لماذا يشكل إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» حدثاً غير عادي؟

رامز مصطفى

إسقاط طائرة «أف 16» الأميركية الصنع والإسرائيلية الملكية، من قبل الصواريخ السورية من طراز «سام 5» السوفياتية الصنع، حدث غير عادي، ليس لجهة المواقف المبدئية للدولة السورية وقيادتها في مواجهة المشروع الصهيو أميركي، فهي ثابتة ثبوت إيمانها اليقيني في الصمود والتصدّي للحرب الكونية التي تقودها الولايات المتحدة و»إسرائيل» والأدوات الوظيفية في الواقع الإقليمي بهدف إسقاط المنطقة برمّتها. ولكن لأنّ إسقاط تلك الطائرة الأميركية «الإسرائيلية» يأتي في توقيت شديد التعقيد وبالغ الخطورة، حيث تتدحرج الأوضاع نحو التصعيد بسبب أنّ سورية وحلفاءها وبعد استعادة زمام المبادرة انطلاقاً من الميدان السوري الذي مالت موازين القوى فيها لمصلحة محور المقاومة وحليفتها روسيا الاتحادية. الأمر الذي بدأت فيه مرحلة استبدال الأدوات، ليحلّ محلها الأصلاء بعد فشل تلك الأدوات في تحقيق أهداف هؤلاء من مشغّلين ومحرّضين ومموّلين، وهذا ما بدا واضحاً، أولاً عبر إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ أميركي من قبل الإرهابيين، وثانياً بدأت تركيا تدخلاً عسكرياً ضخماً تحت حجة التصدّي للأطماع الكردية الهادفة إلى إقامة كانتون وطردهم من عفرين ومنبج، وثالثاً من خلال الغارة الأميركية في دير الزور على القوات الشعبية الحليفة لسورية، ورابعاً تلك الغارة «الإسرائيلية» على مواقع سورية، والتي ارتدّت على العدو الصهيوني بإسقاط طائرتها الـ «أف 16» فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فما هو الحدث الغير عادي الذي ترتب على إسقاط الصواريخ السورية للطائرة «الإسرائيلية»؟

ـ من الواضح أنّ هناك قراراً على أعلى المستويات قد اتخذ للتصدّي للعدوانية «الإسرائيلية» المتمادية ضدّ الأراضي السورية خلال السنوات السبع من عمر الأحداث. وهذا القرار لا يتعلق بمحور المقاومة وحده بل القيادة الروسية والرئيس بوتين ليسا بعيدين عنه، بعد حادثتي إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ أميركي الصنع، والغارة الأميركية على دير الزور، والتي دفعت الوزير لافروف للقول صراحة بأنّ الولايات المتحدة تعمل على تقسيم سورية، والسيطرة على ثرواتها.

أتى الردّ السوري المشرّف على العدوان «الإسرائيلي» وبهذه القوة والحزم، قبل أيام من عقد القمة الروسية الإيرانية – التركية المرتقبة، للتأكيد لتركيا أنّ عمليتك العسكرية في عفرين ومنبج، وأنّ هناك تفهّماً روسياً لا سورياً لها، ولكن لن يعطيك الحق في البقاء طويلاً في الداخل السوري.

إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» بقدر ما هي رسالة لحكومة نتنياهو وجنرالاته بأنّ قواعد الاشتباك إن لم تتغيّر، فهي تسير حثيثاً نحو التغيّر. فهي رسالة أيضاً للولايات المتحدة، بأنّ طائراتك التي أغارت على دير الزور وارتكبت مجزرة مدانة باسم التحالف الدولي، ستلقى ذات مصير طائرة الـ «أف 16» إذا ما تكرّرت.

وعلى الجانب الآخر هي رسالة للحلف الذي تعمل الإدارة الأميركية على تشكيله في المنطقة لمواجهة ما أسموه بالخطر الإيراني المتمدّد في المنطقة، بأنّ محور المقاومة أخذ بعين الاعتبار أنكم دول معادية له، وستعاملون في أية حرب على أنكم جزء أصيل منها إلى جانب الكيان «الإسرائيلي».

انّ في أحد جوانب الردّ السوري الحاسم على العدوان «الإسرائيلي» بطريقة إسقاط وإصابة طائراته، ردّ روسي على إسقاط طائرة له بصاروخ أميركي، للقول لأميركا إنّ هذا العمل وهذه الفعلة الشنعاء لن تمرّ مرور الكرام وكأنّ شيئاً لم يكن.

تأكيد ما قاله الرئيس بوتين لرئيس الحكومة «الإسرائيلية» نتنياهو في لقائه الأخير، بأنّ في مقدورك بدء الحرب، ولكنك لن تتمكن من التحكم بمسارها. وما جرى هو شيء مصغّر عما سيحصل في حال إندلاع الحرب.

التأكيد لـ«الإسرائيلي» ومن قبله الأميركي، أنّ محور المقاومة موحّد في أية حرب قادمة، وإنّ الرهان على خلافات بين أطراف هذا المحور لن يجدي نفعاً، والجواب جاء في ردود الأفعال على العدوان الغاشم على سورية، والثناء على أداء الجيش السوري، وإعلان الكتائب المسلحة في قطاع غزة حالة التأهّب القصوى بين صفوفها تحسّباً لأية تطورات عسكرية.

حصيلة ما جرى منذ لحظة إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» وحتى كتابة هذه السطور تدعو للتفاؤل بأنّ الآتي من الأيام لن يكون إلاّ في مصلحة محور المقاومة الممتدّ من إيران إلى العراق وسورية ولبنان إلى فلسطين، والأيام بيننا.

كاتب وباحث سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى