وعي العرب والكيان المريض
د. رائد المصري
التطورات الاستراتيجية والعسكرية الكبيرة التي شهدتها المنطقة وتسارعها وترجمتها في إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» من قبل الدفاعات الجوية السورية والهلع الصهيوني حكومة وشعباً بعدم التوسّع بهذه الحرب، تقابله زيارة موفدين أميركيين الى لبنان وعلى رأسهم وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وهو ما يُنبئنا بأنّ واشنطن مستمرة في محاولات إثارة الفتن واللعب على التناقضات في لبنان والمنطقة رغم الفشل الذي لحقها حتى الآن…
لبنان على أبواب انتخابات برلمانية مفصلية يشير مسارها إلى أنّ الحصّة الوازنة في خريطة مجلس النواب المقبل، ستكون لقوى 8 آذار وحلفاء حزب الله وسورية. وهي نتيجة حتمية وطبيعية لسلسلة الانتصارات التي حقّقها محور المقاومة في العراق وسورية وثبات في الموقف الاستراتيجي. من هنا تأتي الاندفاعة الأميركية وردّ فعلها السريع في القيام بالاعتداءات على الجيش السوري وحلفائه في دير الزور لدى محاولاته تصفية آخر البؤر المسلّحة لتنظيم داعش الإرهابي، سبقته التصريحات الأميركية بأنّ الوجود العسكري في سورية هو وجود دائم للقضاء على الإرهاب. وهي أيضاً الإرادة في التعطيل ودق الإسفين وتوسيع الهوة بين تركيا وروسيا وإيران التي اتفقت بالحدّ الأدنى على إنهاء أيّ مفاعيل تقسيمية للدولة السورية والمحافظة على وحدة ترابها وسيادتها…
فالحضور العسكري الأميركي الذي حلّ محلّ التنظيمات التكفيرية المسلّحة في شمال وشرق سورية والفرات، ما هو إلاّ من أجل تشكيل حائط سدّ لمنع تواصل محور المقاومة الذي امتدّ من طهران الى العراق فسورية ولبنان، وهو ما أصاب «الإسرائيلي» بهستيريا عبّرت عنها بتكثيف غاراتها الجوية على مواقع لحزب الله والجيش السوري لكونها لم تأخذ منها ورغم الزيارات السّبع لموسكو أيّ ضمانات بعدم اقتراب محور المقاومة وفصائله الجهادية من حدودها الشمالية…
وإزاء هذا التخبّط الأميركي الصهيوني في محاولة استثمار الأدوات الإرهابية وما تركته بعد اندحارها، وفي محاولات يائسة تشكّلت لجنة أميركية «إسرائيلية» سعودية ووضع تحت تصرّفها كلّ الإمكانات لتنفيذ عمليات اغتيال في المنطقة، بعد أن نجحت الى حدّ ما في إعادة بناء شبكاتها الجاسوسية والتخريبية أقلّه في لبنان، وأنّ هناك جهوداً مالية كبيرة بذلت لتحقيق هذه الغاية، كذلك فإنّ أفراداً أجانب يحملون جوازات سفر أميركية وكندية وأوروبية يقومون بأدوار رئيسية إضافة الى لبنانيين وسعوديين وخليجيين يدخلون لبنان من دون تأشيرات…
إذن الولايات المتحدة أعلنت الحرب على روسيا من على الأراضي السورية وفي العلن، لأنّها خسرت كلّ الحروب التي بدأتها ضدّ هذه الدولة ومحاولة تطويعها وتطويقها وحصارها. أولى هذه الخسائر كانت الشيشان في تسعينيات القرن الماضي ثمّ الحرب ضدّ روسيا في جمهورية جورجيا وفي أوكرانيا، كما صعقت من عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا بدون أن تسيل قطر دم واحدة من عسكري أو مدني. والولايات المتحدة التي حكمت العالم على مدى عقدين من الزمن وأكثر بدون منافس لا تريد أن ترى عالماً متعدّد الأقطاب، فاستطاعت أن تسقط أنظمة وتقسّم دولاً وتفتّت جيوشاً، وهو ما فعلته في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا، ومحاولتها أخيراً في سورية تحت ذرائع واهية واستخدام المشاريع الأممية وقرارات مجلس الأمن بعد السّطو عليه، ضاربة بعرض الحائط كلّ القوانين الدولية بدون أن ترى أيّ مقاومة من أيّ دولة بعد انهيار الثنائية القطبية، كما أنّ مركز القرار والإدارة في الولايات المتحدة لا يريد أن يرى روسيا قوية اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وعودة الصناعة والعلوم إليها، بعد أن مرّت بفترة انهيار خلال اثني عشر عاماً منذ انفراط العقد السوفياتي عام 1990…
نقطة مهمّة وأساسية لا بدّ من الإضاءة عليها ربّما تتوضّح الفكرة من خلالها جراء تسارع أحداث المنطقة وانكسار هيبة سلاح العدو «الإسرائيلي» الجوي الذي قيل إنه لا يُقهر، وهي بأنّ الكيان الصهيوني وكونه كياناً مريضاً مشوّهاً قام منذ الأساس على التناقضات الدولية والإقليمية وتقاطعات المصالح والمسارات، فإنّ مساره هذا بات رهناً بالمتغيّرات وبالمصالح وبالتقاطعات التي أوجدته وهي اليوم مختلفة عن زمن إنشائه وقيامه، بمعنى أنّ أسباب ونشأة قيام «إسرائيل» على أرض فلسطين المحتلة هي غيرها اليوم في المعطى الدولي والإقليمي وحتى الداخلي والاجتماعي، لأنّه حقيقة وهمية قامت لتأمين المصالح الامبريالية للنظام العالمي الرأسمالي الاستعماري، وهذه المصالح والبيئات الاقتصادية والاجتماعية حتى في داخل الكيان الصهيوني تغيّرت وتبدّلت وجهتها.. من هنا تجب قراءة النصّ الصحيح والصيغة التي بها يزول هذا الكيان المريض من جسد الأمة…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية