«خزف القدس».. صمودٌ مقاوم بوجه خطّة استهدافه الصهيونيّة
في معرض خاص بمنتجات الخزف الفلسطيني التي ينتجها مصنع عائلة باليان الأرمنية والذي يحافظ على إنتاج الخزف يدوياً في القدس منذ عام 1922، تُعرض أطباق خزف مطليّة حديثاً ومنتجات أقدم منها جنباً إلى جنب، وتُرسَم على قطع الخزف تصميمات معقدة لطواويس وأشجار نخيل وأشجار زيتون تجمع بين أساليب فنون تراثية متعددة.
ويصف نيشان باليان مدير متجر بيع الخزف ومصنع «حزف القدس» الذي تملكه عائلة باليان بأنه واحد من أقدم، إن لم يكن أقدم، مصانع الخزف في القدس وحافظ على إنتاج الخزف على الرغم من الأوقات العصيبة التي تعرّضت لها مدينة القدس، ولا تزال.
ويعترف باليان بأن الحفاظ على ديمومة المصنع لم يكن مهمة سهلة، واصفاً تاريخ الخزف الفلسطيني بأنه أحد المنتجات الفلسطينية التي نجت من الزوال حتى الآن.
وقال «تاريخ الخزف الفلسطيني خالد، فبعد سنتين يصبح عمر مصنعنا العائلي مئة عام كمؤسسة من تاريخ الخزف الفلسطيني، فيبقى مستمراً ومصامداً من النواحي كافة الأمنية والسياسية، الاقتصادية».
وجاء الجد باليان إلى القدس في عام 1919 لتجديد خزف مسجد قبة الصخرة ثم أنشأ مشروع مصنع الخزف في القدس في 1922.
وفي المصنع يعمل خمسة أشخاص تقريباً في صناعة الخزف اليدوي من بدايته حتى خروج المنتج من المصنع. ففي البداية يكون طيناً يتم تشكيله فحفّه ثم تلوينه بعدها.
وقالت أماني زعنيني، تعمل في مصنع الخزف منذ عشر سنوات، «شغلنا كله يدوي. عملنا نادر لا يوجد مثله الكثير، كله يدوي بينما المنتشر في السوق كله تصنيع ماكينات. أي قطعة تبدأ طينة ثم تشكّل وتشوى بمراحل عدة بالفرن، وتحفّ، وتنظّف ثم نرسم عليها ونزينها بتلوين مناسب وتُغمس بالطلاء ومن ثم إلى الفرن».
ويجذب المتجر الذي يعرض ويبيع منتجات مصنع الخزف زبائن محليين وسائحين أجانب يزورون القدس.
يقول مدير المصنع: في العام 1967 انتشرت العديد من الشركات «الإسرائيلية» التي بدأت تروّج لتقنيات صناعة الخزف الآلية، وانتشر الخزف الصناعي بعد ذلك في العديد من المدن الفلسطينية، وخاصة في الخليل، التي يشتهر العديد من أبنائها في صناعة الزجاج الملوّن، والمطعّم بالرسوم… الآن هناك خزف صناعي على مستوى واسع في العالم، ومعظمه صناعة صينية، والعديد من المتاجر الفلسطينية تحتضنه لرخص ثمنه، وهناك الصناعة الخليلية، وهي أعلى جودة من نظيرتها الصينية، لكنها ليست يدوية أصيلة كما في مصنع «الخزف الفلسطيني»، أو «خزف القدس».
ويؤكد نيشان الذي يحمل اسم جده، وورث الصنعة عن والده ستراك، أن الخزف الصناعي أوسع انتشاراً، كون أن العديد من السياح، وحتى الفلسطينيين، يرون فيه بديلاً «أقل سعراً» من «الخزف الفلسطيني» الأصيل.. ويقول: نحن مصرّون على إنتاج هذا النوع من الخزف رغم كل الظروف، لما يمثله من حفاظ على التراث والهوية الفلسطينية، ولقيمته الفنية… نحن صامدون بسيراميكنا منذ العام 1922، رغم ما عانته القدس من ظروف صعبة أعوام 1948، و1967، و1973 لم نهجر القدس، ونعود إلى أرمينيا، أو نرحل إلى الولايات المتحدة أو أوروبا كما فعل غيرنا… آثرنا البقاء في هذا المكان، والاستمرار في صناعة «الخزف الفلسطيني» حتى اليوم، بل إننا وسعنا دائرة عملنا، وأسسنا مصانع للخزف الفلسطيني في أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وإسبانيا.
ويضيف باليان: للخزف الفلسطيني رونقه، وهناك من يقدر ذلك، ولا يأبه للسعر في مقابل الحصول على قطعة فنية مجبولة بالعرق، وليس من صنع الآلات … المتجر مزار للعديد من السياح الأجانب، وهم يفضلون صناعتنا … بعضهم يأتي بعد سنوات ليبتاع المزيد من القطع، وبعضهم الآخر ينصح أقاربه وأصدقاءه من زائري القدس بضرورة زيارتنا، والحصول على قطع فنية كتذكار فلسطيني من المدينة المقدسة، والبعض الآخر يكتفي بزيارة موقعنا الالكتروني، ليشعر بالتواصل مع عبق التاريخ في 14 شارع نابلس.
ويؤكد باليان أنه سيواصل عمله في المتجر حتى آخر يوم في حياته، رغم الانتشار الكثيف لمصانع الخزف الآلية في فلسطين والصين وغيرهما، مشيراً إلى أن «سر الصنعة» يبقى محفوظاً لدى أبناء العائلات الثلاث من مزاولي المهنة.
لا يعرف باليان إن كان أي من أبنائه سيواصل مشوار العائلة من بعده، لكنه يتوقع أن ولده ابن الرابعة عشرة، والذي يبدو مهتماً بذلك، وربما ولده الأكبر، ويدرس في فرنسا، سيحافظ على «الخزف الفلسطيني» حتى يحتفل بمئوية المصنع، هنا في 14 شارع نابلس في القدس.
وعلّق أميركي من تكساس بقوله «جميل، الجودة تبدو استثنائية. وهذا هو ما جذبنا للمحل. مررنا به الليلة الماضية ولم يكن مفتوحاً لكننا نظرنا عبر نوافذ العرض وشاهدنا أشياء رائعة فعدنا إليه اليوم».
وعلى الرغم من أن قطع الخزف القديم والجديد المعروض في المتجر تهتم بالتفاصيل بشكل دقيق فإن المسموح ببيعه هو قطع الخزف المنتجة حديثاً فقط.
رويترز، ووكالات