خيارات الجماهير العراقية في الانتخابات البرلمانية
أسعد تركي سواري
تقف الجماهير العراقية في الثاني عشر من أيار المقبل أمام استحقاق انتخابي، لولادة برلمان جديد تنبثق من رحمه حكومة جديدة، والخيارات المتاحة أمام الجماهير هي:
1 ـ العزوف عن الانتخابات وعدم الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع. وهذا الخيار سيزيد من حظوظ القوى السياسية الحاكمة في هيمنتها على المشهد السياسي، ولا يؤثر في شرعية الانتخابات طرفة عين، وفق الدستور العراقي الحاكم، كما أنه سيزيد من فرص استغلال أوراق الاقتراع وتزويرها لصالح القوى الحاكمة.
2 ـ المشاركة السلبية في الانتخابات وتعني الذهاب إلى صناديق الاقتراع بهدف إلغاء ورقة الاقتراع لضمان عدم استغلال صوته في عمليات تزوير محتملة. وهذا الخيار سيزيد من نسبة المشاركة التي ستُضفي بدورها صورة ديمقراطية لامعة على النظام السياسي القائم وتعكس ثقة الجماهير بالعملية الانتخابية، فضلاً عن بقاء القوى والشخصيات السياسية الحاكمة ذاتها.
3 ـ انتخاب القوى السياسية ذاتها والشخصيات السياسية ذاتها للاستفادة من تجاربها بذريعة امتلاكها الخبرة التي تراكمت نتيجة تعاقبها في الدورات البرلمانية. وهذا الخيار الذي ستتبنّاه الشرائح الاجتماعية المتحزّبة بحكم ارتباط المصالح، وبلحاظ الولاء السياسي والشخصي معاً.
4 ـ انتخاب القوى السياسية ذاتها ولكن بوجوه جديدة، وهذا الخيار يعكس ثقة شرائح اجتماعية معينة تثق بقوى سياسية محدّدة، ولكنها ممتعِضة من الأداء السياسي للشخصيات السياسية السابقة وتميل إلى تجربة مرشحين جدد. وهذا الخيار الذي ستتبنّاه الجماهير ذات الولاء السياسي والحزبي المسبق دون الولاء الشخصي.
5 ـ انتخاب كيانات سياسية جديدة بشخصيات سياسية قديمة تدّعي أنّ ما حصل من مثالب وانتكاسات وفساد هو بسبب قيادة القوى السياسية التي كانت تنضوي تحت لوائها، وأنّ تلك القيادات هي التي كانت تحتكر القرار والموقف السياسي، الأمر الذي حدا بهذه الشخصيات السياسية إلى الانشقاق عنها لتشكيل كيان سياسي برؤى وبرامج سياسية جديدة. وهذا الخيار ستعتمده الجماهير ذات الولاء الشخصي، بحكم ارتباط مصالحها بشخص المرشح دون حزبه، إذ تنتقل بوجهتها حيثما اتجه المرشح، لأنّ ولاءها للمرشح أولاً وبالذات، وللكيان السياسي ثانياً وبالعرض.
6 ـ انتخاب كيانات سياسية جديدة بمرشحين جدد، وعادة ما تلجأ القوى السياسية الحاكمة إلى اعتماد هذا الخيار، إذ تنشئ قوائم انتخابية وتدعمها من خلف الكواليس، وذلك بهدف استقطاب شرائح اجتماعية مستقلة لا تؤمن بعنوانها السياسي ولا تنسجم مع مشروعها السياسي وبرنامجها الانتخابي.
7 ـ انتخاب كيانات سياسية جديدة بمرشحين جدد، غير مدعومين لا ظاهراً ولا باطناً، لا من القوى السياسية الحاكمة، ولا من جهات خارجية معارضة. ويمكن ملاحظة ذلك من مستوى الدعم في الحملة الانتخابية. وهذا الخيار ستتبنّاه قوى وشخصيات اجتماعية فاعلة ناقمة على القوى السياسية المهيمنة على المشهد السياسي، وهي تؤمن بالتغيير السلمي عبر صناديق الاقتراع تحت مظلة الدستور القائم، بيد أنّ حظوظ هذه القوى ضئيلة بحكم نظام سانت ليغو المعدّل بصيغة 1.7 والذي يميل إلى دعم الكتل السياسية الكبيرة.
8 ـ انتخاب كيان سياسي جديد بمرشحين جدد، ومدعوم من جهة معلنة تحوز على ثقة غالبية المجتمع العراقي، ولا يختلف اثنان على أنّ مصداق هذه الجهة يتجسّد بالمرجعية الدينية في النجف الأشرف التي أظهرت تأثيرها العظيم في فتوى الجهاد الكفائي. وهذا الخيار وإنْ كان يستلزم حكماً تعديل المباني الفقهية السائدة للانتقال من ولاية الحسبة إلى ولاية الفقيه العامة، إلا أنه بات العلاج الأوحد لضمان الحفاظ على ثقة الجماهير بالنظام السياسي القائم، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات، ويكون ذلك عبر تشكيل كتلة برلمانية كبيرة وفاعلة، تمتلك القدرة على تعديل الدستور تحت قبة البرلمان، عبر احتوائها للكتل السياسية الأخرى.
وهذا هو الخيار الأمثل الذي يؤمل منه إحداث التغيير والإصلاح الواقعي المنشود تحت سقف ومظلة الدستور الحاكم، إذ إنّ شعور الجماهير بالقنوط واليأس من القدرة على التصحيح الذاتي والتغيير السلمي المأمول من الأنظمة الديمقراطية، سيقود حكماً إلى الثورة والتغيير العنيف.
أسأل الله تعالى أن يوفق شعبنا العراقي الكريم ونخبه الفاعلة إلى توجيه الرأي العام لتبنّي الخيار الأمثل، وبما يحقق الأمن والاستقرار السياسي والعدل الاجتماعي والازدهار الحضاري، حيث المقام الطبيعي للعراق العظيم الذي كفلته له ريادته على الحضارات الإنسانية.
رئيس مركز العراق لإعداد القادة