ما هو دور الولايات المتحدة في سورية بعد داعش؟
د. هدى رزق
أعرب وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن شكوكه في تأثير روسيا على القوى الحليفة لها في سورية بعد اشتباك الأخيرة فى دير الزور مع قوات «قسد»، ما اضطر القوات الأميركية لمساعدة حلفائها.
وقال ماتيس انّ واشنطن أبدت مخاوفها بشأن تحركات القوات السورية وحلفائها، وبلغت القوات الروسية عبر خط ساخن في قطر، لكن الروس لا يملكون السيطرة على هذه القوات والأمور معقدة، واستمرّ فى وصف هذه المعركة بأنها حدثت لمرة واحدة حيث اتخذت القوات التى تدعمها الولايات المتحدة هجوماً دفاعياً يتفق مع القانون الدولي. واكد انّ القوات الأميركية لا تشارك في الحرب السورية». هذه التأكيدات لم تلغ قلق الكونغرس من انّ إدارة دونالد ترامب يمكن ان تجرّ الولايات المتحدة إلى حرب في الشرق الأوسط دون الحصول على إذن مناسب منه.
تبدو روسيا جادّة في ممارسة الضغط على 2000 جندي أميركي ما زالوا في سورية من خلال دعمها للعمليات في غرب الفرات، وهي تدعم أردوغان في تهديداته بالدخول الى منبج. في وقت يعتقد فيه الأكراد في سورية انّ تركيا يجب ان تتفهّم انّ القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة لا تهدّدها ولا تهاجمها عسكرياً. حتى أكراد تركيا في ديار بكر الذين صوّتوا لصالح حزب العدالة والتنمية غاضبون من أردوغان بسبب الهجوم على مدينة عفرين.
تركيا لا تفهم ما يريده الأميركيون، وهي أعربت عن استغرابها أكثر من مرة، كذلك الأكراد رغم تحالفهم مع البنتاغون لا يعرفون ماهية السياسية الأميركية في الشرق رغم انهم يحبّذون بقاء القوات الأميركية التي دعمتهم بالسلاح وقاتلوا معها داعش، مع انّ البنتاغون عند بداية الهجوم التركي على عفرين هدّد الأكراد بأنه سيقطع الدعم عن الوحدات التى تترك الخطوط الأمامية، بعد توجه المزيد من المقاتلين وحلفائهم نحو عفرين. ويقول انّ المستشارين الأميركين يقومون بمراقبة استخدام الأسلحة والإمدادات التي يعطونها للعناصر الكردية ولقوات الحماية، لضمان استخدامها فقط ضد «داعش» وانّ ايّ سوء في الاستخدام قد يؤدّي الى تقليص الدعم المحتمل اذا تمّ التحقق منه.
لا تبدو المهمة العسكرية الأميركية محدّدة المعالم فهي لا نفوذ لديها فى كلّ سورية كي تسعى دبلوماسيتها لأنهاء الحرب كما يقول السفير السابق روبرت فورد. ويحذر الدبلوماسيون والخبراء الأميركيون السابقون من غموض أهداف واشنطن.
لكن الخبراء العسكريين يعبّرون عن ارتياحهم لأنّ إدارة دونالد ترامب تقول إنها تعتزم إبقاء حوالي 2000 جندي أميركي في شرق سورية حتى تحقق أهدافها السياسية الواسعة. هذه الأهداف عبّر عنها خطاب تيلرسون الشهر الماضي، وهي تشمل ليس فقط منع عودة داعش، بل مواجهة وجود إيران في سورية، وردع التهديد الإيراني لحلفائها الإقليميين مما يفسح الطريق أمام عودة اللاجئين والنهوض بالسياسة السورية بعد الحرب ورحيل الأسد.
حذر روبرت فورد السفير الأميركي السابق لدى سورية من أنّ القوات الأميركية في شرق سورية لا تعطي واشنطن قدراً كافياً من النفوذ لإملاء النتائج السياسية في سورية الغربية التي يسيطر عليها الأسد والتي يعيش فيها معظم السكان، وفى الوقت نفسه فإنّ القوات الأميركية والمسؤولين المدنيين الذين يعملون من أجل تحقيق الاستقرار فى شرق سورية يجب ان يعملوا على ألا يصبحوا هدفاً للعنف لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تقلّل من أهدافها في سورية والاستفادة من المصالح لديها لا سيما انّ عملية جنيف التى تسهلها الأمم المتحدة أصبحت «ميتة».
تحاول إدارة ترامب الاستفادة من وجودها العسكري الحالي في شرق سورية وسيطرتها على حقول النفط السورية الحيوية لتعزيز موقفها في المساعدة على دفع حلّ سياسي في سورية كما يقول خبراؤها العسكريون، ويعتقد هؤلاء انّ الموقف الأميركي في سورية يهدف في الواقع إلى اظهار انّ الأميركي يلتزم بإنهاء النزاع السوري، ويرسل إشارة أوسع إلى سورية وحلفائها لا سيما إيران وروسيا، بأنّ الولايات المتحدة تستثمر سياسياً في سورية.
تدرك الولايات المتحدة أنّ لها موقعاً وحصة في مستقبل سورية. ولها رأي في كيفية تطوير هذا المستقبل «في حين كان العديد من المحللين قلقين بشأن ما يبدو التعاريف الغامضة للأهداف الأميركية المعرب عنها لسورية، بما في ذلك تقليص الوجود الإيراني هناك، لكن التهديدات الأميركية والغربية لوقف المساعدة في إعادة الإعمار في المناطق السورية تحت سيطرة الأسد لا يرجح أن تؤثر عليه في تقديم تنازلات سياسية ذات مغزى. فمنذ بداية الأزمة ساهم الإيرانيون والروس في عدم انهيار الحكومة السورية اقتصادياً، وهم قدّموا لها القروض والمساعدات السلعية. لذلك لا يمكن ان تطلبه واشنطن سيكون غير قابل للتطبيق…