هل يتّحد الأكراد في خدمة أوباما؟
عامر نعيم الياس
منذ بداية ما يُسمّى «الربيع العربي»، وجد الأكراد كما باقي مكوّنات العراق وسورية، أنفسهم في مواجهة أمر واقع جيّد يستند إلى افتراض حرب مذهبية بين الشيعة والسنّة من العرب. واقع فرض على جميع المكوّنات الأخرى من مذهبية وقومية، إعادة النظر في حساباتها كلٌّ بحسب رؤياه ودوافعه الدفينة. الأكراد من جهتهم، وكما كانوا المستفيد الأول من الاحتلال الأميركي للعراق، تحرّكوا في سورية باتّجاه فرض حكم ذاتيّ اقتداءً بتجربة البارزاني وإن اختلفت التحالفات والخطابات على المستوى المعلن.
ركّزت معظم وسائل الإعلام الغربية على ملفّ تراجع إرهابيي «داعش» عن عين العرب، وتقدّم وحدات الحماية الكردية في المدينة، لكن بالتعاون مع «مقاتلي الجيش الحر» بحسب «لوفيغارو» الفرنسية، فيما نسبت وسائل الإعلام الأميركية التقدّم الحاصل إلى التعاون الأمني الكردي ـ الأميركي الذي أدّى إلى «توجيه طائرات التحالف ضربات موجعة إلى مجاهدي الدولة الإسلامية الموجودين في كوباني» بحسب «نيويورك تايمز» الأميركية. وتحدثت وسائل إعلام أخرى عن سماح الأتراك للبيشمركة الأكراد التابعين للبارزاني بالدخول إلى عين العرب للقتال فيها.
أمور تطرح علامة استفهام حول الدور الكردي الجديد في معادلة العدوان الأميركي على سورية. فهل أصبح الأكراد بديلاً عن «المعارضة المعتدلة» كما تروّج بعض الصحف والقنوات العربية؟ أم أنّ التناقضات الداخلية الكردية كفيلة بتفجير هذه القوّة في وقت لاحق؟
في آب 2014، أعلنت وحدات حماية الشعب الكردي في سورية عن دخولها إلى سنجار لمساعدة المنكوبين من الأكراد والأيزيديين في المنطقة، وأعربت عن استعدادها للقتال إلى جانب البيشمركة للدفاع عن أربيل، وهو ما دعّمته دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة إيمرلي إلى ضرورة اتحاد الأطراف على طرفَيْ الحدود السورية ـ العراقية، معطيات لا تخرج في سياقها العام عن الاندفاعة الكردية للقتال في سورية دفاعاً عن عين العرب، والزيارة التي قام بها صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية إلى تركيا لطلب الدعم. فهل أدّت الزيارة التي وصفت بالفاشلة، إلى فتح قناة اتصال مع الأميركيين؟ وهل أدّت إلى التوصّل لصفقة تضع البيشمركة في صدارة المقاتلين في سورية مقابل تراجع وحدات حماية الشعب الكردي عن الواجهة؟
ممّا لا شك فيه أنّ ما جرى في سورية والعراق بأيدي «داعش» وتحديداً في الملف الكردي يؤكد على حقيقتين:
الأولى، القضية الكردية البوابة التي أدّت إلى عودة البيت الأبيض إلى المنطقة وإنشاء التحالف الدولي لمحاربة «داعش».
الثانية، بعث العاطفة القومية الكردية ونشوء حالة من التضامن العابر للحدود بين أطراف الحلم الكردي الجغرافي المفترض سواء على مستوى القاعدة الشعبية أو حتى على مستوى القيادات السياسية من حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان، مروراً بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وليس انتهاءً بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني. لكن هل يعني ذلك اتحاد الأكراد في بوتقة واحدة؟
إن الانقسام السياسي الكردي واختلاف الظروف الناظمة لتكتيكات الأكراد في إيران وتركيا والعراق وسورية، فضلاً عن الخطوط الحمراء التركية إزاء أكراد سورية وحزب العمال، كلّ ذلك يجعل من الصعوبة بمكان تحوّلهم إلى بديل عن «معتدلي» الرئيس الأميركي باراك أوباما في سورية، فعلى رغم ما يجري اليوم في عين العرب وما جرى في سنجار ومحاولة الأكراد استغلال هذه الفوضى، علينا ألا نغفل أن الأحزاب السياسية الكردية الكبرى كانت على الدوام بيادق في يد القوى الإقليمية والدولية التي توجهها كلٌّ بحسب مصلحتها، ولعلّ في الحلف القائم بين تركيا وحزب البارازاني في ما يسمى «كردستان العراق»، مقابل حالة العداء التي تجمع أنقرة مع حزب العمال الكردستاني، خير مثال على اللانقسام الحاد والمؤثر بين المكوّنات السياسية الكردية والذي لا مفرّ من ظهوره بأشكال مختلفة على المدى الطويل.
كاتب سوري