دلالات الردّ السوري…
زهير فياض
لقد جاء الردّ السوري على الاعتداءات «الإسرائيلية» المتمادية بحجم الحدث ذي البعد الاستراتيجي الذي يرسم تحوّلات في مسارات الصراع في المنطقة كلها… ليس أمراً عابراً أو بسيطاً ما حدث، بل شكل وبامتياز تحوّلاً أساسياً في المفهوم سيؤدّي إلى بناء قواعد تكتية جديدة تحكم اتجاهات الصراع المفتوح في الزمان والمكان وعلى الجبهات كلّها.
لقد شكل الردّ السوري عنواناً لمرحلة جديدة في الصراع تؤشر إلى تجاوز قوى المقاومة وعلى رأسها سورية الشام تحدّيات هائلة واجهتها خلال السنوات الماضية بسيناريواتها المختلفة والمتعدّدة، وإلى احتواء كلّ الأخطار التي كانت تنذر بأوخم العواقب على كامل البنية المجتمعية لشعبنا وأمتنا، وتؤشر أيضاً إلى أنّ مرحلة جديدة قد بدأت لن تكون كما قبلها، بل مرحلة جديدة بكلّ المقاييس ستنتقل معها قوى المقاومة من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة الردّ القوي والفاعل والمؤثر في مسارات الأحداث ولا سيما مسار الصراع الأساسي مع الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين…
إنّ قراءتنا للمرحلة السابقة تنطلق من كون الأحداث كلها وتطوّراتها كانت تصبّ في إطار الضغوط الهائلة التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية والغرب ومعها «إسرائيل» لتطويع إرادة المقاومة لدى شعبنا، منذ الاجتياح الأميركي للعراق، والضغوط التي مورست آنذاك على سورية وخاصةً زيارة كولن باول المشهورة ولائحة المطالب التي قدّمها للرئيس بشار الأسد، وصولاً الى أحداث لبنان واغتيال الحريري، إلى حرب تموز، وصولاً إلى المشروع الجهنّمي الذي انطلق من خلال ضرب الشام وإشعال الحرب فيها بعد استقدام الإرهابيين إلى أرضها ورعاية أكبر وأبشع عملية تدمير ممنهج للدولة والمجتمع فيها، باعتبار الشام قلعة الصمود الحقيقية التي تتكئ عليها كلّ قوى المقاومة في بلادنا.
بالفعل، إنّ أحداث الأعوام الماضية كانت هائلة في تحدياتها وصورها وأشكالها ومآلها ومعانيها ومساراتها، فحجم القوى المعادية هائل بما تمّ توظيفه من طاقات وقدرات وإمكانات لتدمير الدولة في الشام وإسقاط الرمزية التي شكلتها في الوحدة والتنوّع والمقاومة، فكان رهان القوى المعادية على إسقاط هذه الرمزية وإدخال بلادنا كلها ابتداءً من الميدان الشامي في متاهات الصراعات والحروب العبثية على قاعدة الانقسام الطائفي والمذهبي، لإسقاط المقاومة وروحها، وضرب إرادة الصراع بما يفتح أمام الكيان الصهيوني المأزوم آفاق الاستمرار والتطوّر والبقاء والتعويض على مأزقه البنيوي الذي كان واضحاً وماثلاً أمام أعين حتى قادته، نظراً لتراجع ديناميات المشروع الصهيوني وأدواته نتيجة أسباب ذاتية وموضوعية شكلت قلقاً بنيوياً كبيراً وهاجساً مخيفاً لقادة هذا الكيان المسخ.
بيد أنّ تطوّرات الأحداث وتقاطعاتها ومساراتها ومآلها أدّت وكنتيجة للإنجازات الميدانية التي حققها محور المقاومة على الأرض وفي الساحات كلها إلى قلب موازين القوى وتعديلها واستعادة زمام المبادرة بعد توجيه ضربات قاصمة للإرهاب ورعاته الدولييين وإسقاط تنظيماته من داعش إلى النصرة إلى غيرها، مما شكل صدمة للراعي الأميركي والدولي، ومما أقلق جذرياً الكيان الصهيوني ودفعه إلى محاولة التعويض عن الفشل الذريع في تعميم الفوضى «الخلاقة إسرائيلياً»، من خلال تبديل السيناريوات وتوجيه ضربات مباشرة لقوى المقاومة وعلى رأسها سورية للحفاظ على صورة التفوّق الاستراتيجي «الإسرائيلي» – قبل كلّ شيء – في أذهان المستوطنين، أيّ الصورة في الداخل قبل الخارج.
بهذا المعنى، جاء الردّ السوري الأخير في التصدّي للعدوان «الإسرائيلي» وإسقاط طائرة «أف 16»، وإصابة غيرها، لتعلن دمشق أنّ زمن الهزيمة قد ولّى، وأنّ زمن الاحتواء قد انتهى، وجاء زمن الردّ المعاكس من موقع القوة والصمود والتحدّي التاريخي…
عميد الثقافة والفنون الجميلة
في الحزب السوري القومي الاجتماعي