الأسد مقابل أردوغان ونتنياهو
ناصر قنديل
– تكاد الحرب السورية أن تكون حرباً بين الرئيسين بشار الأسد ورجب أردوغان، وبنسبة لا تقلّ عنها حرباً بين الرئيس بشار الأسد ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، كنمطَين متقابلَين للحكم وإدارة القضايا الكبرى وممارسة السياسة والحرب، ونمطَين متقابلَين لشخصيتين قياديتين تقف كلّ منهما في موقع لا يسهل تخطّيه في الحسابات الكبرى للدول الفاعلة والدول الكبرى منها. فليس من المبالغة القول بأنّ الحرب على سورية كانت تتمحور حول إطاحة الرئيس بشار الأسد لما يرمز إليه من وحدة سورية وقوة جيشها وثباتها في ممارسة الاستقلال الوطني وانتمائها العميق والفاعل في محور المقاومة، كما القول إنّ الحرب على سورية ما كانت لتكون لولا الانخراط الكلي للرئيس التركي رجب أردوغان بجعلها حربه وتسخير الميزات التفاضلية لتركيا لتوفير فرص الفوز بهذه الحرب، من حجم الدولة التركية وقوة جيشها واقتصادها وتشابكها الديمغرافي وجوارها الجغرافي مع سورية، لكنها أيضاً ما كانت لتكون لولا الخطر الذي مثّلته ولا تزال الخيارات التي تتخذها سورية ويتمسك بها رئيسها تجاه الصراع مع «إسرائيل».
– خلال سبع سنوات من حرب لم يبقَ فيها مجال لاستثمار فائض قوة إلا وسُخّر للفوز بهذه الحرب، ولم تبق دولة أو جماعة يمكن للزجّ بها أن يوفر فرصاً للفوز إلا واستجلبت، ويبدو واضحاً اليوم، أنّ الفوز بالحرب على سورية صار مستحيلاً، كما يبدو أنّ نصر سورية ورئيسها وجيشها وحلفائها يتجه نحو محطاته الأخيرة رغم محاولات العرقلة، لكن أكثر ما يبدو أنّ هزيمة الرئيس التركي ستكون العصف المدوّي لخاتمة هذه الحرب، باعتبار أنّ زميله بنيامين نتنياهو قد لا يصمد في منصبه حتى يتجرّع مرارة كأس الهزيمة. وقد قالت الحرب الكثير عن رعايتهما للجماعات ذاتها، وعن تبادلهما النصح والمشورة والتنسيق، كما قالت إنّ أردوغان المعجب بشخصية نتنياهو كان يقلّده في الكثير ويحاول استنساخه، كما يفعل الثعلب في تقليد خطوات الضباع.
– صورة الرئيس القوي كانت في بداية الحرب تشبه نموذجَيْ أردوغان ونتنياهو، فيما الكثير من المراقبين من موقع القراءة البسيطة للموازين يتحدّثون أمام الحشد السياسي والعسكري والمالي والإعلامي والديني في الحرب، أياماً معدودة للرئيس السوري. وكان أردوغان ونتنياهو يتقاسمان جبهتي الجنوب والشمال لإدارة الحرب، لتقدّم لنا المشاهد الواردة في الأيام القليلة الماضية الصورة المعاكسة تماماً. فالرئيس الواقع تحت أعباء حرب سنوات سبع لم تبقِ ولم تَذَر من هياكل الدولة وقدراتها يفاجئ العالم أنه أعاد من الركام وبالإصرار والثبات والتخطيط والهدوء والمثابرة مع قادة جيشه وحلفائه بناء دفاعات جويّة تمرّغ أنف نتنياهو بوحل الهزيمة مع إسقاط طائرته المفتخرة الـ«أف 16». وها هو يُسحب أردوغان من أذنه في درس تأديبي في عفرين، حيث يرسل القوات الشعبية تحت عنوان، سقوط عفرين خط أحمر، فيما أردوغان جعل من عفرين بديلاً عن دمشق وحلب لحربه على سورية، على طريقة الثعلب الذي استفاق على ضوء الشمس وهو يمشي وظله يسبقه إلى عشرات الأضعاف من حجمه فحلم بفطور على جمل، ووصل كلما تقلص حجم ظله لتخفيض الحلم وارتضى قبيل الظهيرة بدجاجة، لكنه مع انتصاف الشمس في قبة السماء وجد الظلّ قد اختفى بين مربّع قدميه فنام على ظله جائعاً.
– لم يجد نتنياهو لستر فضيحة الهزيمة سوى الكذب. فقال إنّ طائراته شنّت غارات هي الأعنف منذ ثلاثين عاماً ودمّرت عشرات بطاريات صواريخ الدفاع الجوي. وهو يعلم أنه اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلباً لنداء تهدئة، كما يعرف أنه لو واصل القصف من بعد لكانت الصواريخ السورية البالستية جاهزة لتطال عمق كيان الاحتلال، ومثله لم يجد أردوغان سوى الكذب، لستر فضيحة الهزيمة، فوقف يتحدّث عن نفي دخول القوات الشعبية السورية إلى عفرين. ويقول مرة إنّ القصف أبعدها ودفعها للانسحاب، ومرة إنه توصل لتفاهم مع الرئيسين الروسي والإيراني يقضي بانسحابها. وهو يعلم أنّ هذه القوات بلغت مواقعها القتالية في عفرين، وأنّ وحدات إضافية منها كانت تصل عفرين مع كلّ دفعة من تصريحاته بالإنكار.
– لا حاجة لاستعراض النموذجين الأخلاقيين المتعاكسين، لنموذج الرئيس السوري ونموذج أردوغان ونتنياهو، ولا لموقع الحق والباطل في صناعة حاصل المعارك الكبرى، بل تكفي رؤية منسوب الموقف وسقوفه، عندما يصدر بالأفعال عن الرئيس السوري لإظهار القوة، ومضمون الكلام وكمّ الأكاذيب فيه ونبرة الادعاء الزائف، عندما يصدر عن نتنياهو وأردوغان لستر الضعف والهزيمة، لمن خانتهم الأفعال وما بقي لهم غير الأقوال من سلاح.