة لإسقاط الحكمين الليبي والسوري ولو اقتضى الأمر تدخلاً أطلسياً يتحقق في ليبيا ويتسعصي في سورية.
تكشفت حكومتا قطر وتركيا عن رأس الجسر لمشروع أميركي جديد عنوانه تسليم الحكم في المنطقة لـ»الإخوان المسلمين»، وبدت السعودية الشريك في معركتي سورية وليبيا على ضفة أخرى في مسألة «الإخوان».
فشل «الإخوان» ومعهم تركيا وقطر والسعودية وفرنسا وأميركا بإسقاط سورية فسقطوا في مصر الموقع الأهمّ في العالم العربي، وتراجع الدور التركي القطري لحساب السعودية.
ظهرت «جبهة النصرة» ومن ثم تنظيم «داعش»، من رحم «القاعدة»، ولم يعرف سبب تغيير الأسماء، وبدا بقوة حجم العلاقة القطرية بـ»النصرة» كما العلاقة التركية بـ»داعش».
«الإخوان» يقودون «القاعدة»، وتركيا وقطر في قلب لعبة الإخوان والقاعدة، والمفردات الجديدة تغيير أسماء وأثواب لـ»القاعدة»، وأميركا ترى وتسمع وتصمت او تشجّع أو تعترض بخجل.
اليوم «داعش» يروّض تركيا بجعلها تحت الضغط الأميركي، بعدما روّض البرزاني في أربيل، ويستنزف أكراد سورية المستقلين وينقلهم إلى تحت عباءة البرزاني، ويقف عقدة لإيران وسورية وحزب الله، ويبرّر بداعي الخوف سحب الودائع السعودية والخليجية للتسلّح والحماية، بينما «النصرة» برعاية قطرية زاد لأمن «إسرائيل» برعاية قطرية وقوة استنزاف لحزب الله وسورية على جبهات السلسلة الشرقية بين لبنان وسورية وعلى حدود فلسطين.
انتهى «الربيع العربي»، وخلصت الثورة، وجاء وقت الحقائق… وأحجام تركيا وقطر والسعودية تتحدّد تحت جزمة «داعش» و»النصرة» بعدما صار الأميركي حاضراً يدير بنفسه كلّ التفاصيل.
«توب نيوز»